تذاكر العيد بـ"طلوع الروح".. مغامرة "أهل مصر" للبحث عن تذكرة قطار في السوق السوداء "المصلحجية" كلمة السر.. وكشك بجوار المحطة يبيعها "عينى عينك".. ورئيس الهيئة: كاذبون!!

"انتبه.. فتش عن جيوبك، وارتعد خوفًا من أن تلحق بك السرقات".. فأنت فى محطة السكك الحديدية الأقدم والأعرق فى العالم.. "محطة مصر"، حيث يتوافد الركاب مهرولين يوميًا للحاق بقطاراتهم، للسعى وراء الرزق أو التقاط الأنفاس فى إجازة قصيرة مع الأهل، هنا دارت رحى معارك كثيرة بين "جيوب" المواطنين الفقراء غالبًا، و"النشالين" من أصحاب الأيدى الخفيفة، والتى عادةً ما تنتهى بحصول النشّال على جائزته والتقاط ما بجيب المواطن.

- رحلة فى المحطة

ومع تقدم الوضع الأمنى فى محيط محطة مصر وداخلها، والسيطرة على لصوص الجيوب وتراجع السرقات بشكل ملفت، ظهرت آيادٍ أبت إلا أن تظل السرقات قائمة، وأن يبقى نزيف المواطن مستمرًا بسبب الحاجة، فكانت السوق السوداء لتذاكر قطارات هيئة سكك حديد مصر، والتى تسعى الهيئة إلى السيطرة عليها، من خلال حملات قادتها فى الأشهر الماضية، وأفكار تسعى جاهدة إلى استحداثها، للقضاء على تلك السوق المؤرقة للمواطن، وكانت آخرها تفكير الهيئة فى طباعة الرقم القومى للراكب على التذاكر ضمن بياناتها الأساسية، بدلاً من المتبع حاليًا من تسجيله فى سجلات دفترية بالأعياد فقط، كما تدرس تعديل برنامج الحجز فى المحطات، ليسمح بإدخال الرقم القومى للركاب ضمن بيانات التذكرة الأساسية، وتدرس شركة تكنولوجيا معلومات النقل التابعة للهيئة أيضًا، طرح تطبيق على المحمول يشمل حجز التذاكر ومراجعة جميع الأنشطة الخاصة بالهيئة من خلاله، ورغم كل تلك الجهود التى تعلن عنها الهيئة مرارًا، فإن السوق السوداء لم تنته فعليًا مثلما أشيع، وفقًا لما رأينا فى جولتنا الميدانية، وحسب شهادات ركاب ما زالوا يعانون من مشكلة نقص التذاكر والسوق السوداء.

- تذكرة يا بيه

"أهل مصر" انطلقت فى جولة ميدانية داخل "شبابيك" الحجز بأكثر من محطة قطار، لتلمس على أرض الواقع حقيقة الوضع.

بمجرد دخولنا إلى محطة مصر، تقدمنا إلى شباك حجز التذاكر، نستفسر عن تذاكر القطار الإسبانى "القاهرة- مطروح"، لم نجد أية تذاكر، صارحنا موظف الحجز المسؤول بأنها قد انتهت، وأنه من الأفضل أن يكون الحجز مبكرًا، وقبل السفر بمدة كافية - عشرة أيام على الأقل - فعُدنا إلى الموظف الذى يقف خلف البوابة الحديدية التى يعبر المارة من خلالها إلى الرصيف، استفسرنا عن إمكانية حجز تذاكر للضرورة، فالرحلة مهمة ويجب أن تتم اليوم أو غدٍ على وجه السرعة، لم نتمكن فى البداية من التقاط أى أطراف خيط تقودنا نحو "بيع غير مشروع"، انتظرنا كثيرًا بالقرب من الحواجز الحديدية، وبعد مدة تزيد على الساعة تقدم نحونا أحد الموظفين، ليستفسر عن وقفتنا الطويلة تلك، فأجبناه: "عاوزين تذاكر"، أخذنا جانبًا وهمس فى آذاننا: "أستطيع تدبير تذكرة واحدة، لكن بسعر أعلى من المعلن"، هنا تنفسنا الصعداء فمهمتنا باتت أسهل، وتردد داخلنا صوت عال يهتف: "ما زالت هناك سوق سوداء".

تفاوضنا مع الرجل الذى منحنا التذكرة بمبلغ ستين جنيهًا، والتى تثمن من شباك التذاكر بـمبلغ ثمانية وثلاثين جنيهًا فقط ، وخرجنا ونحن نضرب كفًا بكف، متسائلين: هل هذه مجرد حالة فردية فقط؟، لكن الإجابة أتت بأسرع ما يمكن، حينما قابلنا المواطن عادل محمد، والذى أفاد بأنه حصل على تذكرة إلى طنطا منذ قليل بسعر أعلى من قيمتها بعشرة جنيهات، لعدم وجود حجز بالشباك، ووصف المواطن كيفية حصوله على التذكرة: "توجهت إلى الشباك ولم أجد تذاكر متاحة، وكان المكان مزدحمًا، ومن حُسن حظى فإنى وجدت رجلًا ينادى على التذاكر بالقرب من شباك التذاكر بخطوات، ولم يعترضه أحد، وليس موظفًا تابعًا للهيئة، فلا يرتدى ملابسهم المخصصة، وابتاعنى التذكرة على الفور، ثم مضى لبيع ما تبقى معه من تذاكر، أما عن الأمن فلا أحد يعترضه".

- كشك الحظ

بتكرار التجربة فى محطة قطارات الجيزة، وجدنا أن هناك "كشك" صغيرًا أمام المحطة يبتاع منه المواطنون التذاكر بإيعاز من موظفى الحجز، الذين يبررون دومًا فعلتهم بعدم توافرها فى الشبابيك المختصة.

ومع البحث، قابلنا موظف تابع للهيئة - رفض ذكر اسمه خوفًا من المساءلة-، والذى قال: "لن يتم القضاء على فساد المنظومة بسهولة، تحتاج سنوات لذلك، فكل وزير يُعين يلغى قرارته سابقيه ويعمل من جديد، والسلبيات أكثر من الإيجابيات، لابد أن نكون واقعيين، فمؤسسات الدولة تعانى من الفساد المتأصل فى قطاعاتها المختلفة".

وأضاف أن السوق السوداء لتذاكر القطارات، تبدأ من الموظفين داخل شبابيك الحجز، وهناك شباك يعرف بـ"المصلحجية" ويقدُم إليه موظف السكة الحديد بكارنيه يعرف فيما بينهم باسم "الميدالية" ويحق له من خلاله الحصول على خصومات، مكملًا: "هنا تكمن اللعبة، يشترى الموظف التذاكر بخصومات، ثم يبيعها بالاتفاق مع أحدهم بأسعار تقارب ضعف ثمنها".

فيما قال عمر عبدالرحمن، موظف: إنه معتاد على السفر بالقطار دومًا، وفى أوقات الأعياد والعطلات وما قبلها لا يجد تذاكر للسفر من القاهرة إلى سوهاج، فيضطر إلى اللجوء للسوق السوداء، ويشترى تذكرة الدرجة الأولى بأعلى من ثمنها، مضيفًا: "المشكلة ليست فى السوق السوداء فقط، بل فى الركاب الذين يلحقون بعربة الدرجة الأولى ويفترشون الطرقات وكأننا فى أتوبيس نقل عام".

بمجرد سؤالنا للمواطنين، توالت الشهادات التى تؤكد أن السوق السوداء لم تنته بعد، حسبما صرح المسؤولون عن القطاع، فهاتفنا اللواء مدحت شوشة –رئيس الهيئة القومية لسكك حديد مصر- للرد على ما ورد بالتحقيق، وكانت إجابته: "لا توجد سوق سوداء".

وأضاف أن المواطنين ممن قابلناهم فى التحقيق "مُدّعون وكاذبون"، وأن المسألة تتلخص فى عدم حصولهم على التذاكر نتيجة الزحام، وانتهاء المعروض وخوفهم من السفر من خلال أتوبيسات النقل العام أو "السوبر جيت"، والذى يكلفهم أضعاف التذكرة أربع مرات على الأقل، مشيرًا إلى أن سعر تذكرة قطار مرسى مطروح على سبيل المثال 38 جنيهًا، وأن الهيئة تُسيّر قطارات يومية إليها، ونفى وجود مثل تلك المشكلات نهائيًا منذ عيد الأضحى السابق.

وهنا يكمن التساؤل: هل ما شاهدناه على أرض الواقع كان محض صدفة أو خيال، لينفى رئيس الهيئة الأمر نهائيًا؟ أم أن التقارير التى تصل إليه مضللة بشكل كبيرة؟.

نقلا عن العدد الورقي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
بعد أوامر اعتقال نتنياهو وجالانت.. هذه الدول لا يسري عليها قرار الجنائية الدولية