نتظر ملفات اقتصادية وسياسية واجتماعية مهمة وساخنة الحكومة الجزائرية الجديدة، التي تم الإعلان عن تشكيلها الخميس الماضي، عقب إقالة رئيس الوزراء السابق، عبد المجيد تبون (71 عاما)، بعد 83 يوما فقط من رئاسته لها.
وتواجه الحكومة الجديدة، بقيادة أحمد أويحي (65 عاما)، زعيم حزب "التجمع الوطني الديموقراطي" (موالاة)، تحديات ورهانات كبيرة، وسط وضع اقتصادي وسياسي واجتماعي يوصف بأنه "استثنائي"، وتعيشه البلاد في ظل تراجع في مصادر الدخل؛ جراء هبوط أسعار النفط في الأسواق العالمية، وسياسة التقشف المنتهجة من قبل الدولة.
تحديات اقتصادية
ويتصدر الملف الاقتصادي، بما فيه قانون الموازنة لعام 2018، أولويات الحكومة الجديدة بإيجاد مخرج بديل عبر تنويع الصادرات خارج قطاع المحروقات (النفط والغاز)، وتفعيل الإنتاج الوطني، ومواصلة ترشيد النفقات العمومية ومراجعة قانون الاستثمار الأجنبي.
ويرى مراقبون أنه بعد تراجع مصادر الدخل بالجزائر، في السنوات الأخيرة، سيلجأ أويحي إلى إجراءات أكثر تقشفا، تجنبا للجوء إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، وهو ما صرح به، في 24 مايو الماضي، خلال حملة الانتخابيات البرلمانية.
وخلافا لسلفه تبون، الذيشباط قرر فصل السياسة عن المال، سيعمل أويحي، وفق مراقبين، على استمالة رجال الأعمال، لمساعدة الحكومة في ظل الظرف المالي الصعب الذي تمر به البلاد.
وينتظر أن يكون ذلك في لقاء ما يعرف بـ"الثلاثية"، الذي يجمع الحكومة والمركزية النقابية، الممثلة في الاتحاد العام للعمال الجزائريين (أكبر تنظيم نقابي في البلاد)، وأصحاب العمل، ومنتدى رؤساء المؤسسات (أكبر تنظيم لأرباب العمل).
ويرى محللون أن التجارة الخارجية ستكون ورقة مهمة للنقاش في حكومة أويحيي، نظرا إلى تقليص فاتورة الواردات وتنظيم تراخيص الاستيراد من قبل تبون، الذي تعامل مع الموضوع "بحزم وصرامة"، ما أدى إلى تخوف المستثمرين ورجال الأعمال بالقطاع الخاص، وهو ما يرى البعض أنه كان سببا وراء الإطاحة به.
وتعاني الجزائر منذ نحو 3 سنوات أزمة اقتصادية؛ جراء انهيار أسعار النفط، وتقول السلطات إن البلاد فقدت جزءا كبيرا من مصادر دخلها من النقد الأجنبي، حيث تراجعت من 60 مليار دولار عام 2014، إلى 27.5 مليار دولار في 2016.
وأدى ذلك بدوره إلى تراجع كبير في احتياطات الجزائر من النقد الأجنبي، فهبطت من 194 مليار دولار، نهاية ديسمبر 2013، إلى 112 مليار دولار، في فبراير 2017.
بطالة متزايدة
وفق فيصل مطاوي، وهو إعلامي جزائري مهتم بالشأن الاقتصادي، في تصريح لصحيفة "الجزائر تريبون"، فإن "الحكومة الجديدة يجب أن تعمل على ترشيد النفاقات العمومية، وإطلاق مشاريع استثمارية، فضلا عن ضمان شركاء استثمار أجانب، وتحديث المنظومة البنكية ومحاربة البيروقراطية.
وأضاف أن "الطلبات ذات البُعد الاجتماعي تمثل ضغطا رهيبا بالنسبة للحكومة الجديدة، في ظل البطالة المتفشية بصورة كبيرة، إذ ارتفعت، حسب أحدث تقرير للديوان الوطني للإحصاءات (حكومي)، إلى 12.3%، في أبريل 2017، مقارنة بـ10.5%، في سبتمبر 2016، ما يعني وجود 1.5 مليون عاطل في الجزائر".
واعتبر مطاوي أن "البطالة وطلبات التوظيف يجب على الحكومة الجديدة مراعاتها بخلق مناصب (فرص) رعمل، وتفعيل القطاع العام الذي يعاني الضعف؛ جراء الأزمة المالية الحالية".
ومضى قائلا إن "نجاح الحكومة في تجاوز العقبات الاقتصادية والاجتماعية مرهون بـمدى استعدادها لإقناع رجال الأعمال (القطاع الخاص) بمساعدتها في تمويل المشاريع الاستثمارية المختلفة وتفادي الاستدانة الخارجية".
غموض سياسي
سياسيا، جاء تعيين حكومة أويحيي بعد بضعة أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية، التي أفرزت فوز حزب السلطة (جبهة التحرير الوطني) بأغلبية مقاعد البرلمان، بـ164 مقعدا من إجمالي 462 مقعدا، والتحضير للانتخابات المحلية (المجلس الشعبي البلدي) المقررة في نوفمبر المقبل، واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في 2019.
ويرى محللون أن البلاد تمر منذ فترة بمرحلة "غموض سياسي"، على خلفية الإقالة السريعة لتبون وتعيين أويحيي خلفا له.
والمعروف أنّ تبون كان يحظى بثقة الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، ويحظى بتزكية نواب البرلمان، بما فيه حزبا السلطة (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي)، لكن قرار إنهاء مهامه كان "مفاجئا".
واعتبر المحلل السياسي الجزائري، توفيق بوقعدة، أن أكبر تحد يواجه حكومة أويحي هو "الاستمرار في ظل التجاذبات السياسية على أعلى هرم السلطة، حيث قد يؤدي التدافع السلطوي إلى إقالة الحكومة، مثلما حدث لحكومة تبون".
وأضاف "بوقعدة"، الأستاذ بكلية العلوم السياسية في جامعة الجزائر (حكومية)، أنّ "التحدي الأول لحكومة أويحي هو فتح نقاش سياسي موسع حول مستقبل العملية السياسية في ظل التحضيرات للانتخايات الرئاسية المقبلة".
وتابع أن أن ذلك يأتي "خاصة في ظل حالة الإحباط التي تعيشها الطبقة السياسية وعموم الشارع الجزائري في الآونة الأخيرة".
ووصف في هذا السياق إقالة تبون بـ"الإخراج المبتذل"، معتبرا أن بيان الرئاسة بخصوص التشكيل الحكومي الجديد "يؤكد غياب التوافق بين الجماعة الحاكمة واللامبالاة في تدقيق ما يصدر عن أعلى هرم السلطة".
وبالنسبة للاقتصاد، اعتبر "بوقعدة" أن كل الحكومات المتعاقبة في الجزائر، بما فيها الفترات الثلاث التي تولى فيها أويحي رئاسة الحكومة "عجزت عن تفكيك ألغام الاقتصاد، وفي مقدمتها الميزانية، التي هي رهينة الريع البرتولي".
وشدد على أن الحكومة "ستكون في تحد يتعلق بمواجهة شح الميزانية مع تزايد النفقات العمومية"، ولم يستبعد أن تلجأ إلى الاستدانة من المؤسسات الدولية، رغم تصريح أويحي سابقا بأن "اللجوء إلى الاستدانة ممنوع".
وأعرب المحلل الجزائري عن اعتقاده بان ثمة تحديا اجتماعيا، بجانب ذلك، يتمثل في تهدئة الجبهة الاجتماعية، معتبرا أن "الشريك الاجتماعي، الممثل في الاتحاد العام للعمال الجزائريين (أكبر تنظيم نقابي في البلاد) غير قادر على امتصاص شحنة غضب المجتمع".
ثلاثية الرئيس
وبحسب الوزير الأسبق، الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي بالجزائر)، أبو جرة سلطاني، فإن "أولويات رئيس الجمهورية ثلاثة لم تتبدل منذ مجيئة على رأس السلطة، سنة 1999، وهي: المصالحة الوطنيّة وانعاش الاقتصاد وتحسين وجه الجزائر في الخارج".
سلطاني أضاف، على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، الجمعة الماضي، أن الرئيس يعتبر هذه العناصر أسس التوازنات، ولا يقبل المساس بها، مهما كانت الدواعي والمبررات؛ لكونها السبيل إلى ضمان الاستقرار والسلم الاجتماعي.
واعتبر أنه "على هذا الأساس أقيل رئيس الوزراء السابق تبون، وجيء بأحمد أويحي، لتهدئة الجبهة الاجتماعيّة، وضبط التوازنات، وإعادة بناء جسور الثقة بين أطراف الثلاثيّة".
وأضاف أن اختيار أويحيي لقيادة الحكومة جاء بناء على مجموعة من الشروط لازمة لهذه المرحلة التي وصفها بـ"الحساسة".
وذكر من هذه الشروط: "مسار أويحيي المهني الجامع بين الدبلوماسيّة والسياسة والتسيير والقدرة على الحوار مع الشركاء، وانحيازه للقطاع العام ودفاعه عن قاعدة الاستثمار 51/49، لضمان التوازن بين مصلحة الدولة وأطماع رجال المال والأعمال".
وتعني قاعدة الاستثمار 51/49 امتلاك الشريك الجزائري، سواء كان حكوميا أو خاصا، 51% من أي مشروع استثماري في الجزائر، مقابل 49% للمستثمر الأجنبي، وهي قاعدة تقول الحكومة إنها تهدف إلى "حماية الإنتاج الوطني".
وتابع سلطاني أن مكتب رئيس الوزراء الجديد أمام ملفات استراتيجيّة وأخرى ذات طابع مطلوب معالجته سريعا، أبرزها مشروع قانون الماليّة (الموازنة) لسنة 2018، في ظل تراجع الوضع الاقتصادي والجبهة الاجتماعيّة، وتدهور سعر صرف العملة الوطنيّة (الدينار) ونسبة التضخّم واحتياطي الخزينة الذي يتآكل تدريجيا، فضلا عن استكمال المشاريع التنموية، التي انطلقت في آجالها المحدّدة، والحرص على متابعتها ميدانيّا، بحسب بيانات اقتصادية عديدة.
وأضاف أن الحكومة الجديدة تنتظرها ملفات أخرى تتطلب معالجة عاجلة، لاسيما ملف الدخول الاجتماعية، الذي يتزامن مع عيد الأضحى وحرائق الغابات وارتفاع أسعار السلع، وإيجاد حل ببعد تنموي للصدع الحاصل في قمة الثلاثية (الحكومة والنقابية المركزية ورجال الأعمال).
ولفت الوزير الأسبق إلى أنّ تحديات الحكومة الجديدة تتزامن والتحضير للانتخابات المحلية، قائلا: "لكن الرهان الأكبر، خلال 20 شهرا، يتمثل في تهدئة الجبهة الاجتماعيّة وكسب ثقة الشركاء، أما التحدّي الوحيد فهو القدرة على التزام الصمت عن الرئاسيات إلى نهاية 2018".
وشدد سلطاني على أن "الاستقرار الاجتماعي والوحدة الوطنيّة وتأمين حدود الوطن (هي) أولويات وطنيّة مشتركة تحتاج إلى جبهة واسعة وليس إلى أغلبيّة برلمانيّة".
تبعية للمحروقات
وتعاقبت على الجزائر 20 حكومة، أولها الحكومة المؤقتة"، بقيادة فرحات عباس، أثناء ثورة التحرير (1954-1962) من 19 سبتمبر 1958 إلى 27 أغسطس 1961، ثم حكومات أخرى حتى الحكومة الأخيرة، التي قادها تبون لقرابة الـ3 أشهر فقط، وتحديدا من 24 مايو إلى 15 أغسطس 2017.
وظلت الحكومات المتعاقبة تنشد إخراج الجزائر من الاعتماد على عوائد المحروقات، لكن بعد أكثر من 55 عاما على الاستقلال، ما يزال الاقتصاد الجزائري يعاني المشاكل نفسها ويتخبط في التبعية للمحروقات بنسبة تقارب 97%.
ووفق أرقام حديثة للبنك الدولي حافظت الجزائر عام 2016 على نموها القوي نسبياً بدرجة أساسية نتيجة بفضل تعافي إنتاج النفط والغاز، الذي عوَّض تباطؤ نمو القطاعات الأخرى.
وأفاد بأن معدل نمو إجمالي الناتج المحلي بلغ، خلال هذه الفترة، 8.3 % دون تغيير يُذكر عن مستواه في 2015.
وتوقع البنك الدولي أن يتراجع معدل نمو الاقتصاد الجزائري في الأمد المتوسط، وأن تبلغ نسبة النمو الحقيقي لإجمالي الناتج المحلي في المتوسط 1.2% في السنوات 2017 - 2019.
ويرجع تخفيض توقعات النمو مقارنة بتوقعات خريف 2016 إلى تدابير ضبط أوضاع المالية العامة المعلنة وانحسار نمو إنتاج النفط والغاز.
وخلال الفترة من 2017 حتى 2019ستساعد زيادة معتدلة، نسبتها 2.5%، في إنتاج النفط والغاز بفضل بدء الإنتاج من آبار نفط جديدة وتصحيح إيجابي لأسعار النفط، على تخفيف الآثار السلبية لإجراءات ضبط أوضاع المالية العامة والمعاملات الجارية على القطاعات الحقيقية غير النفطية في الجزائر.