تحمل كل فتاة منهن قصة، قد تطول أو تقصر، ولكن في نهاية الأمر، يتفقن الفتيات على هدف واحد، وهو الحصول على عمل جيد، لجني مصاريف الزواج، ولم يجدوا عملًا إلا الوقوف في عربات المترو، لبيع البضائع المختلفة، الأمر الذي يعرضهن إلى العديد من المواقف الصعبة.وتستعرض "أهل مصر" في التقرير التالي، رأي عدد من بائعات المترو يحاولون الحصول على مصاريف الزواج..تقف "مي" التي رفضت الإفصاح عن اسمها الحقيقي، وسط عربة مليئة بالسيدات في مترو الخط الأول "مرج - حلوان"، تنادي بأعلى صوتها، متنمية أن تشتري منها الفتيات، في كل مرة تبيع فيها السلعة التي تتلخص في "أدوات تجميل" التي تشتريها من شركات تحمل ماركات عالمية تقترب من تحقيق حلم الزواج، وتروي مي: "أنا للأسف والدي ميت، وعايشة مع أمي وأخويا الصغير، بصرف عليهم وبجهز نفسي بالي ربنا يرزقني بيه".- "ببيع بسعر قليل عشان أجهز نفسي":"أنا بدفع فلوس على لبسي عشان يليق بالمكياج اللي ببيعه، والحمد لله أيام بكسب كويس وأيام لا"، قالت مي تلك الكلمات التي وصفت بها ما تتكبده للظهور بمظهر يليق بأدوات التجميل التي تسوق لها في المترو.وقفت "مي" تيبع "قلم روج" بسعر 30 جنيهًا، لترد عليها "الزبونة" التي تبلغ من العمر 20 عامًا: "غالي أوي أنا هاخده بنص سعره"، فتقول البائعة ذات الكعب العالي ورائحة العطر النفاذة: "والله يا آنسة أنا ببيع بسعر قليل وبجهز نفسي، لو عجبك اشتري ولو لا سبيني من غير ما تعلقي على سعر البضاعة".- "الفلوس مش هتكفي غير الأكل":نظرة أنكسار ودموع حبيسة ظهرت على "مي" بعد أن خرجت من عربة المترو دون أن تبيع شيء، تهوى جسدها المرهق على كرسي في إحدى المحطات، وأخرجت من جيب بنطالها أموال لتعرف ما ربحت خلال ساعات عملها في اليوم، ولكن يبدو أن الأموال لن تكون كافية إلا لشراء طعام، وتقول: "الفلوس اللي كسبتها مش هتكفي النهاردة غير أكل أمي وأخويا، الحمد لله، أن شاء الله ربنا هيكرمني في يوم تاني".- تخفيض السعر لجذب "الزبون":في عربة أخرى تقف "رباب" التي جرى بها قطار العمر إلى أن وصل لمحطة الثلاثين، دون زواج لعدم قدرتها على شراء مستلزمات الزواج، فوالدها لم يعد يعمل بسبب مرضه، ووالدتها تعمل عاملة نظافة في إحدى مدارس "المعادي"، ممسكة بشنطة كبيرة بداخلها "أدوات مدرسية"، تحاول أن تقنع ركاب المترو من السيدات أن تشتري منها لأطفالهم، معتمدة على تخفيض سعر الأدوات المدرسية مقارنة بالأسعار الخارجية، كطريقة لجذب "الزبون".- "مفيش حد حاسس بظروفنا":"الزبون بيطلع عيني لحد ما بيشتري، ومش حاسين بظروفنا في البيت ولا بيفكروا أحنا بنبهدل نفسنا في المترو كل يوم ليه!؟" لم تكن رباب لديها متسع من الوقت تقضيه في سرد قصة حياتها، فالأهم لديها في تلك اللحظة هو العثور على "زبون" لجني تكاليف الزواج، الذي توقفت ترتيباته منذ عام، لعدم وجود أموال كافية مع والدها.- شبح العنوسة:بدأ أشعة الشمس في الانسحاب، لتعم ظلمة الليل، في الوقت الذي تحارب فيه "سهام" شبح العنوسة الذي اقترن باسمها منذ عدة أشهر، لعدم قدرتها على تجهيز نفسها، فتركها حبيبها لعدم قدرته على الانتظار، دخلت في نوبة من البكاء لشدة اشتياقها لحبيبها، ولهذا قررت أن تبحث عن عمل مربح، فبحثت على الأنترنت، عن وظيفة، ونظرًا لأنها لم تكمل تعليمها الجامعي، لم تجد أمامها إلا الدخول لعالم التجارة في المترو كما أطلقت عليه، تقول: "نزلت وسألت البائعات عن أماكن شراء البضاعة، إلى أن عرفت كل شئ عن تلك المهنة، بدأت العمل بالفعل"."الصبح بشتغل في بوتيك وقرب المغرب كده بنزل الشغل في المترو، لكن الشغل فيه بهدلة وألفاظ ربنا يسترها على كل البنات اللي بتبيع في المترو"، كان ذلك ملخصًا لعمل سهام في المترو وما تتعرض له من الزبائن داخل عربات المترو.- موقف صعب:في إحدى الأيام الباردة في الشتاء الماضي، قررت "سهام" أن تباشر عملها، فاليوم الذي تمتنع فيه عن العمل، تخسر كثيرًا، ولكن تلك الليلة سقطت أمطار غزيرة على شوارع القاهرة، وبعد أن أنهت عملها في المترو، لم تجد وسيلة مواصلات للمنطقة الشعبية التي تقطن بها، وأثناء وقوفها دب الخوف داخلها من تعرضها لمكروه، وظلت تدعو الله أن تجسد وسيلة مواصلات إلى أن وجدت، فتقول وهي لا ترغب في تذكر ليلة كهذه: "الليلة ده كانت صعبة أوي الدنيا مطرة ومفيش مواصلات وبنت لوحدها في وقت متأخر موقف وحش، بس الحمد لله ربنا سترها، يارب مفيش بنت تتعرض للي أنا بشوفه عشان أجهز نفسي وأتجوز".- "بعتمد على خفة الدم":"الرزق يحب الخفية" ذلك المثل الذي اعتاد المصريين على قوله عند البحث عن عمل، هو الحكمة التي تتبعها "ليلي" التي تمتعت بالجرأة لذكر أسمها دون تردد أو خوف، وهي فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها، تتمتع بجسد متناسق وابتسامة صافية، هي السبب في إنجذاب الناس لها، وذلك على حد قولها: "أنا ببيع كل يوم في المترو ماعدا الجمعة، في الأيام التانية بقي بعتمد أن يكون دمي خفيف واهزر مع الزباين عشان يشتروا مني".تقف "ليلي" في عربة المترو التي تتأرجح بخفة، متمسكة بأحد الأعمدة؛ خوفًا من السقوط، فالمترو هو مكان عملها الوحيد، الذي يتلخص في صناعة "أكسسوارات"، وبيعها في المترو للفتيات، وتروي: "أنا بعمل الأكسسوارات بنفسي وببيعها بسعر رخيص عشان أعرف أجمع فلوس للجواز، أنا من منطقة شعبية ولازم اشتغل عشان أصرف على نفسي".
كتب : منار محمد