أت الحرب في العراق ضد تنظيم داعش الإرهاب تنتهي ويسعى الجميع لإيجاد مكان له داخل البلد المنكوب، وبدأت السعودية تطرق أبواب العراق حين أستقبلت المرجع الشيعي رغم كرهها للشيعة و إيران و اتهمهم بالإرهاب إلا أنها استقطبت "مقتدي الصدر" الذي خرج عقب زيارته مع "بن سلمان" ليدين الحشد الشعبي الشيعي، ويطالب برحيل الأسد وفقاً لما تريده السعودية.
وتساءلت صحيفة "ميدل إيست آي" ماذا فعل"بن سلمان" للصدر لكي يتخلي عن الحشد الشيعي و يتهمه بالإرهاب، وماذا تريد السعودية من العراق، و في يدها اليمن.
تقول الصحيفة أن عراق ما بعد داعش سيكون مختلفًا عما قبله، ويسعى الحاكم الجديد للمملكة لبحث إيجاد ذراع سياسية له داخل العراق، لأنه لن يقدر على خلق وكلاء عسكريين له بالداخل.
واختارت المملكة التقرب للصدر رغم أنه زعيم اثنين من أبرز فصائل ميليشيا الحشد الشعبي، هما "سرايا السلام"، و"لواء اليوم الموعود"، واتُهم الحشد من قبل المملكة ذاتها بارتكاب جرائم وانتهاكات وأعمال قتل بحق السنة، لكن جاء قرار التقرب من الصدر؛ لأن السعودية أدركت أنه لا بديل عن التعاون مع أحد التيارات الشيعية داخل العراق فهي الحاكمة الآن ومستقبلا، أما السنة فينظر إليهم الآن على أنهم متواطئون مع داعش وسيهمشون أكثر من ذي قبل.
وفي رسالة إلى إيران والمكونات الشيعية بالداخل استقبل السبهان والذي يشغل الآن منصب وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي مقتدى الصدر بالمطار، ولمحاولة إزالة الشبهات عن المملكة بأنها تتعاون مع قيادات شيعية مقربة من إيران وزعماء ميليشيات كما تتهم قطر، طالب السبهان بضرورة التفريق بين المذهب الشيعي الأصيل وبين مذهب الخميني المتطرف الجديد، وقال التشدد السني والتشدد الشيعي لا يبنيان الأوطان والمجتمعات، لغة الاعتدال والتسامح والحوار هي ما يجب أن تسود لتحقيق المصالح العليا.
وحاولت المملكة التقرب للحكومة العراقية قبل عودة التمثيل الدبلوماسي لكنها فشلت في هذه الخطوة بتحريض من إيران على طرد السبهان، وهو ما حدث بالفعل بذريعة تدخل سفيرها في الشأن العراقي، حيث تخشى طهران من تهديد الرياض لمكاسبها في بغداد، والآن تحاول المملكة التقرب للصدر الذي يحاول إظهار نفسه بأنه خرج من فلك إيران ويسعى لإقامة عراق موحد غير طائفي.
تحاول السعودية تحقيق أي اختراق في العراق، فبعد طرد سفيرها السبهان من بغداد أجرى وزير خارجيتها عادل الجبير في فبراير الماضي، زيارة رسمية إلى العراق هي الأولى من نوعها منذ نحو 14 عامًا، قال إنها جاءت لإعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها الصحيح، وعلى وقع الأزمة الخليجية حاول العراق الاستفادة منها لذا أجرى رئيس وزرائها حيدر العبادي في 19 يونيو الماضي زيارة إلى السعودية والكويت مبديًا استعداده للوساطة في الأزمة لكن لن يقبل أحد بوساطاته لعلاقته القوية مع إيران.
وبالإضافة إلى ذلك قد تستعين الرياض بالصدر في مواجهة التمرد المتزايد للشيعة في المنطقة الشرقية وخاصة القطيف و العوامية، حيث تجري أعمال إرهابية واستهداف لرجال الأمن بشكل متزايد يكاد يكون يوميًا، وخاصة بعد إعدام الداعية الشيعي نمر باقر النمر، وتوضح مصادر عراقية أن الصدر يحظى هناك بشعبية جيدة.
تحاول المملكة ومن خلال السياسيات الجديدة والتي بدأت فعلياً منذ زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض، وعقد القمة الأمريكية العربية الإسلامية، إلى تسارع الأحداث على أكثر من قضية لتؤثر بشكل مباشر على الملفات الساخنة في المنطقة بما في ذلك محاولة القوى الدولية التسريع أيضا في إيجاد موطئ قدم في منطقة الشرق الأوسط برمتها وليصبح هناك مشروعين فقط في المنطقة لا ثالث لهما.
المشروع الأول والذي تقوده الامارات والسعودية ومصر ومن خلفهم جميعا الولايات المتحدة الأمريكية يبدأ بمحاربة الفكر المتطرف وهو ما تم تبنيه في المؤتمر بل ولقى تأييداً كبيراً من قبل الملك سلمان بن عبدالعزيز، والرئيس الأمريكي ترامب، بل كان المحور الأساسي لمخرجات القمة التي حضرها أكثر من 50 زعيما من رؤساء وقادة دول عربية وإسلامية.
وعلى الرغم من أن حالة المنطقة وملفاتها الملتهبة إلا أننا وجدنا اتفاق في سوريا برعاية روسية أمريكية، واتفاق في ليبيا برعاية فرنسية، اما في اليمن فيبدو أن الامر لايزال مرهونا بتوطيد حكم (محمد بن سلمان).
ورغم وجود تيارات سنية داخل العراق إلا أن ولي العهد السعودي أراد التقرب من أحد التيارات الشيعية، من ناحية السنة الآن في وضع سيئ على خلفية الهجوم عليهم بسبب داعش بجانب ضعف نفوذهم السياسي، وحتى التيار السني هناك إنما على صلات قوية بقطر وتركيا، وبالتالي لن تقبل الرياض بتعاون وكلائها مع هذين البلدين في ظل الأزمة الحالية والتي لا تتجه إلى الحل أكثر ما تتجه إلى الجمود.
وفي إطار دعم قطر لتيارات سنية داخل العراق، نظمت مؤتمرا للمعارضة في سبتمبر 2015، أثيرت معلومات حول مشاركة رئيس البرلمان العراقي "سليم الجبوري" فيه وقيادات من حزب البعث المنحل، رغم مهاجمة الحكومة العراقية للمؤتمر واعتباره دعمًا للطائفية. كذلك عملت تركيا على تشكيل قوات من السنة داخل العراق لتكون ذراعها العسكرية بالداخل.
وبالفعل أنشأت تركيا قوات "حرس نينوى" ودربتها في معسكر بعشيقة قرب الموصل وتضم ضباطًا ومتطوعين، ويرأسها "أثيل النجيفي" محافظ نينوى السابق والذي صدرت أوامر لاعتقاله بتهمة التخابر مع تركيا، و كان السفير السبهان قد حاول التقرب من العشائر السنية بالعراق في وقتٍ سابق لكن إيران وحلفاءها بالعراق أجهضوا ذلك مبكرًا، وبالتالي ليس أمام السعودية إلا الدخول عبر بوابة التيارات الشيعية.
وستتقرب السعودية بشكل أكبر من كيانات شيعية أخرى بخلاف التيار الصدري، استغلالًا لما يمر به العراق الآن وحالات الخلاف؛ فسبق أن أعلن "عمار الحكيم" الشهر الماضي تخليه عن قيادة "المجلس الأعلى الإسلامي" أكبر الكيانات السياسية الشيعية وإنشائه "تيار الحكمة الوطني" في خطوة وصفت بالانفكاك عن إيران، وبالفعل هناك أنباء عن توجيه دعوة للحكيم لزيارة الرياض مثل الصدر.
وأعلن مكتب زعيم التيار الصدري بالعراق مقتدى الصدر، الأحد، أن الأخير سيتوجه اليوم إلى دولة الإمارات تلبية لدعوة رسمية، مشيرا إلى أن الامارات سترسل طائرة خاصة لنقله ذهابا وإيابا.
وكان الصدر زار السعودية قبل أسبوعين والتقى ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان.
خرج عن حده
وفي الكوبت، نسبت صجيفة "الجريدة" إلى مصادر في الحرس الثوري الإيراني أن موضوع استبدال الزعيم العراقي الشيعي مقتدى الصدر بأخيه مرتضى، زعيماً للتيار الصدري، بات إحدى أولويات إيران في العراق، خصوصاً بعد زيارته الأخيرة للسعودية، ولقائه نالأمير محمد بن سلمان.
وقالت المصادر إن برنامج السلطات في طهران، قبل هذا اللقاء المفاجئ، كان محاولة إعادة مقتدى الصدر للدار الإيرانية، ولكن بعد مطالبته بحل ميليشيا "الحشد الشعبي"، وقيام أنصاره بتهديد قنوات تلفزيونية موالية لإيران، ومهاجمتها وطردها من العراق، بات الإيرانيون مقتنعين بأن الصدر خرج عن حده، ويجب تحجيمه، وعليه فقد آن الأوان لاستبداله.
وشددت المصادر على أن مقتدى الصدر لم يكن ليصل إلى منصب زعامة التيار في العراق، لولا دعم إيران له، مؤكدة أنه «يعلم ذلك، ويعلم جيداً أنها ما زالت تستطيع حذفه من الساحة السياسية الشيعية في العراق.