يقف كالحارس بجانب والدته، ليقوم بدور الأب لأخويه، مرتديًا ثيابًا تظهر عليها علامات البلاء من كثرة ارتداءها، غير مباليا بالمارة، مانحًا نظرة حانية لأخيه الأصغر سنًا، وهو يساعده في تنسيق ملابسه، ثم يتركه ويجلس وحيدًا منتظرًا أن يعجب أحد المارين أمامه بـ"الشباشب" التي يجلس بجانب الرصيف ليبيعها.
أحمد سمير طفل لم يتجاوز التاسعة بعد، يجلس على إحدى الأرصفة في الشوارع المجاورة لمترو "حدائق المعادي"، متخذًا من الرصيف منفذ بيع له، ليضع بعض "الشباشب" على جانبه الأيسر، ويحمل بعض الأحذية الأخرى ويضعها فوق كابينة الكهرباء على جانبه الأيمن، غير مهتم بمخاطر جلوسه بجوارها أو العبث ببضاعته بجانبها لتمر ساعات صباحه وهو منتظر رزقه.
يستقيظ "أحمد" في التاسعة حاملًا بضاعته، ويذهب إلى كشكه الصغير ورصيفه المعتاد، ثم يبدأ في التنسيق بين الأحذية وفرزها على الرصيف ليجلس وحيدًا منتظر أصدقاءه، ليأنس بهم بيد صغيرة لا تحتمل ارتداء ساعة صغيرة من ضيق الحال، فالوقت يمثله الأذان فحين يؤذن الظهر، يبدأ بصيص الأمل بالانتشار في قلبه، عندما يلمح ظل والدته وأخواته قادمًا من بعيد.. "بعد الضهر ماما بتيجي هي وأخواتي عشان تجهزلي الفطار".
"الإندومي".. هي وجبة الفطار الأساسية لـ"أحمد" وعائلته الصغيرة، وفق حديثه لـ"أهل مصر"، وهي الوجبة الوحيدة التي يتناولها أثناء فترة عمله التي تنتهي بغروب الشمس، وبالرغم من معاناته، يبدو سعيدًا، ويدرك جيدًا ما يجب عليه فعله.. "بشتغل عشان أساعد بابا الموظف عشان مش معاه فلوس كتير".
العمل الشاق الذي يقوم به "أحمد" لم يمنعه من التفكير في مستقبله، فهو طالب في الصف الثالث الابتدائي، وحريص على المذاكرة بقدر حرصه على العمل.. "بذاكر عشان أبقى كويس.. بس مش بعرف اتكلم إنجليزي"، عائلة أحمد الصغيرة مكونة من والده الذي يعمل موظفًا، ووالدته وثلاثة إخوة هو أكبرهم.