كشف كتاب جديد عن لقطات نادرة لمشاركة النساء في الحرب العالمية الأولى، وأوضحت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، اليوم الجمعة، أن المؤرخة إليزابيث شيبتون روت حكايات مثيرة في كتابها "أنثى توميس" عن بطولات النساء من مختلف الجنسيات على خط الجبهة.
من أشهر المقاتلات في تلك الحرب التي أودت بحياة الملايين المجندة الوحيدة في جيش المملكة المتحدة "فلورا سانديس" والتي أصيبت إثر انفجار قنبلة وحصلت على 7 ميداليات لشجاعتها.
وأبرزت المؤرخة دور نساء أسكتلندا في قيادة سيارات الإسعاف، وإديث كافيل التي كانت تدير مدرسة تمريض ومستشفى في بروكسل.
في تاريخ الحرب العالمية الأولى عدة بطلاتٍ؛ منهن الجنديات والجاسوسات والشهيدات.
تم تقدير بطولاتهن خلال الحرب، ولم يُذكرن إيجابياً بعدها، خلقت هذه الحرب أنواعاً جديدة من الأبطال والبطلات، وكان حمل السلاح المسار الرئيس للبطولة الرجالية.
أحياناً يصبح المسعفون الطبيون والكوادر السانِدة أبطالاً؛ لكن جنود الخطوط الأمامية هم الذين تربعوا على قمة هرم البطولة الرجالية.
ويمكن فهم التغير الحاصل في مفهوم البطولة بتغير مفهوم الحرب ذاتها؛ فقد استدعت "الحرب الشاملة" انخراط نسبة كبيرة من المدنيين في الجهد العسكري؛ وهذا أظهر البطولات النسائية أيضاً.
أملين مورو
خلقت الحرب العالمية الأولى أنماطاً جديدة من الأبطال والبطلات، مبتعدةً عن المنظور التقليدي.
فقد درست البروفسورة "فيل" (بجامعة ليدز) كيف ولماذا تغير المنظور، أحياناً ترتبط البطولة بكيفية الإستمرار بتنفيذ المهام المناطة قبل الحرب، مع تزايد صعوبة الظروف المحيطة؛ كالممرضات اللواتي رَعَين المرضى في قطار أو سفينة، والأمهات الثكالى والزوجات اللواتي صارعن الحزن وهن يعتنين بعوائلهن، والعاملات اللواتي حللن محل الرجال الذين استقطبهم الجيش، وكلهن تحمّلن ظروف التقشف التي فرضتها الحرب.
هؤلاء النسوة رسمْن بمختلف الطرق صفاتٍ بطولية من الشجاعة والتحمُّل ونكران الذات.
لكن نساء أُخرياتٍ، خاصة الأقرب للخطوط الأمامية، أنجزن مهمات تحدّت التوقعات الاجتماعية عن أدوار وواجبات الرجال والنساء؛ فقد حملن السلاح وصرن جنديات. وهذا دورٌ ذُكِر منذ أزمان قديمة، وتغنّت بهِ الأشعار والأغاني الفولكلورية التي صورت بطولات النسوة المُحاربات ونشرت في الجرائد. لكنها بطولات غمرها النسيان بعد صمت المدافع.
عندما قامت الحرب، تحمست النساء لإثبات وجودهن والانضمام للقوات المسلحة. ففي بريطانيا تشكلت فرقة "المتطوعات الاحتياط" في 1914، بجهود الثرية "إيفيلينا هافرفيلد"، وتسلمن رتباً وزياً عسكرياً، وتدربن وسط لندن. وفي فرنسا، طالبت الصحفية والباحثة الأثرية "جين ديلافوي" (الخبيرة بالتواجد في جبهات الحرب الفرنسية- البروسية) الحكومة بتشكيل قوات الاحتياط النسائية. لكن مثل هذه القوة لم تتشكل سوى في بريطانيا عام 1917؛ عندما أجبرت شحة المقاتلين الحكومة على ذلك، وأُنيطت بها مهام غير قتالية، كالأعمال المكتبية والإعاشة.
لكن جبهات أُخرى شهدت إنهماك النساء (المنفردات عادةً) في مهام حربية؛ ففي الجبهة الغربية، حاربت "أملين مورو" ذات السبعة عشر عاماً ضد الألمان بينما كانت تساعد أفراد الفرقة 19 البريطانية في معركة "لووس"،ومُنحت "مورو" أوسمة الشجاعة، وأسمتها الصحافة الفرنسية والبريطانية: بطلة "لووس".
الخيانة والإعدام
في وقتٍ لاحق من الحرب، سعت شبكات المقاومة في فرنسا وبلجيكا المُحتلتين لتقويض وعصيان أوامر المحتلين الألمان.
فقد أزال الاحتلال القيود بين المقاتلين وغير المقاتلين، وجنّدت خلايا المقاومة أفراداً من الجنسين. فقامت النساء بمراقبة القطارات وطبع وتوزيع صحف المقاومة السرية، وهرّبن جنود الحلفاء الى قطعاتهم.
قامت "أديث كافيل"؛ أشهر نساء المقاومة، بتهريب نحو مئتين من الجنود الفرنسيين والانكليز، قبل القبض عليها وعلى خليتها. ثم أُدينت بالخيانة، وأُعدمت رمياً بالرصاص في يوليو 1915.
عملت النساء في الجاسوسية لصالح وكالات الاستخبارات البريطانية والفرنسية حديثة التشكيل؛ فأدارت الفرنسية "لويز دي بيتينيل" شبكة تجسس لصالح البريطانيين في مدينة "ليل" الفرنسية. وبعد القبض عليها وإدانتها بالخيانة، خفّف حكم الاعدام الصادر ضدها الى السجن المؤبد، وماتت في سجن ألماني في أيلول 1918.
بالطبع، إعترض الألمان بشدة على خلق شخصية "بطلات المقاومة" خلال الحرب، وهوجمت "أملين مورو" على أنها امرأة منفردة حملت السلاح باندفاع. وكما أدانت عناوين صحافة الحلفاء الألمان ـ"اغتيال أديث كافيل"؛ شجبت الصحافة الألمانية "أملين مورو" "لقتلها" الجنود الألمان وانتهاك معاهدة جنيف لعام 1906.
أما الكتيبة النسائية الوحيدة التي تشكلت رسمياً في الحرب فقد كانت "كتيبة الموت" الروسية، بقيادة "ماريا بوشغاريفا".
كانت "بوشغاريفا" قد مُنِحَت إذناً خاصاً من القيصر "نيكولا الثاني" للتطوع بالجيش الامبراطوري الروسي. وبعد تنازلهِ عن العرش طلب منها وزير الحرب تشكيل كتيبة نسائية، دون اعتبارهن بديلاً للجنود الرجال، بل كمن دورهن في قيمة الموضوع دعائياً؛ وجزءاً من جاذبية توظيف النساء كجندياتٍ في الجيش؛ لجعل الرجال يخجلون ويندفعون للتطوع.
حملت نساء أُخريات السلاح؛ ومنهن "فلورا ساندس" أشهر جندية بريطانية؛ التي بدلت زيها الرسمي كممرضة في "فيلق التمريض والاسعافات الأولية" البريطاني الى زي نقيب في الجيش الصربي.
أما الرياضية والصحفية وقائدة الطائرات الفرنسية "ماري مارفينه"، فقد خدمت ثلاثة أسابيع في الخطوط الأمامية متنكرةً بملابس جندي فرنسي. وكذا فعلت الصحفية البريطانية "دورثي لورنس".
تداركت أنوثتها
لقد صارت النساء اللواتي قمن بمهام الرجال في الحرب موضع شكٍ وسخرية أحياناً عند حلول السلام؛ عبّرت "ساندس" عن خيبة الأمل وعدم الرضا عن حياتها في بريطانيا بعد الحرب، وما لبثت أن استقرت مع زوجها (الجنرال الروسي السابق) في صربيا.
وحاولت "مارفينه" توظيف مهارتها في قيادة الطائرات في الفترة ما بين الحربين، لكنها فشلت في إقناع الجيش الفرنسي بتوظيفها رسمياً.
أما "بوشغاريفا"؛ فلم تحمها بطولتها طويلاً في روسيا الجديدة، فأُدينت لانتمائها السابق الى الجيش الأَبيض، وأعدمها البلاشفة في 1920.
لم تكن النساء اللواتي حُزن الاعجاب وسيطرن على ذكريات بطلات الحرب ممن خضن المعارك، بل اللواتي لم يتحدين أو يناقضن النظرة التقليدية الى الانوثة. وأُعطيت المراتب الأولى هنا للممرضات، ممن عملن قرب الخطوط الأمامية وأظهرن صفاتٍ بطولية دون شك؛ فقد تحدين القذائف والأمراض المعدية لرعاية الجرحى.
لكن النقطة الأهم كانت ارتباطهن بالدور الأنثوي التقليدي وعرضهن لغريزة الأمومة والرعاية، وهذا تماشى مع عالم ما بعد الحرب، الذي كان حريصاً على إبقاء أدوار الرجال والنساء كما كانت قبلها.
ودُعيت النساء لإعادة بناء الأمة عبر أدوارهن كأُمهات وزوجات، وأن يتقبلن موقعاً ثانوياً لصالح عودة الرجال الى أعمالهم. ستبقى البطلات اللواتي قضين في الحرب، وأشهرهن "كافيل"، الى الأبد في موقع الشهيدات، كنُصُبٍ ترتفع فوق مصاف الآخرين.
أما الناجيات فيمكنهن ارتداء ثياب الرجال والتصرف مثلهم في ساعة المحنة الوطنية، لكن تلك الأفعال الاستثنائية التي جعلتهن بطلاتٍ وقت الحرب، تُقابَل عادةً بالحرج أو بالصمت في زمن السلم.