اللاجئون في ليبيا.. فرنسا تجمع أطراف الأزمة لوقف تدفقهم إلى أوروبا

كتب : وكالات

في كل ساعة، تتوافد على الحدود الليبية قوافل من المهاجرين، الذين يتعاملون مع أراضي الدولة الصحراوية، التي تمزقها النزاعات، على أنها مجرد مطار، أو محطة للترحال، على أمل الانضمام لأي فوج يغادر بهم حدود أرض العرب نهائيا، ويهربهم إلى مصير مختلف على حدود أوروبا، آملين أن يبدأوا حياة جديدة.

ولكن هذه الآمال سرعان ما تتبدد وتتبخر، عندما يصلون إلى داخل ليبيا، ليعرفوا أن عليهم أن يقبعوا داخل سجونها في انتظار الترحيل إلى دولهم مرة أخرى، أو الاضطرار إلى الانضمام لمراكز الاحتجاز، أو البديل الأسهل، وهو دخول المدن والقرى، وهناك يحكمون على أنفسهم أن يكونوا تحت رحمة من يصطادهم من الأهالي، ليسخرهم في خدمته كيفما شاء، وليضيع ذكرهم من الإحصاءات الرسمية، التي لم تعد الدولة قادرة على وضعها بشكل دقيق.

ولا توجد مخيمات بالمعنى المعروف في ليبيا، ولكن توجد مراكز للإيواء والاحتجاز، ولعل المخيم الأشهر، الذي ضم ليبيين، كان مخيم الشوشة، بولاية مدنين في الجنوب التونسي وعلى بعد 7 كيلومتر من معبر رأس جدير الحدودي بليبيا، والذي قامت في 19 يونيو الماضي قوات من الأمن والجيش التونسي بإخلائه بشكل قسري من اللاجئين، وتعرضت عملية الإخلاء لإدانات حقوقية.

وانعقدت أمس قمة في فرنسا، أبطالها 4 قوى أوروبية، وهي فرنسا وإيطاليا وألمانيا وأسبانيا، يتقدمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بحضور 3 دول إفريقية، في مقدمتها ليبيا، بالإضافة إلى النيجر وتشاد، وهدفها الأول السيطرة على أزمة الهجرة إلى أوروبا، من خلال ليبيا، والأهم محاولة التوصل إلى موقف أوروبي موحد بشأن التعامل مع أزمة وصول مئات الآلاف من المهاجرين للسواحل الأوروبية.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يحاول الأن أن يحقق ما اختلف بشأنه الأوروبيون، بداية من إيطاليا التي طرحت إنشاء مخيمات ومراكز لاستقبال اللاجئين على الأراضي الليبية، وألمانيا التي ترفض مناقشة الأمر ووضعه موضع التنفيذ، حيث اقترح الرئيس الفرنسي تأسيس مراكز في إفريقيا لفحص طلبات اللجوء، وهي فكرة شكك حلفاء أوروبيون وأفارقة في فعاليتها.

ويرى القيادي في مجلس القبائل الليبية باقي العلي، في تصريحه لـ"سبوتنيك"، أمس الاثنين، إن إيطاليا وفرنسا أكثر دولتين تتضرران حاليًا بشكل مباشر من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، للمهاجرين العرب والأفارقة عبر ليبيا، حيث تشير إحصائيات دولية إلى أنه بحلول عام 2014، ارتفعت أعداد المهاجرين من السواحل الليبية إلى إيطاليا، ليصل إلى أكثر من 600 ألف لاجئ ومهاجر سنويا.

وأضاف "تعمل إيطاليا على وقف وصول المهاجرين إلى ليبيا، من خلال ضبط حدودها الجنوبية بالتعاون مع دول من بينها النيجر وتشاد ومالي، التي يعبرها المهاجرون في طريقهم إلى البحر المتوسط، وبالتالي فإن قمة اليوم في فرنسا في حضور قيادات دول تشاد والنيجر وليبيا، قد تتوصل إلى حل حقيقي يخدم تقليص الظاهرة، ولكنه سيكون مرتفع التكاليف بالنسبة لدول أوروبا، التي أعلنت استعدادها دفع أي مبالغ في مقابل وقف طرق حدودها بشكل غير شرعي".

ويوضح العلي، أنه سبق أن أعلنت ألمانيا معارضتها لإنشاء مخيمات للاجئين في ليبيا، خاصة بعد توقيع اتفاق بين الحكومة الليبية برئاسة فايز السراج وإيطاليا بدعم من الأمم المتحدة، في فبراير، حيث أعلن وزير الخارجية الألماني زيغمار غابريال أن بلاده لن تؤيد مشروعًا لإنشاء مخيمات في ليبيا لاستضافة المهاجرين، الذين يحاولون الوصول للدول الأوروبية، إذ إن المهاجرين يعيشون في ظروف بالغة الصعوبة بمراكز الإيواء، ومن ثم فإن بناء مخيمات أخرى لن يكون حلا.

وتابع "ليبيا في مقدمة الدول المصدرة للمهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا، انطلاقا من الضفة الأخرى لحوض البحر الأبيض المتوسط، بفعل حالة الفوضى، وفى الأثناء تريد الحكومات الأوروبية وقف تدفق المهاجرين والقضاء على المهربين، كما أن ليبيا تمثل مطمعًا لدول أوروبا التي تسعى لدعم مصالحها، وبالتالي فإن حل الأزمة يحتاج إلى جهد جاد ومشاركة من الجميع، ولكن الحديث عن مراكز اللاجئين وحدها لن يكون حلًا عمليًا".

بعض التقارير، ومن بينها ما نشرته صحيفة "دير شبيجل" الألمانية، نقلت عن دبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي، بعد زيارتهم لمخيم للاجئين في ليبيا، قولهم "الظروف تتطابق مع التوقعات.. وضع بائس، على مستوى الشعور والنظافة والحيز: غير مناسب لإيواء أكثر من 1000 مهاجر في معتقل". ومضى التقرير الذي حمل عنوان "الاتحاد الأوروبي مقيد" ليشير إلى أن الظروف المعيشية "بائسة" وأن "العيادة الطبية الصغيرة في وضع مزر".

ووثق دبلوماسيو الاتحاد الأوروبي، حسب الصحيفة، مقابلات أجروها مع لاجئين في مركز احتجاز "طريق السكة" في طرابلس، وقد أمضى العديد منهم شهورًا خلف القضبان وما يزال بعضهم قيد الاحتجاز منذ أكثر من عام. وتحدث المهاجرون عن الاستغلال الذي تعرضوا له أثناء رحلتهم إلى شمال إفريقيا، حيث فقد العديد منهم أمواله وهاتفه وجواز سفره. وبلغة بيروقراطية رصينة، يصف التقرير الحياة في المخيمات الليبية بأنها جحيم على الأرض.

وتتطابق الصورة التي نقلها المبعوثون الأوروبيون مع التجربة التي خاضها عديد ممن يقدمون المساعدات للاجئين. وقد ذهب دبلوماسيون ألمان إلى حد تشبيه الظروف في المرافق الليبية بمعسكرات الاعتقال النازية.

وحسب التقرير نفسه، فقد عبر البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا أكثر من 94.000 مهاجر ولاجئ هذا العام، وفقد 2221 شخصًا على الأقل أرواحهم في المحاولة، ويزيد ذلك قليلًا فقط عن عدد اللاجئين الذين وصلوا خلال الفترة نفسها من العام الماضي، لكن لدى إيطاليا ما فيه الكفاية مسبقًا.

ويتكون 90% من أولئك الذين يصلون إيطاليا من المهاجرين الاقتصاديين، ولديهم فرصة قليلة في أن يتم منحهم اللجوء أو الاعتراف بهم كلاجئين، وتشكل هذه المكانة شرطًا مسبقًا لتوزيعهم على بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى. ومع ذلك، يظل المهاجرون الاقتصاديون مسؤولية إيطاليا وحدها، حيث تكون روما مسؤولة عن تزويدهم بالغذاء والمأوى والتعامل مع طلبات اللجوء الخاصة بهم.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً