فى عام 2012، قرر الشاب المصرى عبدالعزيز المصرى، 30 سنة، الهروب من أسرته والتحاقه بالجهاد المزمع فى سوريا، حيث الجنات والفردوس الأعلى التى كثيرًا ما وصفها مشايخ وعلماء السلفية فى مصر، وصل فى نهاية السنة إلى أرض الشام، حيث المصير المجهول.
وبعد التشرد الذى واجه الشاب الثلاثينى بين الجماعات والتنظيمات المختلفة قرر الانضمام إلى أكثر التنظيمات شهرة ألا وهو تنظيم داعش الإرهابى، وذلك على يد منسقى الهجرة فى التنظيم الذين رتبوا لعملية الدخول، ولكن بعد سنتين من الانخراط داخل التنظيم قرر الشاب الهروب من قبضة التنظيم لهذا قرر الاستعانة بأحد الأهالى فى مدينة الرقة نهاية عام 2015 لمساعدته.
ويقول الشاب فى حواره لـ"أهل مصر": "هربت إلى أحد المناطق الآمنة فى سوريا بعيدًا عن الرقة، وذلك فى أحد أحياء مدينة دمشق، حيث أماكن سيطرة النظام السورى، وذلك تمهيدًا للعودة إلى مصر ولكن أخاف من العودة لان مصيرى الآن يصبح السجن، ولهذا ما زلت أسكن مدينة دمشق، وأحاول الهروب إلى تركيا أو أى دولة أخرى مع طمس هويتى للهروب من القبضة الأمنية التى يشهدها العالم على تنظيم داعش والخوف من العائدين، إلى نص الحوار..
- باختصار احك لنا قصة التحاقك بداعش؟
بدأت قصة كفاحى الإرهابية، بعدما ثار الشعب السورى على الرئيس بشار الأسد، فى أعقاب ثورة 25 يناير2011، وضجت وسائل الإعلام المختلفة بصور وفيديوهات القتل التى ألصقت بالنظام السورى، وشاهدت فى مرات عديدة نساءً سوريات يستنجدن بالمسلمين لنصرتهن، وهنا بدأت أخطط فعليًا للسفر إلى هناك وحاول بعض وقف هذه الخطوة المجنونة، لكن حماستى أعمتنى عن ذلك.
- من مصر وسوريا كيف سافرت؟
فى أعقاب ثورة 25 يناير، حيث الانفلات الأمنى، كان كل ما على هو تجهيز نفسى وحجز تذكرة طيران لتركيا، وهنا أصبح الأمر سهلًا لأنه بمجرد الوصول إلى تركيا أصبحت داخل سوريا، حيث سهولة الحركة فى الداخل السورى، وما إن وصلنا إلى تركيا استقبلنا أفراد من التنظيم، وصاحبونا حتى عبرنا الحدود التركية السورية، وفى تلك الفترة كان هناك تساهل كبير من تركيا.
- بعدما وصلت إلى التنظيم.. كيف كانت الأيام الأولى؟
وصلت مع مجموعة من الشباب فى ذلك الوقت، كان العدد يتخطى الـ100 شاب من جنسيات مختلفة، استقر بنا الأمر فى مدينة الرقة أكبر معاقل داعش فى سوريا، وانخرطنا على الفور فى الدورة الشرعية التى يشترك فيها كل العناصر الجدد داخل داعش.
- كم المدة التى قضيتها فى الرقة؟
استمر تواجدى داخل مدينة الرقة لأكثر من عامين، وكنت أعمل فى الشؤون الإدارية بالدواوين الخدمية كديوان الزراعة وديوان الخدمات العامة، وبعدها قررت ترك التنظيم والخروج من الأراضى التى يسيطر عليها فى أقرب فرصة سانحة.
- ما الذى دفعك إلى التفكير فى الهرب من التنظيم؟
فى البداية كان هناك رعب داخلى، خوفًا من القبض عليه وادخالى السجن حال معرفتهم تفكيرى فى الهرب، وجاء الدافع الأساسى للتفكير فى الهرب هو أنى كنت أظن أنهم يتعاملون بدين الله وشرعه، ولكنى وجدت منهم أفعالًا ليست من الدين فى شىء كتعذيب الناس والقتل بدون بينه.
- التنظيم يصف الهاربين منه بأنهم "فارون من الزحف".. بماذا ترد؟
همى الوحيد كان وقتها هو الهروب ولم يعد يفرق معى المساميات أو غيرها من الألقاب التى يطلقها البعض، ولو عاد بى الزمن ألف مرة للخلف سأهرب منهم، فأنا لست قادرًا على تحمل دماء المسلمين أمام الله يوم القيامة.
- بصفتك أحد المارين بالتجربة.. هل نجح التنظيم فى إقامة دولة؟
بالفعل نجح التنظيم فى هذه العملية، وذلك لأنه كان يمتلك مجموعة كبيرة من الرجال والجنود المسلحين المستعدين لبذل أنفسهم، وذلك عبر تحريفات لآيات القرآن وبعض الأحاديث ضعيفة السند، ليضحكوا بها على عقول الشباب، من خلال عمليات غسل الأدمغة المختلفة التى يقوم بها القادة طول الفترات المختلفة، وبالفعل نجح التنظيم فى إنشاء خلافته، ولكن عندما بدأت الحرب الحقيقية عليه ظهرته قوته المزعومة كتنظيم عصابات.
- ما حقيقة الخلاف بين تيار الحازمى وتيار البنعلى داخل داعش؟
تنظيم داعش عبارة عن ثلاثة تيارات وليس تيارًا واحدًا، الأول هو تيار البنعلى والقحطانى وأبوالمنذر، الثانى هو التيار المقرب من فكر أحمد الحازمى المشهور بعدم العذر بالجهل، والتيار الثالث هو التيار العادى الذى خُدع فى تنظيم الدولة مثلى أنا.
التيار الأول سيطر على مقاليد الأمور داخل التنظيم فى فترة من الفترات، وكان يعادى التيار الحازمى ويقتل كل من يجده معتقنًا لفكره، لكن اليوم تغير الحال وصعد التيار القريب للحازمى، فبدأ فى معاملتهم بالمثل واسترداد الحقوق منهم، أما التيار الثالث فهو مغلوب على أمره، تورط ولم يجد مخرجًا من ورطته وكلا التيارين يناطح فيه ويعاديه.
- ما رأيك فى ثبات التنظيم واستماتته فى القتال فى معركتى الموصل والرقة؟
استماتة مقاتلى التنظيم فى المعارك شىء طبيعى لما يواجهونه، وهذه طبيعة لدى معتنقى الفكر الحازمى، أما تيار البنعلى فهو يقاتل الآن دفاعًا عن نفسه، وأما التيار الثالث فيقاتل لأنه لا يجد لنفسه مخرجًا، فلم تعد دولهم التى خرجوا منها تقبل عودتهم ولا تريد رجوعهم إلا مقتولين، فهو فى الحالتين مقتول كما يقول المثل العامى "كدا ميت وكدا ميت"، لذلك يستبسل فى القتال حتى يموت، وأظنه لو وجد طريقًا للعودة ودولة تسامحه وتعيد معاملته بطريقة أخرى كى يندمج فى المجتمع مرة أخرى لعاد إلى وطنه، كما حدث مع الكثير من الشيشانيين، عندما أعلنت الحكومة الشيشانية مهلة سمحت لهم بالعودة وإعلان براءتهم من هذا التنظيم وأفكاره المغالية فى الدين، فما كان من الكثير منهم إلا أن عادوا، وحاليا تمت إعادة دمجهم مع المجتمع مرة أخرى.
- من وجهة نظرك ما مستقبل داعش؟
مستقبل داعش متوقف على قرار داعميه وخصوصًا أمريكا، فكما سمحت له بالتوسع وأمرت الجيش العراقى بتسليم سلاحه فى معركة الموصل عام ٢٠١٤، من أجل عمليات توازن القوى، وأرى أن أمريكا فى طريقها للتخلى عنهم بعد الانتهاء من استخدامهم كما فعلت تمامًا مع غيرهم.
نقلا عن العدد الورقي.