الإسكندرية.. عجوز البحر المتوسط.. هدم الفيلات وانتشار الغابات الأسمنتية وطفح المجارى يحول العاصمة الثانية لجحيم

تعرضت مدينة الإسكندرية، العاصمة الثانية لمصر والعاصمة القديمة لها والملقبة باسم عروس البحر الأبيض المتوسط، على مر السنوات الماضية إلى مذبحة حقيقية على أيدى المحافظين والمسؤولين المتتابعين، وظهر ذلك جليًا بعد أن تغيرت ملامح المدينة، التى تعد أكبر المدن التاريخية أهميةً وشهرةً، وملتقى الحضارات والديانات المختلفة، وذات تفاصيل استثنائية حيث طابع المنازل والمقاهى والأسواق، والشواطئ الممتدة، تمزج جميعها روح التاريخ وعبق الحداثة، الأمر الذى حولها من "عروس البحر" إلى "أرملة البحر"، كما أطلق عليها بعض مواطنى الإسكندرية.

ورغم اعتياد أهالى الثغر على رؤية الحالة المتدهورة التى أصبحت عليها الإسكندرية من تشويه لحضارتها وتاريخها، إلا أن ما زاد من استيائهم وحزنهم الشديد على المدينة الباكية التحرك غير المعتاد للمحافظ ومعاونيه لتجميل الشوارع وتزيينها، استعدادًا لاستقبال مؤتمر الشباب الرابع الذى عُقد فى مكتبة الإسكندرية بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى، خاصة الأماكن التى سيمر بها الرئيس حتى تبدو فى عينيه أنها مازالت المدينة المثالية الخالية من المشكلات، وما خفى كان أعظم.

وما لبث أن انتهى المؤتمر وافتضح الأمر وظهر وجه المدينة العجوز، وعادت الطرق والمظهر العام للمحافظة إلى سابق عهده، إذ تمت إزالة أشجار الزينة وقصريات الورود والنخيل الصناعى، الذى تم وضعها خلال أيام المؤتمر، ليتم إخفاء "الوجه القبيح" عن الزوار والرئيس، وما زاد من السخرية الممتزجة بالحزن الشديد من جانب أهالى المدينة لعلمهم بأن تلك الأشجار والورود والزروعات الخضراء عهدة من مديرية الزراعة والحدائق والمتنزهات، وكان يجب إعادتها، لذا تم رفعها.

هذه هى الإسكندرية وهؤلاء هم محافظوها الذين يتوافدون عليها، واحدًا تلو الآخر حتى ضاعت، رافعين شعار "تمام يا فندم".. 9 محافظين تعاقبوا منذ قيام ثورة 25 يناير 2011، أحدثهم الدكتور محمد سلطان، محافظ الإسكندرية الحالى، لتصبح مقولة "الإسكندرية مقبرة المحافظين" هى الشائعة بين أبناء المدينة.

صرخات تعالت لأهالى المدينة خلال انعقاد مؤتمر الشباب، مطالبة الرئيس السيسى بالتجول فى شوارع المدينة الداخلية، ليرى بطن المدينة الحقيقى وما فعله محافظوها السابقون على مدار السنوات الماضية، وما حدث بتلك المارية الجميلة، التى حولها المسؤولون مع موظفى الأحياء إلى مناظر مؤسفة، بعد هدم الفيللات الأثرية وبناء أبراج أسمنتية شاهقة فى شوارع لا تتعدى المترين، لتتحول المناطق الشعبية إلى غابات خرسانية.

أما الكورنيش فقد تحول إلى "لا بحر" منذ أيام المحافظ السابق طارق المهدى، الذى أجّر الممشى الذى كان مخصصًا للمواطنين لكافيتريات أخفت منظر البحر، ولم يعد هناك إلا بقايا كورنيش وبقايا بحر.

-ملفات أطاحت بالمحافظينملفات شائكة ومعقدة ومزمنة تُطرح أمام كل من يتولى منصب المحافظ، وتسببت فى الإطاحة بالمحافظين السابقين، ولم توضع حتى الآن حلول جذرية لتلك الملفات، بل أصبحت تزداد أزمة المدينة الساحلية تفاقمًا يومًا بعد يوم، مما تكاد أن تعصف أيضا بالمحافظ الحالى، والتى منها التالى:

- كارثة المبانى المخالفةتعتبر تلك الظاهرة أحد أهم الملفات المزمنة بالإسكندرية، خاصة بعد كارثة عقار الأزاريطة المائل، ذلك المشهد الأسوأ على الإطلاق خلال تاريخ المدينة، والذى أيقظ المسؤولين وجذب انتباههم للإسراع فى وضع حلول جذرية لحل تلك الظاهرة، والتى تفاقمت بشكل مخيف وأصبحت تهدد بوقوع مزيد من الكوارث، وأكد الدكتور محمد سلطان، محافظ الإسكندرية، أن الإسكندرية وفق الإحصائية الأخيرة بها، 17 ألف عقار مخالف، مؤكدًا على ضرورة وجود تعديلات تشريعية من شأنها أن تمثل رادعًا أمام كل من تسول له نفسه مخالفة القانون.وتتسبب تلك الظاهرة فى العديد من الأزمات بالمحافظة، تظهر أعراضها المرضية فى مشاكل الصرف الصحى، وتهالك البنية التحتية والارتفاع الجنونى فى أسعار الوحدات السكنية.

-الصرف الصحىتعتبر مشكلة الصرف الصحى من أكبر الأزمات والمشكلات التى تواجه المحافظة، والتى تفاقمت فى الفترة الأخيرة بالتوازى مع الزيادة الضخمة فى البناء المخالف، وتعد المناطق العشوائية هى الأكثر تأثرًا، والتى تعانى من طفح مياه المجارى فى الطرق والميادين وانسداد الشنايش المصرفة للأمطار بفصل الشتاء، والتى هى مصدر تخوف للمحافظين السابقين.

-أزمة القمامةملف القمامة أيضًا من الملفات المزمنة لمحافظة الإسكندرية، حيث كان الملف مهملًا فى عهد المحافظين السابقين للمحافظة، مما تسبب فى ضيق المواطنين بكل المناطق، بالرغم من وضعهم للحلول الموقتة، والتى تأتى بثمارها فى المحافظة، وعجز المحافظة عن وضوع حلول لها، للتخلص من النفايات وجمع القمامة، إلا أنه منذ تولى محافظ الإسكندرية الحالى الدكتور محمد سلطان، ومحاولاته حل تلك الأزمة، أصبح هناك تطور ملحوظ فى مشكلة القمامة، إلا أن الأزمة مازالت مستمرة، إذ لم تنته بشكل كامل.

- جحافل الباعة الجائلينعلى الرغم من حملات الإزالة الموسعة للباعة الجائلين التى تشنها المحافظة على مستوى أحياء المحافظة، إلا أنهم سرعان ما يعودون مرة أخرى لاحتلال الشوارع، والتسبب فى حالات الاختناق المرورى، وبالرغم من مساعى المحافظة إلى توفير أماكن بديلة للباعة الجائلين، إلا أن كل تلك المساعى باءت بالفشل وعادت المشكلة للتفاقم مرة أخرى.-الزحام الخانقتعد مشكلة التكدس المرورى والطرق إحدى أهم المشكلات التى تعانى منها الإسكندرية، والتى تتسبب فى تكرار الحوادث المتكررة فى الطرق، واختناق الحركة المرورية فى كثير من الطرق وتهالكها من خلال تراكم مياه الأمطار وعدم الصيانة المستمرة، وانتشار الهبوط الأرضى بكثافة فى أحياء المحافظة.-انتشار الفسادكشفت أزمة ملف الحديقة الدولية، والذى يعد الأخطر على الإطلاق بالإسكندرية، عن مدى الفساد المتغلغل والمستشرى داخل المحافظة، وكان هذا الملف سببًا فى الإطاحة بمحافظ الإسكندرية الأسبق محمد عبدالظاهر، والذى اعترف حينها بأن هناك مشكلات كبيرة تواجه المحافظة بسبب الفساد، قائلا: "أعترف أننى أواجه مشكلات كبيرة كفيلة بعزل حكومة كاملة، وليس محافظًا أو وزيرًا".كما صرح عبد الظاهر، بأن أراضى محافظة الإسكندرية كلها منهوبة، ولو تم استعادتها لصارت مصر أغنى دولة فى العالم، مؤكدًا أن أراضى الدولة المنهوبة تقدر بـ100 مليار جنيه، وكان الجهاز المركزى للمحاسبات رصد إهدار أكثر من ٣٠ مليار جنيه فى عقود انتفاع أرض الحديقة الدولية، وتم إحالتها لنيابة الأموال العامة.فيما كشف بلاغ من مباحث الأموال العامة بمديرية أمن الإسكندرية للنيابة العامة، النقاب عن تفاصيل قضية استغلال أراضى ملك الدولة لصالح رجال أعمال، وقعوا عقد انتفاع مع المحافظة لتطوير وتنمية الحديقة الدولية، إلا أنهم أقاموا أكبر مشروع استثمارى معروف بالمحافظة الآن باسم "الداون تاون".وأكدت مباحث الأموال العامة تواطؤ عدد من مسؤولى المحافظة منذ 2004 وحتى الآن لمساعدة هذه الشركة فى استنزاف موارد الدولة والاستيلاء على أراضيها بما قيمته نحو 300 مليون جنيه. 

-المصانع المغلقةتعد الإسكندرية مركزًا رئيسيًا للنشاط الصناعى ويمثل الإنتاج الصناعى فيها 30% من جملة الإنتاج الصناعى على مستوى الجمهورية، بالإضافة إلى كونها ميناء رئيسيًا ومركزًا تجاريًا هامًا، حيث يمر عبر مينائها حوالى 80% من تجارة مصر الخارجية.وقد مرت المصانع بالإسكندرية بالعديد من الأزمات خلال الأعوام الماضية، وتسببت فى غلق نحو 170 مصنعًا فى المنطقة الصناعية بمدينة برج العرب، بحسب ما هو مُعلن، والعديد من الشركات التى تعرضت لأزمات مالية خلال الفترة الأخيرة متأثرة بارتفاع سعر الدولار، وتم إغلاقها وتشريد الأيد العاملة.- بيونس الأحياءلخص محمود مرشدى، مدير عام بشركة مطابع محرم بك الصناعية، مشكلة المحافظة فى نزوح الآلاف فى السنوات الأخيرة من محافظات الوجه القبلى، كان من سلبياتها الأسواق العشوائية بالشوارع الرئيسية والميادين، خاصة شارع الملك حفنى بمنطقة المندرة قبلى وأمام كوبرى المندرة بشارع النبوى المهندس، وذلك تحت سمع وبصر مسؤولى حى المنتزة ثان، علاوة على اشتغال البعض منهم بالمقاولات، مما أدى إلى تحول شوارع الإسكندرية والحوارى إلى كتل خرسانية لا يتعدى عرض الشارع 3 أو 4 أمتار، وتُفاجأ بين يوم وليلة ناطحة سحاب تتعدى العشرين دورًا، مما يهدد بوقوع كارثة فى المستقبل وتصبح الإسكندرية مقبرة جماعية - لا قدر الله - لو حدثت هزة أرضية ضعيفة.نقلا عن العدد الورقي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً