بين البيوت القديمة المتراصة بجانب بعضها البعض، تعلو ضحكات الأطفال في الطرقات، يحاولون أن يتمتعوا بطفولتهم التي سيفقدونها يومًا، ووسط تلك البيوت التي تتنوع بين الطول والقصر، توجد مدينة ملاهي صغيرة، ممتلئة بالأطفال، كل طفل بداخله حلم يتخيل أن يحققه، بينما يحاول أطفال نسيان ذلك الخيال الذي دائمًا يمتزج بمرارة حاضرهم.
من الوهلة الأولى تنجذب لمدينة الملاهي المصغرة التي يعلو منها أصوات الأغاني ممزوجة بضجيج الأطفال، فتجد أن تلك البقة من الأرض المتواجد عليها مجموعة من الألعاب، غريبة إلى حد كبير عن مظهر المنطقة الشعبية التي تقع بمحطة "عزبة النخل"، بما تحتويه من محلات متهالكة ووسائل مواصلات غير آمنة على سكان المنطقة.وفي إحدى أركان مدينة الملاهي المصغرة، التي تقع بين عمارة مكونة من 10 أدوار تطل على الباب الخاص بمحطة مترو عزبة النخل، بالخط الأول "المرج – حلوان"، ومحل عصير، يقف طفل في العاشرة من عمره، يظهر على وجهه علامات الحزن والعجز، يشاهد الأطفال وهم يلعبون سويًا، ويدفعون ثمنًا للتواجد في الملاهي، فمعظم تلك الألعاب مخفضة، لتتناسب مع مصروفات الأطفال في تلك المنطقة الفقيرة.
يظل "عامر" واقفًا قرابة النصف ساعة، يدور بذهنه العديد من السيناريوهات، فيتخيل نفسه يملك العديد من الأموال ويلهو داخل هذه المدينة المليئة بالألعاب، دون أن يوقفه أحد، ويغزو خياله حلمًا آخر، فيرسم صورة لنفسه في المستقبل البعيد، رجل طويل القامة يتمتع بقدر كبير من الوسامة، جيبوبه مليئة بالنقود التي تسمح له بالتمتع واللهو الذي فقده في الصغر بسبب الفقر.وعلى الأرجوحة يجلس طفل في الثالثة عشر من عمره، فقده أمه بعد أن ولد بعامين، ولعدم قدرة والده على رعايته، قرر أن يتزوج من أخرى، ويقول الطفل الذي يدعى "إبراهيم": "أنا مشوفتش ماما، لكن بابا قالي أنها كانت بتحبني، وهي عند ربنا لكن شيفاني".
ينزل إبراهيم من على الأرجوحة، ويتفحص مدينة الملاهي، ليقرر الانتقال إلى اللعبة التالي، فيجري سريعًا على شباك التذاكر الذي يقف عليه شاب في العقد الثالث من عمره، يحصل ثمن تلك الألعاب من الأطفال، يدفع إبراهيم ثمن تذكرة "القطار الدوار"، فلمعة عينيه عندما نظر إلى ذلك القطار عبرت عن أعجابه به.في لحظة قفز إبراهيم على الكرسي الخاص بالقطار، وقال: "ماما عبلة بتسبني كل يوم في الملاهي ده لحد لما بابا يرجع من الشغل، بتقولي أفضل في الشارع لحد لما أبوك يرجع أنا مش فاضية أخدمك، وبتديني فلوس".وعلى شباك التذاكر يقف أحمد، الطفل ذو العيون الزرقاء والشعر الأسود، الذي يظهر على وجهه مزيج غريب بين الشرق والغرب، يده ملطخة بالطين وبنطاله مقطوع من عدة زوايا، ولكن فرحته بالتواجد في الملاهي، لم تجعله ينتبه لنظرات الأطفال التي تحمل العديد من الأسئلة عن شكله وملابسه الرديئة المتسخة."أنا بشتغل في محل ميكانيكا والفلوس اللي بكسبه في المحل بلعب بيه، أهم حاجة أني مروحش البيت عشان أبويا بيضربنا كلنا لما بيكون متعصب".. كلمات صغيرة عبر بها أحمد ذو العيون الزرقاء عن الحياة المأسوية التي يعيشها يوميًا.