قال تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا).. أبناؤنا فلذات أكبادنا أغلى ما عندنا، مالهم بعيدون عنا فكريًا وبمشاعرهم، ألسنا آباءهم وأمهاتهم؟ ألم نضح كثيرًا من أجلهم؟ ألم نبذل الغالى والنفيس حتى يكونوا سعداء؟ ألم نحرم أنفسنا لنعطيهم؟ ألم نهدهم عمرنا عن طيب خاطر؟ ماذا حدث؟؟ ما هذا الجفاء والغلظة منهم؟ لا ينتبهون لحديثنا إليهم، لا يلقون لنا بالًا، لا يهتمون بمشاعرنا تجاههم، لا لا لا قلوبنا تعتصر على أبنائنا أين المخرج؟ أين الطريق؟ كيف ومتى نلتقى بأبنائنا؟
قرائى الأعزاء:
هيا بنا نغوص سويًا فى أعماق هذه المشكلة الكبيرة المنتشرة فى كثير من بيوتنا، لنبحث مع بعضنا البعض عن الحل الجذرى لهذه المشكلة، التى تهدد استقرار أقوى كيان، ألا وهو الأسرة، والتى هى أصل المجتمع والمصدرة لرجال وسيدات المجتمع، مواطنى بلدنا الحبيب، إما مواطن ومواطنة صالحة يفيدون مجتمعهم وبلدهم أو غير صالحين يكونون معول هدم للدولة. كلامى هذا أحبائى لكل أب، لكل أم وكذلك للأبناء الأحباء، ولكن هو فى المقام الأول للأب والأم، لأن باختصار الحل فى أيديهم، المفتاح معهم. نتفق أولاً على أننا نبتغى مصلحة أبنائنا ونريدهم ناجحين إيجابيين نافعين لأنفسهم ودولتهم.
ولكن التمنى وحده لا يكفى علينا الأخذ بالأسباب.
الأمهات والآباء الكرام الأعزاء التربية شىء ليس سهلًا، ولكنه يحتاج للتريث، لأن التربية علم وعلينا أن نربى أبناءنا على علم، حتى نخرج بإذن الله النشء صالحًا.
أسمع أحد القراء الفضلاء يقول أجدادنا كانوا غير متعلمين وربوا آباءنا تربية صالحة، سأرد على قارئنا الكريم فى سياق كلامنا، ولكن بداية أحب أن أقول من أدرانا أن هذه كانت تربية سليمة؟ حتى وإن كنا فى الظاهر نرى الأبناء أصبحوا وأصبحوا وأصبحوا فى مناصب مرموقة غنى، وغير ذلك، كما أن تغير البيئة والحقبة الزمنية يستوجب علينا تغيير وتحديث أساليب التربية، لتتماشى مع العصر، لأن ابن أو ابنة اليوم غير الأمس.
أولاً: علينا أن نسأل أنفسنا لماذا يبعد أبناؤنا عنا؟ لماذا لا يحبون المكوث فى البيت لفترة طويلة؟ لماذا لا يحبون التحدث معنا؟ لماذا؟ لماذا؟
هناك قصور هناك خلل أين المشكلة أحبائى أسمع أحد القراء الأحباء يقول أيضاً لا يسمعون كلامنا. ما الحل نريد الالتقاء بأولادنا يتفلتون منا نريد أن نلحق بهم ونجعلهم يعودون إلينا مرة أخرى.
دائمًا وأبدًا أبناؤنا فى البيت لا يسمعون منا إلا افعل ولا تفعل، أوامر ونواه ذاكر، نم، لا تتأخر، صل لا تصاحب فلان اطفئ التلفاز، كلها أوامر ونواهي، والنفس البشرية تميل إلى العكس فالممنوع مرغوب، رجائى لكل أب وأم نعطى أنفسنا هدنة من الأوامر والنواهى لمدة أسبوعين من الآن، لا نأمر أبناءنا ولا ننهاهم عن فعل شىء ولكن نشملهم برعايتنا وحناننا وحبنا. أسمع أحد قرائنا الأحباء يقول: يا دكتور أنا مشغول أرجع من عملى مجهدًا ليس عندى وقت. أقول مهما كنت متعبًا هم أولادك أغلى ما عندك، لماذا تتعب فى عملك؟ لمن؟ أليس لهم، ألا يستحقون منك إكمال ما بدأته من أجلهم، أيتها الأم الغالية أنت محور الحل، عليك ومعك الأب أيضًا دور محورى، لا تقولى لأولادك افعلوا ولا تفعلوا، ولكن قولى كلاما يترجم عاطفة الأم تجاه أبنائها، كلام حب وحنان وعطف، زيدى من أحضان الأمومة، كثفى من حنانك وحبك لهم، احتويهم وتفننى فى هذين الأسبوعين بعمل الأكلات التى يشتهيها أبناؤك، إذًا كلام جميل كله حب وحنان، بالإضافة لإعداد أفضل ما يحبونه من أكلات.
حاولى الجلوس معهم أنت والأب، والأب يشترك معك أيضًا فى السابق جلسة أسرية على الأقل أسبوعيًا، نكثف فيها مشاعرنا الغريزية تجاه أبنائنا ونحاول التقارب معهم ونشاركهم فى شؤون الأسرة ونحملهم المسؤولية ونثق فيهم، صدقونى هم على قدر هذه المسؤولية، ولكن يحتاجون لإعطائهم الفرصة، نحملهم هذه المسؤولية ونجعل أحد أبنائنا مثلًا يكون مسؤولا عن مصروف البيت لمدة أسبوع، وهذا ليس معناه أن أتركه وحده ولكى نعطيه مساحة كى يدير أمور البيت ويأخذ قراره بنفسه ليستعيد ثقته بنفسه ويستعيد ثقته فينا.
نحاول مشاركتهم فى اهتماماتهم حتى لو كانت هذه الاهتمامات محل نقدنا ولا تعجبنا، لأن باختصار لن أستطيع تعديل سلوك ابنى أو ابنتى دون الدخول ومشاهدة هذا السلوك عن قرب، وهنا يكون التعديل بشكل غير مباشر دون أمر أو نهى، فأنا أشارك أولادى فى اهتماماتهم وما يحبونه حتى لو كانت ألعابا على الهاتف المحمول أو خلافه، سأكسر الحاجز النفسى بينى وبينهم، سأحطم كل القيود والسدود وأزيل العوائق، هنا سيستغرب أولادنا من هذه التصرفات، هنا سيسألون أنفسهم ماذا حدث لأبى وأمى هل تغيرا؟ أم هى حيلة تنتهى بأمر ونهى كالعادة وتوقعوا أيتها الأمهات أيها الآباء الفضلاء رد فعل عنيفًا من أبنائكم، لأنهم لم يتعودوا منكم هذا السلوك الجديد ويتوقعون أن وراء هذا السلوك غرض بأمر أو نهى، نريد أن نثبت لأبنائنا أننا تغيرنا، أننا نريد الالتقاء بهم وإعادتهم إلينا مرة أخرى.
عندما يدرك ويتأكد الأبناء أننا تغيرنا وأننا نحاول إسعادهم سواء بالكلام الحسن أو الاعتماد عليهم والثقة فيهم ومشاركتهم فى اهتماماتهم وعمل كل ما يضفى عليهم السعادة.
هنا يتحرك المؤشر لأعلى وتستيقظ غريزة الأبناء تجاه الآباء والأمهات، أبى وأمى يحاولان إسعادى بكل الطرق، هما تغيرا كثيرًا عن ذى قبل، أصبحا إنسانين آخرين إذًا أنا سأحاول إسعادهما هنا دون أمر ونهى منكما، سيفعل الأبناء ما أنتم تحبونه لأنهم أدركوا حبكم لهم بالفعل والقول، كذلك علينا إدراك أهمية العبارات التى نقولها لأولادنا والتى يكون لها تأثير إيجابى وسلبى عليهم. كثير من الآباء والأمهات يقولون لأبنائهم: أنت فاشل – لا فائدة منك – كان يوم أسود يوم أن ولدت – أنت لست نافعًا، أنت أنت أنت، كل هذه العبارات المحبطة سيكون لها آثار سلبية على الطفل، حتى لو أصبح فى يوم من الأيام إنسانًا عظيمًا وحصل على الجوائز العالمية وشهادات التقدير، فأبى وأمى قالا لى أنا فاشل أنا لا فائدة منى، حتى لو كل الناس قالوا عنى أفضل العباراتن ولكن أبى وأمى أحب الناس إلى قلبى، وكذلك أنا أحب الناس إليهم قالوا لى عكس ذلك، لن أصدق إلا أبى وأمى فهما قدوتى هما الأدرى بى، سيظل هذا الشعور مع أبنائنا طول العمر، شعور بالإحباط والفشل من كلمات قالها الوالدان لأبنائهما فى الصغر، كلمات تحبط الهمم وتحطم العزيمة وتفشل الناجح وتقتل المواهب لدى أبنائنا، كل هذا يبعد عنا أولادنا أكثر فأكثر ويجعلهم لا يحبون المكوث فى البيت، دائمًا خارج البيت مع أصدقائهم الذين لا يقولون لهم افعلوا ولا تفعلوا ولا يقولون لهم كلاما محبطا ولا ينتقدونهم دائمًا، إذًا علينا بالعبارات التشجيعية حتى لو أبناؤنا دون المستوى الفكرى والعلمى والذهنى مثل أنت ممتاز – أنت هائل – أنا سعيد بك، أنا فخور بك، كل هذه العبارات لها تأثير السحر على أولادنا تزيد من مهاراتهم وتخرج الطاقات الكامنة فيهم.
أيضًا علينا تنمية المواهب التى لدى أبنائنا، كل إنسان حاباه الله عز وجل بموهبة فطرية منذ نعومة أظافره على كأب وأم تنمية هذه الموهبة لدى أبنائنا وتشجيعهم عليها ومكافأتهم عليها وتحفيزهم وتوفير كل السبل لإظهار هذه الموهبة سيكون ذلك حافزًا لهم للتفوق الدراسى والإبداع والتميز.
هناك نقطة أخرى علينا الاهتمام بكلام أبنائنا أيًا كان هذا الكلام حتى لو كان غير مفهوم لنا وهم صغار متلعثمين فيه حتى لو كنا متعبين مجهدين، لتونا عائدين من العمل، علينا الاستماع لهم وإبداء وإظهار الاهتمام لما يقولون حتى لو كنا كما قلت لا نفهم ما يقولون، بل وننزل برؤوسنا لمستوى رؤوسهم شكلاً ومضمونًا حتى نجعلهم يحبون الكلام معنا والحديث إلينا ويشتاقون إليه، ويخبروننا بكل ما هو جديد لهم ولا نريد أن نجعلهم يقولون لأنفسهم أبى وأمى لا يهتمون بما أقول لن أتحدث معهم مرة أخرى عن شؤونى وهذا يسرى على أولادنا كبارًا وصغارًا.
نريد أن نكون قدوة لهم، للأسف الكثير من أبنائنا أخذوا أناسا قدوة وهم غير جديرين بأن يكونوا قدوة، وهنا يظهر دور الدولة فى إظهار أشخاص علماء – باحثين – مبدعين كقدوة لشبابنا على الدولة أن تكرمهم وتلقى الضوء عليهم.
ودورنا الأهم لأننا لم نقم به ولم يجد أبناؤنا فينا القدوة، فلم نصبح قدوة لهم، علينا أن نكون قدوة لهم بأفعالنا وأقوالنا ونركز ونسهل لهم الوصول إلى قدوات فى مجتمعنا والمجتمعات الأخرى بشكل غير مباشر دون فرض ذلك عليهم، أى نشاركهم فى قدوتهم، رغم أننا غير مقتنعين بهذا الشخص الذى يتخذونه قدوة وبشكل غير مباشر ألقى الضوء على الشخص الذى أعتقد أنه القدوة فعلاً، وهنا سيشاركنى الابن أو الابنة فى الاهتمام بهذه القدوة، وهنا بما فعلته مع ابنى وابنتى من اهتمام وعطف وحنان وحب سيريد أن يرضينى، رغم أننى لم أطلب منه شيئًا وسينجذب إلى القدوة التى أحبها له، وهذا دورى منذ زمن بعيد، حيث غرز فيه القيم الحميدة فسينجذب سريعًا لهذه القدوة حتى لو لم أغرس فيه هذه القيم قديمًا أستطيع غرسها الآن رويدًا رويدًا.
نقطة أخرى غاية فى الأهمية علينا البعد كل البعد عن العقاب البدنى لأبنائنا، فهناك عقاب بالنظرة وآخر بالكلمة وآخر بالإهمال، ولكن العقاب البدنى يورث الأبناء الضعف والذل والاستكانة وفقدان الثقة بالنفس. وكما اتفقنا لا عقاب فى هذين الأسبوعين بل حب وحنان وعطف وشفقة.
النقطة الأخيرة، على إدراك أن كل أسلوب تربية فيه إيجابيات وسلبيات قديمًا كانت التربية أسهل من الآن، لأن القيم الحسنة الفاضلة كانت سائدة فى مجتمعنا كنا قريبين من الله عز وجل، كان كل أب وأم يقومون بدورهم على أكمل وجه والمجتمع كله كان مهيئًا ومسهلا للقيام بهذا الدور، وكانت المغريات وملذات الحياة ووسائل التكنولوجيا والتقدم أقل بكثير والتعليم كان أرقى وأفضل وكان مثلث التأثير على الطفل مفعل وكان يقوم بدوره على أكمل وجه البيت والمدرسة ودور العبادة.
أما الآن فالبيئة اختلفت والأدوار تبدلت.
أخيرًا كلمة لأبنائنا الأحباء آباؤنا وأمهاتنا أوصانا الله عز وجل بهما، حيث قال فى كتابه العزيز (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ إِلَى الْمَصِير).
حيث قرن الله عز وجل شكره بشكر الوالدين وبر الوالدين هو من أفضل شعب الإيمان وعقوقهما من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله، فعندما سئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن أكبر الكبائر قال: الشرك بالله ثم عقوق الوالدين، وشهادة الزور، أو قول الزور، وكان متكئًا فجلس فما زال يُكرِّره حتى قال الصحابة يا ليته سكت إشفاعًا ورفقًا به، وكما أن هناك عقوق والدين فهناك عقوق أبناء.
وهذا يتجلى فى قصة الابن الذى عق أباه فى زمن سيدنا عمر بن الخطاب وذهب الأب ليشتكيه لسيدنا عمر، ولكن أباه عقه قبله باختيار أم له غير صالحة وسماه اسما غير حسن، ولم يحسن تربيته، وكان هذا هو رد الابن على شكوى أبيه لسيدنا عمر.
فعلينا أيها الآباء والأمهات الأعزاء تجنب عقوق أبنائنا حتى نتجنب عقوقهم لنا، لأن فى النهاية سنكون كلنا خاسرين (بروا أبناءكم قبل أن يبركم أبناؤكم).
وفى نهاية حديثى معكم قرائى الأعزاء أحب أن أقول نحن مرآة لأبنائنا ما نفعله نحن اليوم مع أبنائنا سيفعله أبناؤنا غدًا مع أبنائهم، وما نفعله اليوم من سلوكيات بشكل عام سيكتسبها أبناؤنا، بل هم اكتسبوها بالفعل دون أن نقول لهم افعلوا أو لا تفعلوا هذا السلوك، إذا كنا نحن نريد أن يقترب أبناؤنا منا ويعودوا إلينا علينا بالاهتمام والتركيز فى سلوكياتنا نحن اليوم، لأنها هى سلوكيات أبنائنا فى الغد، وبصفة خاصة علاقتنا بآبائنا وأمهاتنا. فكما تعاملونهم سيعاملكم أبناؤكم.
دائن تدن، اللهم قربنا من أبنائنا وقربهم منا آمين يا رب العالمين.