كتب: فريدة كساب ـ هيثم مراد ـ أحمد عبدالراضي ـ محمد أحمد ـ علي السعودي ـ عصام صبحي
فى أزقة توصل لغرف ضيقة تلفها جدران أربعة تنشع منها مياه المجارير وتشترك فى حمام واحد، وتفتقر لأبسط مواصفات السكن، تسكن أسر يعتلى وجوه أبنائها بؤس مرير، بعدما تقطعت بهم السبل وفقدوا سكنهم وزجت بهم الحكومة فى مساكن غير آدمية، أطلقت عليها مجازًا "مساكن إيواء".
وعلى الرغم من أن تلك المساكن يفترض بها أن تكون مؤقتة وآمنة إلا أن الدولة يبدو أنها نسيت هولاء وتجاهلت مصاعبهم ومعاناتهم، فلم تقدم لهم سكنًا بديلًا يليق بهم كبشر أو تشرع فى تحسين البيئة التى كتب عليهم العيش فيها..
"نحن أحياء نتنفس لكننا أموات بمعنى الكلمة، فتلك الحياة ترفضها حتى الكلاب الضالة".. تلك كانت جملة مريرة من تلميذ ثانوى لخصت شكل الجحيم الذى يحيا فيه وإخوته داخل مخيمات الإيواء بالسويس.جولة سريعة داخل تلك "العلب الخانقة" يتضح من خلالها حجم المأساة، حيث العشوائية والفوضى والتلوث وتلال القمامة، ما ينتفى معه العجب من ازدياد حوادث القتل والاغتصاب والخطف.سكان الإيواء هم بشر شردتهم الظروف، يقبعون الآن فى قبور مظلمة، لا يطلبون المستحيل "احنا عايزين نشرب ميه نضيفة وهواء نضيف وولاد الحرام يسيبونا فى حالنا" هذه أقصى أمانيهم، سيظلون يحلمون بالخلاص، فى انتظار معجزة تنقلهم إلى عالم البشر.
ــــ 300 أسرة فى المراحيض بالمنيا
حياة بائسة يعيشها أهالى مساكن الإيواء بالمنيا، والتى يقترب عددهم من الـ 300 أسرة، لم تجد مكانًا للمأوى، سوى تلك التى خصصتها لهم الحكومة بعدد من العقارات السكنية، والتى خصصت لكل أسرة متضررة من أب وأم وأبناء وزوجاتهم وأحفادهم غرفة تخنقها الجدران من كل مكان، لا منفذ لها سوى باب للخروج بحثًا عن الرزق والدخول منه للخلود للنوم بعيدًا عن الشارع.
فيما خصصت الدولة 4 حمامات عامة "مراحيض" بكل عمارة سكنية تابعة لمساكن الإيواء، ليقضى السكان بها حاجتهم، يتزاحم عليها الأهالى فى طوابير مصطفة ما بين الرجال والسيدات والأطفال ومع الانفجار السكانى، الذى سيطر على سكان الإيواء بالسلخانة وارتفع عدد أفراد الأسرة من 12 إلى 14 فردًا داخل الغرفة، ما بين أم وأب وأبناء وزوجاتهم وأحفادهم، ما دعا بعض الأسر لاستغلال الحمامات العامة "المراحيض" الملحقة بكل عمارة للسكن فيها، بعدما ضاقت عليهم الغرف.
وعلى الرغم من الكارثة التى يعيش بها أهالى مساكن الإيواء بمنطقة السلخانة الواقعة جنوب مدينة المنيا بعيدة كل البعد عن نظر المسؤولين، فعلى الرغم من تعاقب محافظى المنيا على مدار السنوات الماضية والإعلان عن الجولات الميدانية المستمرة، إلا أن منطقة السلخانة وسكانها لم يحالفهم الحظ باهتمام المسؤولين.
ــــ حشر الأسر فى شقق "أستوديوهات" بسوهاج
سكان الإيواء والمتضررون من حوادث السيول وسكان العشوائيات فى محافظة سوهاج يعانون لسنوات طويلة، فى انتظار توفير عمارات سكنية لهم بديلة، واختارت محافظة سوهاج منطقة الحويتى الصحراوية لتوفير السكن البديل للأهالى فى عمارات مساحة الشقة بها 65 مترًا، لكنها وضعت شروطًا وصفها عدد من "السكان الجدد" بأنها قاسية، إذ نصت فى عقد الوحدات السكنية الجديدة أن قيمة الإيجار 250 جنيهًا، مع احتفاظ المحافظة بحقها فى عدم تجديد عقد الإيجار بعد 3 سنوات ووجود حمامات مشتركة للسكان، مما زاد من معانات تلك الأسر، التى تترواح أعدادها من 8 أفراد إلى 12 فردًا.رغم إعلان الدكتور أيمن عبدالمنعم محافظ سوهاج عن تسكين 159 أسرة بعمارات "أولاد عزاز الجديدة"، وهم أهالى مساكن الإيواء الآيلة للسقوط بمنطقة الحويتى بحى غرب، التى كانت تشكل خطرًا على حياتهم، إلا أن مشاكلهم لم تحل بسبب مساحة الشقة التى لا تزيد عن 65 مترًا، ولجأ السكان لاستغلال تلك المراحيض العامة للسكن، على الرغم من كونها آيلة للسقوط.
ويقول مهران موسى عبدالعزيز، مزارع، متزوج: "عندى 7 عيال وأمهم، وكانت أسكن بمنطقة الحويتى بحى غرب سوهاج فى مساكن آيلة للسقوط، وتم نقلنا لعمارات جديدة بأولاد عزاز، ولكن قليل البخت يعضه الكلب فى السوق".
وتابع المزارع: "الحياة خانقة، والناس كلها مشاكل، وخناقات كل يوم بين الأهالى بسبب حجم الشقق والحمام المشترك فى العمارة وارتفاع أسعار المياة والكهرباء".
ويضيف عبدالعال عباس أحمد، عامل بالأوقاف: "تقدمنا بتظلمات 52 أسرة من مساكن الإيواء بحى غرب سوهاج، وتم فحص المستندات المقدمة من المتظلمين والتوجه إلى مساكن الإيواء بحى غرب، لمعاينة جميع الحالات على الطبيعة لبيان مدى استحقاقنا للحصول على وحدات بديلة، وانتهت إلى استحقاق 32 أسرة من المتظلمين فى الحصول على سكن بديل، وتم نقلنا بعمارات أولاد عزاز الجديدة".
وأضاف "أصبحنا من سكان المراحيض والأربعة جدران بأمر الحكومة، بسبب صغر حجم الشقق، التى لا تتناسب مع أسرة مكونة من 11 فردًا، وطالبنا المحافظة بتوفير شقه أخرى، وتم نهرنا وسبنا".
وتساءل محمود عباس، عامل قائلًا: "كيف نعيش فى غرفتين وصالة ومطبخ وحمام أقيم بها وأسرتى التى عددها 9 أفراد وندفع 250 جنيهًا شهريًا كإيجار للشقة خلاف المياه والكهرباء؟".ـــ صرخة مساكين دمياط: ارحمونا بنموت فى كل دقيقة
وبين مطرقة الإهمال وسندان مطالب الحياة يقبع سكان مساكن الإيواء بدمياط باحثين عن طرق مبتكرة للتعايش من هذا المشهد المقزز.
مناطق تحتوى على عشرات الأسر سقطت سهوًا من حسابات مسؤولى المحافظة، خاصة فى فترة ما بعد ثورة يناير، فخلفت مناطق عشوائية لا تعترف بالحياة الكريمة، والتى باتت أملًا باهتًا لأبناء تلك المناطق.
"أبو أحمد"، أحد سكان المنطقة يصف الوضع قائلًا: "احنا هنا منسيين، مش بنشوف حد غير بالصدفة"، مشيرًا إلى أن مشاكل الصرف الصحى لن تنتهى، التى اقتحمت بعض المنازل، خاصة الأدوار الأرضية"، مطالبًا بوضع حل لتلك الأزمات.ولخصت سيدة مسنة المشهد قائلة: "مابقناش نعرف نتنفس، والروائح الكريهة دى بس اللى نعرفها، حد يرحمنا فى آخر عمرنا"، مؤكدةً أنها لم تشهد أحدًا تحرك فى هذا الأمر، رغم قيام الأهالى بإصلاحها مرات ومرات على حسابهم الشخصى، إلا أن هذا الأمر لم يعد كافيًا" .
معاناة أبناء الإيواء لخصها التلميذ أحمد عثمان، 14 سنة، بقوله: "بروح المدرسة وبعرف إنى مش عايش لما بشوف زمايلى، وبتكسف أقول على عنوانى من المناظر دى".. وسرد الطفل قائلًا: "نفسى أطلع ظابط عشان أخدم أهل منطقتى، بس الأول نفسى أشرب مياه نضيفة وأعيش زى زمايلى".ووجهت سيدة مسنة رسالة لنواب المحافظة قائلة: "أيام الانتخابات كنا دايمًا بنسمع وعود كتيرة، وأول ما الانتخابات خلصت مابقيناش نشوف حد، راعوا ربنا فينا واتحركوا".
أهالى المنطقة أكدوا أن بعض تجار المواد المخدرة يترددون على المنطقة، لتصريف البضاعة ولسان حالهم: "إذا أفلتنا من الهجمات الأمنية لن نفلت من شجارهم، الذى غالباً ما ينتهى بإراقة الدماء"، مضيفين "مابقاش قدامنا غير الدعاء".ـــ الدقهلية.. لا كرامة لفقير فى مساكن الحكومة
لم يجدوا مكانًا يحنوا عليهم سوى هاتين العمارتين، المتواجدتين فى منطقة المجزر بمدينة المنصورة، التابعة لمحافظة الدقهلية، والمكونتان من 220 حجرة، كل عمارة منهما تتكون من 5 أدوار، قسمت إلى عدد من الحجرات، تقسم الحجرة إلى 10أمتار تأوى أكثر من 270 أسرة يعشون فى مكان لا يمت للآدمية بصلة.
تقول حمدية السيد، ربة منزل: "لدى 3 أبناء وزوجى رجل معاق، ونعيش هنا منذ ما يقرب من 10 أعوام، بعد أن انهدم المنزل الذى كنا نسكن به .. الحياة هنا ليست آدمية، لكن أفضل من أن نعيش فى الشوارع".
وأضافت: "4 جدران يحمونا فى البرد وحرارة الشمس، وعايشيين الحمد لله، كل ما نتمناه هو أن تكون لدينا حياة آدمية، مثل الجميع، ولكن ننتظر فرج ربنا علينا ونظرة المسؤولين لنا".
الحاجة عفاف السيد من ذوى الاحتياجات الخاصة، أكدت أن الحياة مهينة لهم، والمسؤولون لايزورون المكان إلا فى وقت التصوير فقط".
أما الحاج عماد إبراهيم، أحد السكان يؤكد على أن مساكن الإيواء شبيهة بالخرابة قائلًا :" احنا عايشيين فى الشارع، والمكان يهدر كرامتنا".
ـــ علب الإسكان بطور سيناء.. مقابر إجبارية للفقراء
استغاثات مدوية.. مشاكل بالجملة.. حرمان من الخدمات.. عقارب وحيات.. أسراب ناموس تهاجم الأهالى.. طفح مجارى مستمر بدون إصلاح.. عدم وجود مواصلات.. لا مسجد ولا مخبز ولا محلات.. عنوان هذه المساكن الموت بالبطىء كل هذا يتلخص فى عناوين لمشاكل السكان الأولى بالرعاية بمدينة طور سيناء، والكائنة خلف المنطقة الصناعية بعاصمة جنوب سيناء مدينة الطور.
هذه المنطقة أطلقوا عليها الأولى بالرعاية، ولكنها للأسف تحتاج إلى رعاية عاجلة.
وقام المسؤولون بجنوب سيناء ببناء 16عمارة كل عمارة 12شقة، وكل شقة لا تزيد عن 30 متراً، عبارة عن حجرة وصالة وحمام، سميت الأولى بالرعاية للفقراء والبسطاء والأقل دخلًا من 400 جنيه شهريًا.
تم تصميم عمارات الإيواء فى منطقة جبلية تبعد عن الخدمات أو عن مدينة الطور بنحو 5 كيلو مترات تقريبًا، وكتب على سكانها الحرمان من كافة الخدمات.
يقول طارق الشرشابى، موظف: إن مساكن الأولى بالرعاية اسم ليس على مسمى، فهى مساكن الأولى بالإعدام أو مقابر للفقراء.
ويستكمل الشرشابى الحديث فيقول: هذه المساكن بدون أى خدمات ولا تنفع لإقامة أسرة، لأنها صغيرة جدًا، فهى لا تصلح إلا لفرد واحد عازب بدون أولاد أو زوجة، لا يوجد بها نقطة مطافى أو إسعاف أومخبزأو مسجد أو محلات تجارية، فهى أربعة جدران فقط بدون مطبخ، لا تتعدى مساحتها 30 مترًا.
ويؤكد الموظف أن المسؤولين عن تصميم هذه الوحدات تناسوا أن المقيمين بها مسلمون، فلم يقيموا مسجدًا بها على أساس أننا غير مسلمين، واعتقدوا أن من يسكن هذه المساكن معدوم الأهلية، وليس له أى حقوق، فأقاموا مساكن فى الصحراء وتركونا نعيش بدون أى خدمات.
ويقول محمد الجزار57 سنة: إن له من الأولاد 3، بالإضافة إلى زوجته يقيمون جميعهم فى حجرة واحدة، وأنه ظل يعمل بشرم الشيخ فى مجال السياحة 20 عامًا كريس مركب سياحى، ولكن بعد ثورة 25 يناير وخراب السياحة عاد إلى مدينة الطور، ومنذ الثورة باع كل شىء من أجل الإنفاق على أولاده وعلى جهاز ابنته "نعمة"، التى حصلت على دبلوم تجارة وتزوجت حديثًا، ويقيم معه ابنه عبدالرحمن 23 سنة، رفض تكملة تعليمة بسبب المواصلات.
ـــ اغتصاب وزنا ومخدرات.. مرحبًا بكم فى مساكن إيواء بنى سويف
"قنبلة مؤقتة" هو الوصف الأقرب لحال ساكنى عمارات مساكن الإيواء بمنطقتى عزبة بلبل وبياض العرب ببنى سويف، بعد أن تحولت المنطقتان إلى بؤر إجرامية، أغفلت أجهزة المحافظة التنفيذية والأمنية عينها عن قاطنيها، فانتشرت الجرائم الاجتماعية كـ"الزواج العرفى والاغتصاب والبلطجة"، بالإضافة لانتشار تجارة المخدرات والمشاجرات بالأسلحة النارية والبيضاء، بين السكان وبعضهم البعض أوالمترددين على المنطقة المصنفة كمناطق خطرة أمنيًا واجتماعيًا.
تقول سيدة محروس، ربة منزل، بمساكن الإيواء بعزبة بلبل: قضينا أكثر من15 عامًا فى مساكن الإيواء وما زلنا نعيش المأساة إلى اليوم، عددنا 10 أفراد والأبناء يكبرون بدون تعليم، والمشكلة تتزايد، فلا نستطيع شراء وحدة سكنية آدمية، أو حتى الإنفاق على أولادنا فى التعليم ولا وظائف لهم، كانت مساكن الإيواء سابقًا حجرة واحدة".
وأضافت أن كل 8 أسر تشترك فى حمام واحد، ومن الطبيعى فى وسط هذا الزحام أن تنتشر المشاجرات وجرائم الاغتصاب والزواج العرفىي، وبعد فترة طويلة أضيفت حجرة أخرى وحمام صغير، وزاد الإيجار من 5 جنيهات إلى35 جنيهًا".
وأضافت سهير حسان، ممرضة: "هذه المساكن لا تصلح لإيواء الآدميين ولا حتى الموتى، ونعيش محاصرين بمياه الصرف الصحى الملوثة، التى تتساقط علينا، علاوة على تساقط جير السقف فوق رؤوسنا، كما أن جدران الغرف متصدعة ومهددة بالانهيار فى اى لحظة".
نقلا عن العدد الورقي.