مجمع "البحوث الإسلامية" يوضح حكم نبش القبور

أوضح مجمع البحوث الإسلامية، حكم نقل الميت من المقبرة التي دفن بها إلى مقبرة أخرى، بقوله: "لا يجوز نبش القبور".

وأضاف المجمع في تدوينة له على موقع التواصل الإجتماعي "الفيس بوك": "السنة أن يدفن كل ميت في قبر مستقل، لا يشاركه فيه غيره إلا لضرورة، لا يجوز دفن الرجال مع النساء إلا لضرورة، وحرمة المسلم ميتًا كحرمته حيًا، ولا يجوز نبش قبر الميت إلا لضرورة شرعية، ولا يجوز نقل الميت من قبره إلا لضرورة.

واوضح أن التفصيل: فإن من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن يدفن كل ميت في قبر مستقل، لا يدفن معه غيره فيه، فقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله أصحابه من بعده.

فإن ضاقت المقبرة عن استيعاب الموتى، أو لا توجد الأراضي الكافية للدفن فيها، كما هو الحال في غالب بلدنا )مصر(، أو لم يوجد من يحفر القبور جاز دفن أكثر من ميت في قبر واحد مراعاة لحالة الضرورة ؛لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا عند دفن شهداء المسلمين يوم غزوة أحد، فقد قال لأصحابه لما شكوا إليه:« احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَاجْعَلُوا الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ فِى الْقَبْرِ » رواه أبو داود.

و أما دفن الرجل والمرأة في قبر واحد فلا يجوز إلا لضرورة على القول الراجح. قال الإمام الشافعي رحمه الله:" وَلاَ أُحِبُّ أَنْ تُدْفَنَ الْمَرْأَةُ مَعَ الرَّجُلِ عَلَى حَالٍ، وَإِنْ كَانَتْ ضَرُورَةٌ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى غَيْرِهَا كَانَ الرَّجُلُ أَمَامَهَا، وَهِيَ خَلْفَهُ، وَيُجْعَلُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الْقَبْرِ حَاجِزٌ مِنْ تُرَابٍ".

و قال ابن حجر في فتح الباري:" روى عبد الرزاق بإسناد حسن عن واثلة بن الأسقع أنه كان يدفن الرجل والمرأة في القبر الواحد فيقدم الرجل ويجعل المرأة وراءه، وكأنه كان يجعل بينهما حائلا من تراب ولا سيما إن كانا أجنبيين". فإذا دفنت المرأة مع الرجال في قبر واحد فيجعل بينهما حاجز من تراب.

وقد حرمت الشريعة أي امتهان لكرامة الميت أو التعامل معه بطريقة غير لائقة، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا». فلا يجوز التعامل مع الميت بأي طريقة غير ملائمة، أو الاعتداء عليه.

وإذا كان الأمر كذلك، فإذا دفن الميت فلا يجوز نبش قبره أو فتحه عليه، وإخراجه منه، فهو بيته وسكنه ومستقره، إلا لضرورة شرعية توجب ذلك.

وقد مثل فقهاء الحنفية لهذه الضرورة بما إذا دفن في أرض مغصوبة أو أخذت بالشفعة أو وقع في القبر مال أو دفن مع الميت مال ولو كان قليلًا.

ومثل فقهاء المالكية لهذه الضرورة بضِيقِ القبر الْجَامِعِ، أَوْ دفن آخَر مَعَهُ عِنْدَ الضِّيقِ أَوْ كَانَ الْقَبْرُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَأَرَادَ إخْرَاجَهُ مِنْهُ أَوْ كُفِّنَ بِمَالِ الْغَيْرِ بِلَا إذْنِهِ وَأَرَادَ رَبُّهُ أَخْذَهُ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ، أَوْ دُفِنَ مَعَهُ مَالٌ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ غَيْرِه.

ومثل الشافعية لهذه الضرورة بما إذا دفن الميت لغير القبلة أو بلا غسل على الصحيح فيهما أو بلا كفن أو في كفن مغصوب أو حرير أو أرض مغصوبة أو ابتلع جوهرة أو وقع في القبر مال.

ومثل الحنابلة لهذه الضرورة بنبش القبر الموجود داخل مسجد أو المدفون في ملك الغير أو وقع في القبر مال له قيمة.

وأما نقل الميت من قبره الذي دفن فيه فقد اختلف فيه الفقهاء:

- فقد ذهب الحنفية والشافعية إلى عدم جواز ذلك إلا لضرورة كدفنه في أرض مغصوبة، أو أن تؤخذ الأرض بالشفعة، واستدلوا على منع النقل بان فيه انتهاكًا لحرمة الميت.

قالوا: وَلِذَا لَمْ يُحَوَّلْ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَدْ دُفِنُوا بِأَرْضِ الْحَرْبِ إذْ لا عُذْرَ.[ فتح القدير ج2 ص140].

- وذهب المالكية إلى جواز نقل الميت بعد دفنه بشروط ثلاثة: ألا ينفجر حال نقله، وألا تنتهك حرمته، وأن يكون لمصلحة، كأن يخاف عليه أن يغرق البحر قبره أو يأكله السبع، أو ترجى بركة الموضع المنقول إليه، أو ليدفن بين أهله، أو لأجل قرب زيارة أهله.

- وذهب الحنابلة إلى جواز نقل الميت إلى بقعة أحسن من البقعة التي دفن بها، كأن يكون مدفونًا مع غيره فينقل ليدفن منفردًا.

و قد استدل المالكية والحنابلة بما رواه البخاري عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «دُفِنَ مَعَ أَبِي رَجُلٌ، فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَخْرَجْتُهُ، فَجَعَلْتُهُ فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ».

و في رواية: فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِي قَبْرٍ، ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الآخَرِ، فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً غَيْرَ أُذُنِهِ» رواهما البخاري.

و يظهر مما تقدم أن الفقهاء لا يبيحون نقل الميت إذا ترتب على نقله إهانة له أو اعتداء على حرمته، أو لم يكن النقل لغرض معقول ومبرر قوي، سواء كان هذا الغرض من النقل لمصلحة الميت أو لمصلحة الحي.

فمصلحة الميت تقتضي أن ينقل لو تهدم القبر أو كاد، أو وصل إليه الماء أو كان مدفونًا مع غيره فينقل ليدفن وحده في قبر مستقل كما فعل سيدنا جابر مع أبيه.

و مصلحة الحي في نقل الميت أن يكون الميت بين أهله أو أن يكون قريبًا منهم لزيارته.

لكن لا يجوز النقل لو لم يكن الغرض منه مستساغًا كأن ينقل من مقبرة جماعية في البلد إلى مقبرة جماعية أخرى في نفس البلد، إذ لا مبرر معقول من وراء هذا النقل.

و تــــرى اللجنة الأخذ بمـــذهب المالكية وفــق الضــوابط والشــروط التي وضــعـــوها ؛ وذلك تيسيرًا على الناس ورفقًا بهم.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً