نسمع يوميًا عما يعانيه مسلمو الروهينجا من قتل وتعذيب واغتصاب، وعن فرارهم من ميانمار في قوارب الموت، محاولين الهروب من الجحيم، متجهين إلى دول ترفض استقبالهم من الأساس.
ويعد مسلمو الروهينجا من الأكثر اضطهادًا في العالم، يعيشون في دولة ميانمار المعروفة سابقًا باسم بورما وقد اندلعت موجة العنف تجاههم من جانب قوات الأمن خلال الأيام الماضية؛ ما أدى إلى فرار 123 ألفًا منهم نحو بنجلاديش، بحسب بيانات الأمم المتحدة.
وتُظهِر الصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية وصور منظمات حقوق الإنسان قرى بأكملها أُحرِقت وهُدِم كل ما بها من منازل من جانب قوات الأمن التابعة للدولة، كيف وصل الأمر إلى هذه المرحلة، وما هو الوضع الحالي؟
-مسلمو الروهينجا
هم أقلية عرقية مسلمة تعيش في ميانمار منذ قرون، ويصل تعدادهم حاليًا إلى أكثر من مليون نسمة، يعيش أغلبهم في مناطق الساحل الغربي للبلاد، وتحديدًا في ولاية راخين، إذ يمثلون حوالي ثلث سكان هذه المنطقة، يتحدث الروهينجا لغة خاصة بهم، ولا تعترف بها الدولة.
هناك دائمًا صراعات دائمة بين الروهينجا وبين قوات الأمن وبين مجموعات عرقية أخرى من البوذيين في ولاية راخين، يتصدى لها دائمًا مجموعات مسلحة من الروهينجا.
وصل الأمر أيضًا إلى قيام الرهبان البوذيين بالتحريض على أعمال العنف بحق الروهينجا، والدعوة لمقاطعتهم بالكامل خلال الاشتباكات الدامية في 2012.
نتيجة لأعمال العنف، فر عدد كبير من الروهينجا ليعيشوا كلاجئين في بعض الدول المجاورة، أبرزها بنجلاديش، حيث يحاولون كسب قوتهم كعمالة غير شرعية، على الأغلب في الأعمال التي تتطلب مجهودًا بدنيًا شاقًا.
-رفض ميانمار الاعتراف بهم
ترفض حكومة ميانمار الاعتراف بالروهينجا باعتبارهم مواطنين، وتزعم أن أصولهم تنحدر من بنجلاديش.
واجهت الحكومة من قبل اتهامات بالتطهير العرقي من جانب الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بسبب سياستها التعسفية بحق الروهينجا.
في المقابل، تعد أزمة الروهينجا أكثر تعقيدًا مما تزعم حكومة ميانمار؛ نظرًا لتاريخهم الطويل والممتد في البلاد.
تقول الرواية الرسمية للدولة إن الروهينجا هم بالأساس مزارعين من بنجلاديش، جاءوا إلى ميانمار بأعداد كبيرة خلال فترة الحكم البريطاني من 1824 وحتي 1948، في الوقت الذي كانت فيه ميانمار جزءًا من الهند تحت إدارة بريطانية، أُرسِل الروهينجا إلى تلك المنطقة كعمال، فيما اعتبرته بريطانيا كهجرة داخلية.
في المقابل، يقول الكثير من الروهينجا أنهم أحفاد التجار المسلمين، ممن يعود تاريخهم في المنطقة إلى القرن التاسع الميلادي، كما أنهم على الأرجح ينتسبون لمزيج عرقي مختلف، وليس كما تزعم حكومة ميانمار.
ومع استقلال ميانمار عام 1948، سمِح للروهينجا بالتقدم للحصول على بطاقات شخصية، وهو ما منحهم بعض الحقوق، بل وخدم بعضهم كأعضاء في البرلمان.
ولكن بعض الانقلاب العسكري عام 1962، فقد الروهينجا تلك الحقوق، وتمت معاملتهم كأجانب، وحصلوا على بطاقات هوية مختلفة خاصة بالأجانب.
عام 1982، صدر قانون خاص يسمح للروهينجا بالتقدم لطلب الجنسية في حال تحدثهم لغة رسمية مُعترف بها من قبل الدولة، وما إذا كان بإمكانهم إثبات وجود عائلتهم في البلاد قبل الاستقلال، إلا أن أغلبهم لم يتمكن من الحصول على الجنسية بسبب صعوبة الحصول على أوراق من الدولة تثبت جذورهم، وهو ما أبقاهم بلا جنسية أيضًا.
-حياة الروهينجا في ميانمار
يواجه مسلمو الروهينجا عمليات القمع منذ سبعينات القرن الماضي، إلا أنها اشتدت منذ عام 2011 بعدما انتقلت البلاد من الحكم العسكري إلى حكم مدني،كانت هناك الكثير من الآمال في ذلك الوقت بتحسب الوضع، إلا أنه أصبح أكثر وحشية وقمعية من الحكم العسكري، ومازالت الحكومة ترفض الاعتراف بهم أيضًا.
حاليًا، لا يحصل الروهينجا على الخدمات أو الموارد ذاتها التي يحصل عليها البوذيون، كما لا يمكنهم مغادرة ولاية راخين التي يعيشون بها دون إذن من الحكومة.
يعيش أغلب الروهينجا في مخيمات فقيرة في ولاية راخين، في حين يعيش البعض الآخر في مستوطنات للنازحين في ولايات أخرى بعد فرارهم من العنف في راخين.
-رأي بنجلاديش في الأزمة
لا تعتبر بنجلاديش أن الروهينجا تابعين لها، هناك تقديرات مختلفة لأعداد الروهينجا في البلاد، إلا أنهم على الأغلب يقدرون بمئات الآلاف، وتشير تقديرات منظمة العفو الدولة إلى وجود نصف مليون من الروهينجا في بنجلاديش دون أوراق رسمية.
تسمح بنجلاديش في بعض الأحيان للروهينجا أن يعيشوا في مخيمات على حدودها، ولكن أحيانًا أيضًا ترسلهم من جديد إلى ميانمار.
أولئك الذين يظلون في بنجلاديش يعملون كمهاجرين غير شرعيين، وهو ما يعني بالتبعية حياة فقيرة، دون أي حق في التعليم أو في وظيفة رسمية.
لا ترحب دول آسيا الأخرى بالروهينجا أيضًا، في 2015، حاولت مجموعات من الروهينجا الانتقال بحرًا إلى دول أخرى في جنوب شرق آسيا، مثل تايلاند وماليزيا وإندونيسيا، إلا أن تلك الدول رفضت دخولهم وأرسلتهم مرارًا وتكرارًا بين بعضهم البعض، بل طلبت إندونيسيا من صياديها التوقف عن إنقاذهم.
على الرغم من ذلك، أظهر الإندونيسيون تضامنًا كبيرًا مع الروهينجا، كما خروجوا في أكثر من مناسبة في مظاهرات حاشدة دعمًا لهم؛ إذ تُعد إندونيسيا أكبر دولة ذات أغلبية مسلمة في العالم، وهو ما جعل لقضية الروهينجا صدىً كبيرًا هناك.
-دور أونج سان سو تشي الحاصلة على جائزة نوبل
تُعد سان سو تشي الحاصلة على جائزة نوبل للسلام بطلة قومية في البلاد، كما تعتبر ممثلة حكومتها المدنية، وتواجه حاليًا انتقادات دولية شديدة بعد فشلها في دعم الروهينجا، بل طالب البعض بتجريدها من جائزة نوبل.
ورفضت سو تشي الاتهامات بانتهاك حقوق الإنسان في بلادها بشكل متكرر، كما أنكرت في لقاء تلفزيوني في أبريل الماضي وقوع أي تطهير عرقي بحق المسلمين في ميانمار.
يقول بعض المحللين أن سو تشي تخشى فقدان شعبيتها في حال دعمها للروهينجا، والذي قد يؤدي بالتبعية إلى خسارة منصبها.
وتلقت سو تشي دعوات كثيرة من شخصيات بارزة عالميًا، من بينهم ملالا يوسفزي، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام أيضًا، تطالبها بإدانة عمليات العنف في بلادها، دون أي تحرك يذكر حتى الآن.