ربما لا يخطر ببال الكثيرين منا أن يكون هناك مكان في العالم يدعى "خليج الخنازير"، وأن يكون هذا الجزء المنسي من العالم شاهدا على هزيمة ساحقة للقوات الأمريكية، وايضا ماردا أمام محاولة لقلب نظام الحكم فيه كانت بزعامة المخابرات الأمريكية، فبرغم أن الخليج كان يحمل إسم "باهيا دي كوشينوز"، ولكن أطلق عليه إسم "خليج الخنازير" بعد محاولة غزو فاشلة تزعمتها الولايات المتحدة الأمريكية لاسقاط النظام في "كوبا" الذي كان تحت رئاسة "فيدل كاسترو".
البدايةتُعتبر عملية الغزو التي تزعمتها الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الجزء من العالم جزءاً من "الحرب الباردة"، لأن الولايات المتحدة كانت تحاول منع إنتشار الشيوعية في أمريكا الشمالية والجنوبية على السواء، وكان الرئيس الكوبي فيدل كاسترو يقوم بتقديم المساعدة في قيادة الثورة الكوبية التي أسقطت حكومة كوبا في عام 1959. وكان فيدل كاسترو شيوعياً مُتحمساً للشيوعية وكان مُتحالفا ايضا مع "الاتحاد السوفيتي" في هذه التوقيت، مما تسبب في إثارة قلق الولايات المتحدة الأمريكية، لخوفها من أن يتسبب هذا الأمر في إنتشار الشيوعية وبالتالي دخول "الاتحاد السوفيتي" في الأمريكتين عن طريق انتشار الشيوعية وتابعيها.وكلفت الحكومة الأمريكية وكالة الاستخبارات المركزية CIA، بإسقاط حكومة "فيدل كاسترو" في "كوبا" بعد أن اصبح زعيما له شعبية كبيرة، وكان هناك الكثير من الأشخاص الكوبيين يطلق عليهم "المنفيين"، وهم الذين هربوا من البلاد عندما أصبح فيدل كاسترو هو الزعيم، واصبح التار بينهم وبين "كاسترو" باعتباره السبب في خروجهم من البلاد، وكانوا الطريق للمخابرات الأمريكية للتدخل في الشأن الكوبي.من هنا بدأت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بتدريب هؤلاء المنفيين على حرب العصابات، و كانت الخطة هي أن يتسللوا مرة أخرى إلى كوبا ويقوموا بما يشبه حرب عصابات ضد "كاسترو"، ثم يجمعون مقاتلين آخرين و يخططوا الطريق للإطاحة في النهاية بحكومة "فيدل كاسترو".وكانت الخطة هي الزعم بمُساعدة المنفيين الكوبيين على غزو جزيرة كوبا، وكان الأمل أن السكان الكوبيين سينضموا إلى هذه القوات ويقومون بالسيطرة على الحكومة للصالح الأمريكي.الشرارة الأولى
في 17 مارس 1960 وافق الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور علي اقتراح من طرف المخابرات الأمريكية CIA بدعم المعارضة الكوبية ضد النظام الشيوعي الجديد في كوبا بزعامة كاسترو، وكان هذا الأمر سببا ودافعا للأمريكيين لرفع سقف توقعاتهم بخصوص نجاح المعارضة في ذلك نظراً لتجاربهم السابقة في ذلك.وكان ضمن المُخطط أن يحدث الغزو بداية من مدينة ترينيداد، و لكن رأى الرئيس الأمريكي "جون كينيدي" أنهم بحاجة إلى مكان مُنعزل أكثر يمكن السيطرة عليه، ومن هنا تم اختيار "خليج الخنازير" بديلا، وكانت الخطة تقضي بأن الطائرات في البداية ستقوم بتدمير القوات الجوية الكزبية، ثم تنفذ قوة الغزو المكونة من 1500 جندياً الهبوط في نفس الموقع، مع الأمل في أن الشعب الكوبي سينضم لهم في تمرد ضد "كاسترو" الزعيم الشيوعي.الاحداث
في 17 أبريل عام 1961 بدأ التنفيذ ولكنه لم يسر في الطريق المنشود، فعلى الرغم من إصابة القوات الجوية الكوبية من خلال غارات قوية بالطائرات في البداية، كان لا يزال يوجد هناك طائرات قامت بالهجوم على الغُزاة، ولكن مر وقت طويل قبل أن تستطيع القوات والذخيرة النزول من السفن التي تحملها، و قبل أن يتم تفريغ الذخيرة قامت الطائرات الكوبية بإغراق كثير من السفن، وبالتالي احباط كثير من اجزاء هذا المخطط.أما فئة الجنود المظليين، الذين كانوا من المفترض أن يُبطئوا قوات (كاسترو) على الأرض، هبطوا في مكان خاطئ بالتحديد في المستنقعات، فكانت محاصرة الغزاة سهلة لجهل المظليين بالمنطقة وطبيعتها، ولم يتبق شئ من الذخيرة التي فقدوا معظمها بالهبوط الخاطئ، وعندما حاولوا التراجع، تم القبض على معظمهم وأسر عشرات منهم.
الفشل
ورغم إخفاق العملية في أولى غاراتها إلا أن الرئيس الأمريكي "كينيدي" لم يلغ خطة الإنزال بل أصدر قراراً بإلغاء الغارة الثانية قبل تنفيذ مهمتها بساعات قليلة، وبالفعل بدأ الإنزال من السفن المتواجدة على شواطئ كوبا ليلاً واستمر حتى فجر 17 أبريل، وبعد الإنزال انتشر مئات من الجنود المرتزقة على الشواطئ واتجهوا إلى الداخل حيث كان لهم بالمرصاد الميليشيات الشعبية التي قاومت بعنف في محاولة لمنع هذه المجموعات من التقدم، وكسب الوقت لحين قدوم قوات الجيش لإحباط الهجوم، وهو ما جاء عكس كل التوقعات الأمريكية من تعاون الشعب الكوبي.النتائجكانت النتائج كارثية ويمكن وصفها بالفضيحة العسكرية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، حيث ظهرت الحكومة كأنها ضعيفة وأن وكالة المخابرات الأمريكية الأشهر عالميا غير جديرة بتنفيذ مثل هذه المهام الصعبة، وأصبحت حكومة كاسترو أقوى في كوبا بمساعدة الاتحاد السوفيتي الذي صار حليفا قويا له لاحقا.