"تلعفر"معركة دولية حاسمة في مسار تنظيم "داعش" الإرهابي تحاط بالكثير من الصعاب والمخاطر بعد أن أصبحت المدينة المعقل الأخير لعناصره بالعراق.
واسترداد المدينة الاستراتيجية الواقعة بشمال العراق قرب الحدود مع سوريا يعنى خسارة كبيرة للتنظيم وتشتيت لصفوفه المتبقية بالمدن العراقية والسورية.
وعند متابعة المشهد الميداني لاستعدادات المعركة المرتقب انطلاقها خلال أيام، يلاحظ عدة فوارق بين الأطراف المتصارعة من حيث الأعداد المقاتلة والأسلحة المستخدمة في العمليات العسكرية لصالح الجيش العراقي، فضلًا عن انخفاض تمركز المدنيين في دوائر الاشتباكات بين داعش والقوات العراقية، ما يرجح حسم المعركة لصالح القوات العراقية في وقت قصير.
-انقسام داعش
الانقسام بين عناصر التنظيم بشأن القيادة بمحافظة نينوى شمال العراق يعد أول الدلائل على تخبط داعش خلال المعركة المقبلة، وافتقاده للخطة والقادة أثناء الاشتباكات.
وفي ذلك، ذكر نور الدين قبلان، نائب رئيس مجلس محافظة نينوى "الواقعة في نطاقها تلعفر"، أن هناك معلومات مؤكدة تفيد بأن داعش أصبح منقسما ومتناحرا بين صفوفه وقياداته من المسلحين العرب والأجانب.
ووفقًا للمعلومات من داخل المحافظة، فالانقسام الأول يقوده القادة الأجانب، بينما المسلحون المحليون والعرب هم قادة الانقسام الثاني، خاصة بعد الخلاف الواضح على توزيع المهام والمسؤوليات إثر مقتل قادة التنظيم في غارات جوية للتحالف الدولي العام الحالي.
الطرق الرئيسية للإمدادات
بعد أن تكبد التنظيم الإرهابي خسائر فادحة في الأسلحة والعتاد التي استولى عليها من مخازن الجيش العراقي، أصبح ليس لديه أي وسيلة لخوض المعارك والاشتباكات البرية والجوية ضد القوات المتحالفة بمعركة تلعفر.
خسر التنظيم الإرهابي في الموصل نحو 1139 مركبة مفخخة، و601 دراجة نارية، و22 زورقا نهريًا، وألف قطعة سلاح متنوعة، و361 حزاما ناسفا وعشرات المعامل المخصصة لتصنيع الصواريخ.
ولم يكن فقدان الأسلحة هو الدليل الوحيد على عجز داعش للمواجهة بالمعركة المرتقبة، بل كان تدمير الأنفاق والطرق الرئيسية الواصلة بين الحدود العراقية السورية بعد تطويق الشرطة الاتحادية لحدود الموصل والقري الواصلة بين تلعفر والموصل، ضربة أخرى قاصمة.
الاستعدادات العسكرية
منذ انتهاء معركة الموصل في 9 من يوليو الماضي، واتجاه داعش لتلعفر كمعقل رئيسي له، حرصت القوات العراقية على نقل جميع القوات المشاركة في الموصل والأسلحة الثقيلة إلى تلعفر، تمهيدًا لتطويقها.
ومن جانبه، أسس التحالف الدولي بقيادة واشنطن قاعدة عسكرية قرب تلعفر بعد مشاورات مشتركة بين الولايات المتحدة والحكومة العراقية بمنطقة زمار غربي الموصل بهدف مراقبة عمل كل القوات المتحالفة بالمعركة؛ منعًا لأية انتهاكات متوقعة من جانب فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران، خاصة وأنه منتظر أن تكون من العناصر المشاركة في المعركة.
ولم تكتفٍ الحكومة العراقية بمشاركة قوات جهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية والمحلية والفرقة المدرعة الـ9 وفصائل للحشد الشعبي، فقامت بجلب تعزيزات كبيرة من قوات النخبة وكتائب الصواريخ الموجهة ومدفعة الميدان إلى قضاء تلعفر، بجانب توجيه طلائع قوات الشرطة الاتحادية من الفرقتين الخامسة والثالثة في منتصف أغسطس الجاري.
وحرص الجيش العراقي على مد فترة الاستعدادات حتى تتمكن القوات من إرسال الطائرات المسيرة والقناصة والآليات المدرعة إلى كافة إرجاء قضاء تلعفر، كخطوة استعدادية قبل توجيه ضربات جوية وبرية لمواقع انشار داعش.
اقتحام المدينة
يتأهب عشرات الآلاف من القوات العراقية ومليشيا الحشد الشعبي الموالية لإيران لاقتحام مدينة تلعفر على الحدود مع سوريا بهدف طرد ألف عنصر من تنظيم داعش الإرهابي.
وإضافة إلى عشرات الآلاف هؤلاء يوجد كذلك عدد غير معلوم بعد من قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وخاصة في السلاح الجوي.
وتثير هذه الأرقام التساؤل حول كيف استطاع ألف فقط من عناصر داعش عام 2014 احتلال تلعفر والسيطرة على مؤسساتها وطرد الآلاف من سكانها، خاصة وأن الكثير منهم أيضا عناصر إرهابية أجنبية.
وكيف استطاع ذلك رغم وجود القوات العراقية والقوات الأمريكية والمليشيات الموالية لإيران وكذلك القوات الكردية "البيشمركة" والمنتشرة بكثافة في محافظة نينوى التي يتبعها كل من الموصل وتلعفر.
وحتى الآن ما زالت المؤسسات والمكونات العراقية تبحث عن اللغز وراء سرعة وسهولة سيطرة التنظيم الإرهابي على نينوى، وتتبادل إلقاء التهم حول من المسؤول عن "إفساح" الطريق لها.
ومؤخرا، كشف مسؤولون عراقيون عن أن عدد عناصر داعش في تلعفر صغير للغاية، كما كان في الموصل، ويدور حول الألف شخص.
ورغم الحديث عن "سيطرة" داعش على تلعفر، إلا أنه نادرا ما يخرج تسجيل مصور تظهر تواجد داعش في المدينة، ومعظم أخبار داعش بداخلها تتردد في أرجاء وسائل الإعلام العراقية على لسان "مصدر محلي" مجهول.
وتقع مدينة تلعفر ضمن محافظة نينوى وعلى مسافة 55 شمال غرب الموصل وعلى بعد نحو 60 كلم من الحدود السوريةـ
واستولى مئات من تنظيم "داعش" على المدينة في 2014 بشكل سهل وسريع مثير للتساؤلات، وكان سكانها حين غزوها ما بين 250-350 ألف نسمة.
لغز الأرقام في معركة الموصل
وسبق أن ترددت أصداء لغز الأرقام هذا (الفرق الشاسع بين عدد عناصر داعش وعدد القوات المقاتلة ضده أو عدد سكان المدن التي يحتلها رغم أن الكثير منهم مسلح) في مدينة الموصل.
ففي إبريل الماضي قال المتحدث باسم التحالف الدولي لمحاربة داعش في العراق الكولونيل جو سكروكا عناصر داعش في الموصل لا يتجاوز أعدادها الألف مقاتل.
وأضاف أنه في بداية معركة غرب الموصل فبراير 2017 كان يوجد ألفان.
ورغم ضآلة هذا الرقم فإن تقارير الأمم المتحدة كانت تخرج بأن داعش طرد أكثر من 400 ألف من سكان المدينة.
عشرات الآلاف لطرد داعش
وبدأ الحديث يتكاثر عما يوصف بمعركة تحرير تلعفر عقب الإعلان عن تحرير الموصل يوليو الماضي، خاصة بعد إعلان داعش أنه نقل مقره إلى تلعفر، معلنا أنها مقر الولاية الجديد.
وأعلنت القوات العراقية على لسان القائد في "عمليات نينوى" العقيد أحمد الجبوري أنها حشدت 40 ألف مقاتل من الجيش والشرطة على تخوم قضاء تلعفر.
وإيذانا بقرب معركة تلعفر، أطلقت خلية الإعلام الحربي التابعة لقيادة العمليات المشتركة (تضم القوات العراقية وقوات التحالف الدولي)، أمس الجمعة، تسمية "قادمون يا تلعفر" على العملية العسكرية المرتقبة.
صراع دولي
ما العلاقة بين إعلان داعش تلعفر "ولاية مستقلة" وممر إيران؟
وتتعدد الأطراف المشاركة في المعركة المرتقبة بتلعفر، وتختلف معاها المصالح حول هدف كل منها من المشاركة في المعركة ووضع موطأ قدم في المدينة.
فلتلعفر موقع استراتيجي على خريطة الممر الإيراني البري الذي تدشنه إيران للربط بينها وبين العراق وسوريا ولبنان، وتعد سيطرة مليشيا الحشد الشعبي الطائفية على المدينة هدف ملح لها.
وهذا الممر يبدأ من طهران ثم يتجه إلى شمال العراق (حيث تتواجد تلعفر) من بوابة بعقوبة، ثم يشق طريقه داخل الحدود إلى شمال سوريا حتى اللاذقية غربا على البحر المتوسط لتضع إيران موطئ قدم لها على الساحل، ثم ينحدر جنوبا إلى دمشق ولبنان.
وتسعى تركيا لإفشال التوغل الإيراني في تلعفر القريبة من حدودها، خاصة وأن جزءا كبيرا من سكان تلعفر تركمان تربطهم بتركيا روابط تاريخية.
ووقعت صدامات حادة بين الحكومتين التركية والعراقية في 2016 حين كشف الحشد عن نواياه اقتحام تلعفر عند انطلاق معركة تحرير الموصل، وأعلنت أنقرة أنها ستعزز وجودها العسكري عند شمال العراق ردا على هذا.
كذلك للمدينة أهمية استراتيجية للولايات المتحدة كي يكون لها موطئ قدم في المنطقة الحدودية بين العراق وسوريا، وتستطيع من خلالها التحكم في تحركات ونفوذ إيران بحيث لا يكون مطلقا.