عادت صحيفة "شارلي إبيدو" لإثارة الجدل على طريقتها الخاصة، مستغلة في ذلك واقعة الدهس في مدينة برشلونة، والتي تورط فيها شبابا مسلمين من أصول مغربية، ونشرت المجلة الفرنسية الساخرة، الأربعاء ، على صفحتها الأولى، رسماً مسيئاً إلى مشاعر المسلمين ، مما أثار مخاوف من تغذية العداء للإسلام الذي يعتنقه نحو مليار ونصف المليار شخص في العالم.
فعلى الصفحة الأولى للمجلة التي استهدفها اعتداء متطرفين في 2015، بدا في الرسم شخصان منطرحان أرضاً وسط الدماء بعدما دهستهما شاحنة صغيرة، إلى جانب عبارة "الإسلام.. دين السلام الأبدي" ، علما أن آخر حرف "x " في كلمة السلام "paix" تم ضخيمه ليكون علامة إكس "X" التي تشير إلى خطأ ".
ويُرجح تورط أكثر من 10 متشددين من أصول مغربية في تنفيذ اعتداءي برشلونة وكامبريلس الأسبوع الماضي، ما أدى إلى مقتل 15 شخصاً وإصابة أكثر من 100، بعد إقدام حافلة صغيرة وسيارة على دهس الحشود.
يعتقد المحققون أن المهاجمين اعتنقوا التطرف متأثرين بإمام مسجد قتل في انفجار منزل كانت المجموعة تعد فيه متفجرات لاستخدامها في هجمات.
واعتبر منتقدو "شارلي إيبدو" أن صفحتها الأولى تشوه صورة ديانة يعتنقها نحو مليار ونصف المليار شخص في العالم، عبر التلميح إلى أنها ديانة عنيفة بجوهرها.
وتصدر هذا الموضوع النقاشات المطروحة على تويتر في فرنسا، وعلق النائب الاشتراكي البارز والوزير السابق ستيفان لوفول، بقوله إن الرسم "شديد الخطورة".
وقال: "عندما تكون صحفياً، فعليك ممارسة ضبط النفس؛ لأن هذا النوع من الاستنتاجات قد يستغله آخرون".
وأوضح رئيس تحرير "شارلي إيبدو"، لوران سوريسو، خياره في مقالةٍ أوضح فيها أن الخبراء وصانعي القرار يتجنَّبون طرح الأسئلة الشائكة؛ خوفاً على المسلمين المعتدلين الذين يحترمون القانون.
وكتب أن "النقاشات والأسئلة حول دور الديانة، وخصوصاً دور الإسلام، في هذه الهجمات، اختفت بالكامل".
وفيما صرح سوريسو بعد الاعتداء بأن المجلة ستمتنع عن رسم النبي محمد، استقال أحد كبار صحفييها، متهماً الإدارة الجديدة بالتساهل مع التطرف الإسلامي.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض كبريات الصحف العالمية، يروا أن رسومات "شارلي" تبقى "غير مدافعة عن حرية الرأي والتعبير، بل في الحقيقة توجه ضربة للحرية عندما تستفز المسلمين.
إساءات المجلة
مجلة شارلي إيبدو الفرنسية لا تتوقف عن السخرية من الجميع، منذ نشأتها قبل 46 عاما ، فهي تسخر كم معتقدات الآخرين وأزماتهم ومصائبهم وواقعهم، ووصل بها الحد السخرية من ضحايا زلزال إيطالي الذي راح ضحيته نحو 300 قتيل.
حيث رسمت الصحيفة وقتها تحت عنوان "زلزال على الطريقة الإيطالية" ثلاثة أنواع من المعكرونة الإيطالية لتصوير ضحايا الزلزال إذ إنه يصور رجلا مدمى وفوقه عبارة "بيني بصلصة الطماطم"، وآخر جريح وفوقه عبارة "بيني بالفرن"، فيما تظهر في زاوية الرسم جثث مطمورة تحت طبقات من الركام وفوقها عبارة "لازانيا".
ولا يعتبر هذا هو الانتقاد الأول لها، إذ إن الصحيفة التي عانت من ظروف مالية صعبة هددت بتوقفها، دائما تبحث عن الاستفزاز كطريق لنجاحها، وهو ما بدأته بالفعل بعد إعادة نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد –صلى الله عليه وسلم- والتي قامت صحيفة يولاندس بوستن الدانماركية بنشرها في 30 سبتمبر 2005، الأمر الذي تسبب في أزمات كبيرة حينها ومظاهرات اجتاحت دولا إسلامية وعربية وعواصم عالمية.
وهو ما أثار انتقادات واسعة حول سياسة تحرير الجريدة، ومفهوم حرية التعبير والرأي الذي تتبناه.
وفي عام 2011 أصدرت الجريدة عددًا خاصًا تحت عنوان "شريعة إيبدو" أعلنت فيه بشكل ساخر أن النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم) هو رئيس تحريرها الشرفي، بجوار تعليق "100 جلدة إن لم تموتوا من الضحك"، وهو ما برره رئيس التحرير بأن ذلك الكاريكاتير هو وسيلة الجريدة للتعبير عن صعود حركة النهضة في تونس.
وعلى خلفية ذلك تعرضت عدة مقرات تابعة للصحيفة الفرنسية إلى الحرق، حيث ألقى مجهولون زجاجات مولوتوف أدت إلى إحراق محتويات المقر، بالإضافة إلى قرصنة موقعها الالكتروني، كما واجهت عددًا من الدعاوى القضائية المرفوعة ضدها من قبل منظمات حقوقية مناهضة للعنصرية.
وواصلت الجريدة حملتها على الإسلام حيث نشرت عام 2012 رسومًا مسيئة لشخصية النبي، ما دفع الحكومة الفرنسية إلى إغلاق سفاراتها وقنصلياتها ومراكزها الثقافية فى 20 بلدًا، بعد دعوة إلى "جمعة غضب" ضد الإساءة، سبقها نشر مقاطع من الفيلم الأمريكي المسئ للإسلام "براءة المسلمين" عبر الإنترنت، ما زاد من شعور الغضب لدى المسلمين حول العالم.
ولم تتوقف الصحيفة عن هذه الأعمال فعاودت النشر في عام 2013 بمعلومات مغلوطة عن سيرة الرسول ( صلى الله عليه وسلم) وزوجاته، ثم في عام 2014 نشرت رسومًا بعنوان "ماذا لوعاد محمد"، مشيرة إلى أنه سيكون سببًا في دمار العالم.
وتأزم الموقف عام 2015 حيث تعرض مقر الجريدة لهجوم من مسلحان -أعلنا الولاء لتنظيم القاعدة، قُتل فيه 12 شخصًا منهم 8 صحفيين بالإضافة إلى اقتصادي وحارس خاص وموظف استقبال ورجل أمن.
بعدها نُظمت مسيرة شارك فيها مئات الآلاف في فرنسا احتجاجاً، ورفعوا شعار "أنا شارلي"؛ تضامناً مع المجلة ودفاعاً عن الحق في حرية التعبير.
وأثار الهجوم استياءً واستنكارًا عالميًا، ساعد الصحيفة على إصدار العدد الأول بعد الحادث ليهاجم النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم) ، حيث طبع على الغلاف رسم للرسول ومكتوب فوقه "كل شئ غُفر"، في إشارة إلى تصريح المنفذين للهجوم بأنهم انتقموا للنبي.
كما أعلن موزعو المجلة الساخرة طباعة 3 مليون نسخة من هذا العدد، مقارنة بنحو 50 ألف إلى 60 ألف نسخة، متوسط ما كانت المجلة تطبعه قبل الهجوم عليها.