«الهناجرة»..مصطلح لعالم خفى يعيش فيه أشخاص يحكمهم قانونهم الخاص، تختلف عاداتهم وتقاليدهم عن المتعارف عليها فى مجتمعاتنا، احترف أفراده السرقة والنشل لتتحول إلى مهنة رئيسية ومصدر رزقهم الوحيد، تتولى المرأة فيه زمام الأمور، لتتربع على عرش ذلك العالم الغريب، لتكون العنصر الأهم فيه، لتعكس تقاليد العرف المجتمعى المتعارف عليها بأن الرجال فى حياتهم قوامون على النساء، ففى هذا العالم النساء هن القوامات على الرجال والمسؤولات عن شؤون الحياة المعيشية، ليتفرغ الرجال لتربية وخدمة الأبناء.
تمكنت " أهل مصر" من اختراق عالم «الهناجرة» بالإسكندرية، ذلك العالم السرى المخيف، لترصد أهم أماكن تمركزهم، وأسرار عالمهم الخفى.
فى عروس البحر الأبيض المتوسط يوجد خلف هذا الكورنيش الساحر والمناظر الخلابة ما لايقل عن 2000 أسرة من "الهناجرة" الذين كانوا يعيشون خارج مصرعلى شكل قبائل فى عدة بلدان عربية ثم نزحوا إلى مصر، ولدى الهناجرة المصريين طابع هو "الترحال"، كما أن هناك بعض التجمعات المستقرة أو شبه المستقرة، التى تمارس التنقل الموسمى، ويعيش المستقرون فى مساكن تتناسب مع المنطقة التى يحلون بها ومع مستواهم المادى، ويميل الهناجرة بصفة عامة إلى السكنى فى أطراف القرى، وذلك لعدم ميلهم إلى الاختلاط بالأهالى، أولإبعاد الأنظار عن أنشطتهم وتحركاتهم، كما لا يلجأ الهناجرة للقانون والقضاء وأقسام الشرطة، بل يحكمهم مجلس يسمى بمجلس المغارمة وهو يشبه "مجلس العرب" ويتولى الفصل فى المنازعات، ويتكون من كبير الهناجرة يعاونه ثلاثة رجال.كار السرقةلا يعرف الهناجرة سوى أخذ ممتلكات الغير أو سرقة كل ما هوغالٍ ونفيس، فهم لا يعرفون سوى السرقة من أجل الحصول على لقمة العيش، ولا يعترفون بالتعليم أو المدارس أو التوبة فجميعها كلمات خارج قاموسهم العجيب.-النساء قوامات على الرجالتعد النساء فى حياة الهناجرة قوامات على الرجال وليس كما هو متعارف عليه فى حياتنا، فالمرأة وحدها هى التى تدير شؤون المنزل وترعى مصالح زوجها وأولادها، وهى وحدها صاحبة الكلمة العليا فى الحياة الزوجية، وهى أيضاً سيدة قرارها وهى التى تحدد متى وأين وكيف تعمل، وهى وحدها التى تسرق والرجل وحده عليه أن ينتظر حصيلة السرقة، وليس للرجل حكم على الزوجة إلا إذا ثبت أن زوجته قامت بسرقة جزء من حصيلة سرقتها التى تحصلت عليها طوال اليوم، وفى هذه الحالة على الزوج أن يذهب إلى الزعيم الذى يدير شؤون جماعة الهناجرة ويسلمه الدليل على خداع الزوجة معه، وهنا يكون عقابها عدم السماح لها بالسرقة لمدة شهر كامل.استطاعت "أهل مصر" أن تلتقى بأشخاص من هذا المجتمع الخفى للتعرف على أسراره التى ربما لا يعرفها قطاع كبير من المواطنين ليس على مستوى مصر بل فى الإسكندرية المحافظة التى تأويهم، وذلك بعد محاولات صعبة ، حيث أنهم يرفضون الحديث لأى وسيلة إعلام.
"الست بـ100 راجل"فى البداية تقول "شادية" من نساء الهناجرة، إن القانون الذى يحكم الهناجرة فى معاملاتهم الداخلية هو القانون العرفى وأنهم لا يعرفون غير السرقة خاصة سرقة الذهب سواء من المحال التجارية أو من عامة الناس فى الأسواق المزدحمة، وأن الست داخل الهناجرة تساوى 100 راجل، فهى التى تعمل وتأتى بالنقود أما الرجل فعليه أن يجلس بصحبة الأولاد وتربيتهم وتدريبهم على السرقة فى انتظار الحصيلة اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية من زوجته.ـــ 500 ألف جنيه مهر الهنجريةعن أهم العادات والتقاليد فى زواج الهناجرة، تقول "شادية" إنه لابد للفتاة الهنجرية أن تتزوج من هنجرى مثلها ، ويكون مهر العروس 100 ألف جنيه ويصل فى بعض القبائل إلى 500 ألف جنيه، ويقدمه العريس من الذهب المسروق الذى يقوم بتجميعه من أهل قبيلته، وفى كل الحالات هذا الذهب يعود إلى الرجل بمجرد أن تقوم الزوجة بممارسة السرقة بعد الزواج.- للسرقة تخصصات"أما عن التخصصات فى السرقة، فقالت: "إن كل ست لها تخصص فهناك سرقات فى الموالد والحج والعمرة والأعياد وأسواق السمك، وهناك من تقوم بـ«قص» الذهب فى الشوارع المزدحمة، وهناك من تقوم بالصعود للمنازل والعمارات الفخمة فى شكل بائعة "جبن وزبد وعسل"، وهناك من تضرب الودع فى الشواطىء، وهناك من تقرأ الفنجان فى الكافيتريات الكبيرة، وهناك من تجلس للتسول وتسرق فى وقت واحد، وكل واحدة وعلى حجم فهمها".
ـــ الرقص الخليع.. أهم طقوس الأفراحتضيف "هند" إحدى فتيات الهناجرة، أن سر ارتفاع المهر للعروس يتوقف على حجم حصيلة السرقة لها كل يوم، قائلة: "كل ما كانت العروسة شاطرة وتأتى بالذهب الكثير يكون مهرها غالى".وحول أشهر طقوس أفراحهم، قالت "هند" إن شقيقة العروس عليها أن ترقص لها ببدلة رقص من أجل إحياء الليلة، ومن أجل أن يشاهدها أحد رجال الهناجرة ويشاهد مفاتنها وهى بذلك لا تنكشف على رجال أغراب ولكنها تكشف محاسنها لرجال منها، ويحدث ذلك حتى لا يكون هناك عنوسة داخل الهناجرة.ــ محترفات فى مواسم السرقةوعن سر امتهانهم للسرقة، أوضحت أن السرقة تجرى فى دمها ولا يمكن أن يمر يوم إلا وتقوم بـ"تقشيط" رقبتين أو ثلاثة بحسب قولها، وتقصد سرقة الذهب من الرقبة، أما عندما يكون الجو هادىء فى الشوارع فلا يمكنها القيام بالسرقة على الاطلاق، مضيفة أنها تقوم بقص الذهب من الرقبة عن طريق المغافلة ويكون هناك فتاة أخرى معها تقوم بإيقاف الضحية بدون قصد.وأضافت أن أشهر المواسم للسرقة هى شهر رمضان وموسم العمرة والأعياد، وفى مواسم الحج والعمرة تكون هناك محترفات يتمتعون بمواصفات خاصة من أهمها السن الصغير والوزن الخفيف من أجل سرعة التنقل فى الزحام.ـــ 4000 شخص حصيلة سرقة خلال عامحول تفاصيل عمليات السرقة التى قامت بها من قبل، قالت الفتاة الهنجرية إنها قامت بسرقة حوالى 4000 شخص خلال العام الماضى أى بمعدل 10 أشخاص كل يوم، وذلك إما فى الأسواق المزدحمة أو داخل محل الذهب فى الأماكن العشوائية، ولم تتمكن الشرطة من التوصل إليها لأن معظم الضحايا لم يقوموا بالإبلاغ عن الحوادث وأيضاً لأنها غير مسجلة، أما إذا شعرت أن هناك محاولة للإمساك بها فتقوم بشق ملابسها فى الشارع ثم تقول بصوت عالى "حرامى، حرامى" لعدة مرات لتتحول من جانية إلى ضحية فى غمضة عين ويتعاطف معها المارة بعد أن تروى لهم أنها تمت سرقتها ولا تعرف ماذا تفعل .- أسباب تعدد الزوجات قال "م.ن" 35 عاماً، من رجال الهناجرة، إن أبناء القبيلة يتباهون بإنجاب البنات ويعتبرونهم كنزاً كبيراً ومصدر لدخل مضمون، ولذلك فالأب لا يفرط فى ابنته للزواج من أى رجل بسهولة مما أدى إلى ارتفاع المهر والشبكة، مضيفاً أن معظم رجال الهناجرة يتزوجون أكثر من امرأة ليس بحثاً عن المتعة فقط ولكن من أجل تعدد موارد الدخل، ولا يهمه مستوى الجمال ولكن المهم هو تمتع المرأة بصحة جيدة حتى تستطيع المشى والجرى فى العمل.وكشف أن الزوجة الواحدة تستطيع توفير دخل له 100 جنيه فى اليوم الواحد، وهو متزوج من امرأتين، مشيراً إلى أنه لا يشعر بخجل من جلوسه فى البيت ورعايته للأولاد بدلاً من زوجته بل ويقوم بطهى الطعام وتنظيف المنزل، أما بقية اليوم فيشاهد التليفزيون أو يجلس مع أصدقائه وأقاربه من رجال الهناجرة.ـــ الكى بالنار مصير من يعمل من الرجالأضاف "ح. س" 42 سنة، متزوج أيضاً من اثنتين هنجرانيتين، أن حياته كانت سعيدة جداً، وقرر أن ينزل إلى العمل ويقوم بمساعدة زوجته، فكان عقابه الكى بالنار فى جميع أنحاء جسده وإجباره على تطليق الزوجات ورد مهرهن مثل الذى دفعه، وذلك لأنه خالف العادات والأعراف والتقاليد داخل مجتمع الهناجرة.واستكمل حديثه قائلاً إنه حاول الانفصال عن مجتمع الهناجرة ولكنه لم يستطع ذلك لأنه ببساطة لا يستطيع العمل والحصول على نقود مثلما كان يحصل من زوجته ولذلك فقد قرر أن يظل مع الجماعة، ولكنهم عاقبوه أن يظل لمدة 5 أعوام بدون زواج ليخدم الأسر الهنجرانية، وبعد مرور هذه المدة يتم تزويجه مرة أخرى من فتاة يحددها زعيم القبيلة لا يحددها هو أو يختارها.-لا مكان للتوبةوبشأن التوبة عن السرقة، أشار إلى أن هذه الفكرة غير موجودة على الإطلاق، إذ يظل هذا الحال داخل الهناجرة حتى يموت الرجل أو المرأة، فهو مجتمع يرفع شعار "السرقة طوال الحياة".كما أن من أعراف الهناجرة أنهم يخافون جداً على بعضهم البعض ولا يمكن لأحد أن يوقع بينهم أو يمسهم بسوء، غير أنهم ملتزمين بعدم سرقة الجيران القاطنين فى الشوارع المحيطة بهم أو فى منطقتهم بشكل عام.وتشكل منطقة ميامى أكبر تجمع للهناجرة وتحديداً فى شارع 65 و 66، أما عزبة خروعة التى تقع فى منطقة المراغى فيوجد بها بعض الأسر القليلة، وكذلك يقطنون فى مناطق باكوس والظاهرية والعوايد، ويترددون على أماكن شهيرة فى سموحة والعجمى ورشدى.نقلا عن العدد الورقي.