وصفت منظمة الصحة العالمية، مصر، منذ سنوات قليلة ماضية، بأنها من الدول صاحبة أعلى معدلات الإصابة بمرض التهاب الكبد الوبائي في العالم.
كان الدواء مكلفًا ولم يستطع المرضى توفيره، فمات الكثير منهم دون أن يحاولوا العلاج، كما أن الدولة لم تستطع توفيره لكل المرضى، فجاء العلاج لمن يستطيع الدفع فقط، إلا أنه وفي عام 2014، أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي، حملة قومية للقضاء على الفيروس، وهو ما مثل طوق النجاة لملايين من المصريين أصيبوا به، ولم تمر 3 سنوات على بدء الحملة، إلا وأصبحت المواقع والشاشات تعلن يوميًا عن معدلات جديدة في الشفاء، لتتخذ منظمة الصحة العالمية من مصر، رمزًا للصمود في علاج الفيروس القاتل.
وفي عام 2014، أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسي، حملته القومية، وبدأت الحكومة المصرية في استيراد عقاقير حديثة، بأسعار مخفضة يستطيع المواطن محدود الدخل استخدامها، وتم فتح باب التقدم لطلب العلاج، وكثير من المواطنين خلال السنوات الثلاث الماضية تم علاجهم على نفقة الدولة.
وفي أكتوبر الماضي، أعلن وزير الصحة الدكتور أحمد عماد الدين، أن قوائم الانتظار انتهت، في إشارة إلى قوائم المرضى الذين كانوا ينتظرون للحصول على دورهم في العلاج، وأعلن خلال احتفالية يوم الكبد المصري في أكتوبر، تدشين حملة لإجراء مسح طبي شامل لجميع السكان لتحديد المصابين بالمرض ومعالجتهم بهدف القضاء عليه نهائيا.
وأقيم حفل ضخم عند سفح الأهرامات، حضرته مارجريت تشان، مديرة منظمة الصحة العالمية، والتي أثنت على جهود مصر في محاربة الفيروس، مضيفة: "ما حققته مصر إنجاز كبير، وهذا النجاح دفع المنظمة، للعمل على نقل تجربة مصر إلى بلدان أخرى في العالم".
مراحل الحملة القومية للقضاء على فيروس "سي"
بدأت الحملة ببناء قاعدة بيانات لمرضى الفيروس ساعدت في تمكين الدولة والمريض من اتخاذ القرار المناسب للعلاج، ومن خلالها، استطاعت الجهات المسئولة معرفة عدد المصابين بالمرض بشكل حقيقى، ومكنت كل مريض من معرفة مكان علاجه، بمجرد دخولة بالاسم والرقم القومى على الموقع المخصص لها.
واستهدفت الحملة خلال الأشهر الماضية، 9 محافظات في الوجه القبلي والقاهرة، تركزت بهم الحالات، وتم عمل مسح شامل، للكشف عن الفيروس، انتهت بإعلان وزير الصحة الدكتور أحمد عماد الدين، الشهر الماضي، علاج مليون و130 ألف مواطن حتى الآن، بعد الانتهاء من إجراء مسح الفيروس لحوالى 3 ملايين و600 ألف مواطن، خلال الأشهر الماضية، ومن المستهدف الانتهاء من مسح حوالي 30 مليون مواطن فى نهاية يونيو 2018.
القصة الكاملة
حددت الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة، 30 يونيو 2014، موعدًا لبدء علاج مرضى فيروس "سي" بقيادة اللواء إبراهيم عبد العاطي، صاحب اختراع الجهاز المعروف شعبيًا باسم "جهاز الكفتة"، وسط جدل ساد شبكات التواصل الاجتماعية والبرامج تليفزيونية حول مدى قدرة الجهاز على العلاج من عدمه.
بدأ المرضى في التسجيل، ليتقدم آلاف المرضى لجهاز القوات المسلحة، ويبدأون في تلقي العلاج.
وفي 2014، أطلقت اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية، موقعها الإلكترونى الخاص بتسجيل بيانات مرضى فيروس سى، وخصصته لحجز مواعيد الفحوصات والكشف الطبي بمراكز المعهد القومي للكبد والأمراض المتوطنة، لحجز العقار "سوفالدي".
فشل في البداية
ومع تقدم أعداد كبيرة لنيل العلاج، والمعروف تجاريا باسم "سوفالدي"، والذي طرح بمبلغ 2200 جنيه في 2014، ظهرت آثار سلبية كثيرة له، ليذكر الدكتور جمال عصمت، عضو اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية، في تصريح له وقتها، أن العلاج بالعقار الأمريكي الجديد "سوفالدى" غير مُجد مع مرضى الفشل الكبدي، وأن نسبة 15% من المتقدمين للعلاج، هم من يصلح استخدام العقار معهم، مؤكدًا طرح أكثر من نوع من الأدوية لعلاج الفيروس، لاحقًا.
وفي 2015، ندر ايجاد "سوفالدي" في السوق، وارتفع سعره إلى15 ألف جنيهًا، وظهر في آواخر عام 2016 مضاعفات للمرضى الذي تناولوه وعاد لهم المرض من جديد.
وخلال رحلة العلاج، أعلنت اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية اعتماد الهيئة الأوروبية للأدوية، لعلاج جديد لفيروس "سى" يدعى "هارفونى"، وهو عبارة عن عقار مدمج من دوائين فى حبة واحدة، أحدهما "سوفالدي" الذي يتم تداوله في مصر مع عقار آخر يدعى "ليديباسفير"، وأن العقار الجديد لعلاج فيروس سى يتميز بأنه يمكنه القضاء على الفيروس خلال 3 أشهر فقط بنسبة تصل إلى 100٪ وبدون استخدام الأنتروفيرون، وتوالى على السوق أدوية أخرى اعتمدتها الصحة لعلاج الفيروس مثل: "كيوريفو، الدكلانزا، الأوليسيو"، وآخرها العقار "فوسيفي" ويحتوي على 3عقاقير،هم:"فوكسيلابريفير، فيلباتاسفير، سوفوسبوفير"، ويرى الخبراء أن العقار فعال وقوي ويقلل فترة العلاج إلى 8 أسابيع فقط.
خطة الوزارة
ظهرت الخطة القومية للمسح الطبي، وانقسمت لجزئين، الأول خاص بالفئات، وهم مرضى الأقسام الداخلية بجميع المستشفيات التابعة لوزارة الصحة والسكان، والعاملون بالقطاع الحكومى، وطلبة العام الجامعى الأول، والمترددين على بنوك الدم، والعاملين بالخارج، والمساجين، ويبلغ عدد الـ6 فئات 6 ملايين، والجزء الثاني شمل 9 محافظات هي: أسوان - الأقصر - قنا - أسيوط - سوهاج - المنيا - الفيوم - الجيزة - بنى سويف، واستهدف المحور الثانى 4 ملايين مواطن.
وحققت الخطة نجاحًا كبيرًا، لتصبح مصر الأولى على مستوى العالم فى علاجه، وتحوز التجربة المصرية إشادة دولية، من دول عدة، ومن منظمة الصحة العالمية، ويعلن وزير الصحة اليوم علاج مليون و300 ألف مواطن.
مراحل العلاجات المختلفة
استخدمت وزارة الصحة في رحلة مكافحة وعلاج فيروس سي، كثير من الأدوية والمنتجات العالمية والمحلية، والتي أثبت بعضها فاعليته في حين فشل البعض الآخر في علاج المرضى، وجاءت رحلة الأدوية المضادة للفيروس كالتالي:
- في 2006، بدأ بمنح المريض عقار الانترفيرون وحده لمدة عام كامل، لكن النتائج كانت ضعيفة جدا.
- اعتمد العلاج على الانترفيرون والرايبافيرن. وتراوحت نسبة الشفاء بين 30% و40% لكن العلاج كان مكلفا للغاية وله آثار جانبية كثيرة.
- في 2014، أدخلت مصر عقار السوفالدي بعد تعاقدها على استيراده بما يعادل 1% فقط من ثمنه في الخارج.
- استمرت هذه المرحلة حتى نهاية 2015. وتم علاج 188 ألف مريض،باستخدام العقاقير المستوردة.
- اتخذت القيادة السياسية بعد ذلك قرار إدخال المثيل المصري وتشريع الصناعة الوطنية لصناعة أدوية فيروس (سي) عن طريق المصانع المصرية، ما أدى إلى خفض تكلفة العلاج الذي يستغرق 3 أشهر من 10 آلاف و500 جنيه مصري إلى 1527 جنيها فقط.
- في 2016، تم الاعتماد علي عقاري السوفوسبوفير والداكلاتاسفير المصنعين محليا، وبلغت نسبة الشفاء بهما حوالي 96.5%.
وأصبحت مصر وبفضل النتائج المبهرة التي حققتها، وجهة للسياحة العلاجية، حيث يأتي من كل دول العالم، أشخاص يريدون العلاج في مصر، بسبب نسب العلاج العالية وانخفاض ثمن الرحلة العلاجية، حيث ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن مصر أصبحت وجهة عالمية للراغبين في الشفاء من فيروس التهاب الكبد "سي"، مشيرة إلى احتلال مصر الترتيب الأول في قائمة الدول التي ينتشر فيها فيروس الكبد "سي"، ويرجع ذلك إلى حملة تطعيم قومية واسعة أجريت في الخمسينيات باستخدام حقن غير معقمة، ثم أصبحت مصر الآن رمزًا للصمود في رحلة تحدي المرض وعلاجه.
وفي هذا السياق، قال الدكتور جمال شيحة رئيس مجلس أمناء مؤسسة الكبد المصرى، إن التجربة المصرية الرائدة فى علاج أكثر من مليون ونصف مريض خلال وقت قياسى، وأنهم نجحوا فى الانتهاء من 26 قرية حتى الآن وإعلانهم خاليين من فيروس "سى".
وأضاف شيحة أن رئيسة التحالف العالمى لمكافحة التهاب الكبد وصفت مصر بالدولة "البطلة" فى مكافحة فيروس سى عالميا، معتبرة البرنامج المصرى فى القضاء على فيروس سى نموذج يجب أن تتعلم منه الدول العظمى مثل الولايات المتحدة التى عالجت حوالى 280 ألف مريض فقط حتى الآن، فى مقابل مليون ونصف مريض عالجتهم مصر.
وأعلن الدكتور وحيد دوس رئيس اللجنة العليا لمكافحة الفيروسات الكبدية بوزارة الصحة، في وقت سابق، علاج 1.7 مليون مريض بالجمهورية من المصابين بفيروس سى، مشيرًا إلى صرف العلاج لأكثر من 90% على نفقة التأمين الصحي والعلاج على نفقة الدولة.
وأضاف "دوس" أنه يجري حاليا علاج جميع المصابين بفيروس سي من المنتكسين بالمجان، وأن التأمين الصحي و"العلاج على نفقة الدولة" يتحملون تكلفة العلاج.