"لا أحد ينام جائعًا في مصر، ولا أحد يموت جوعًا".. جملة تتردد ليل نهار على لسان كل مصري، لكنها أصبحت الآن في خبر كان؛ فالفقراء لا يدخلون جنة الدنيا، لا يجدون قوت يومهم، وأصبحوا ينامون جوعى، والغريب أن ذلك يحدث في دولة تنظم أمور غذائها وفقرائها وزارة مثل التموين والتجارة الداخلية، والتي اعتاد المواطنون على تسميتها باسم "وزارة الغلابة"، نظرًا لما تقدمه من خدمات مدعومة لمحدودي الدخل والفقراء، من خلال منافذها المختلفة، ومشروعها الأبرز "البطاقات التموينية"، إلا أن شكوكًا تتردد كل فترة حول رأس الوزارة، الدكتور علي مصيلحي، تتهمه بإهدار أموال على مصاريف خاصة أو أمور لا علاقة بالوزارة بها.
والدكتور علي السيد مصيلحى وزير التموين والتجارة الداخلية، ليس غريبا عن الوزارة، فقد تولى هذه الحقيبة خلفا للدكتور حسن خضر الوزير الأسبق في حكومة الدكتور أحمد نظيف منذ عام 2005 حتى أوائل شهر فبراير 2011 بعد قيام ثورة 25 يناير وتقديم حكومة "نظيف" استقالتها، ليتولى الوزارة، ويتخذ قرارات هامة أثرت على حياة المواطنين، فيما ترددت بعض الاتهامات ضده كل فترة، تتهمه بإهدار أموال الشعب، وآخرها ما أذاعه الإعلامي محمد موسى، في برنامجه "خط أحمر"، المُذاع على فضائية "العاصمة"، حينما كشف أن محمد عبد الله، سكرتير مكتب نائب وزير التموين، أعدَ "عزومة" لموظفي مكتب الوزير، على وجبة إفطار "على حساب الوزارة" في فندق "كمبينكسي"، وبلغ ثمن فاتورتها 13 ألف جنيه، وعرض خلال برنامجه، أوراقا ومستندات رسمية توضح عزومات أعضاء مكتب وزير التموين، مؤكدًا أن هذه العزومات تتكرر بصفة مستمرة على حساب الشعب المصري، وأن وجبة إفطار واحدة لمكتب وزير التموين، تساوي دعم 619 مواطن مصري شهريًا.
وفي تطور جديد، حصلت "أهل مصر" على مستندات تفيد بإهدار مال عام بوزارة التموين شهريًا بواقع 17 ألف جنيه، تنفق على مصاريف خاصة لا علاقة لها بالبنود المتفق عليها في الصرف.
وقدم الدكتور أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات القانونية والسياسية، بلاغًا للنائب العام، يتهم فيه وزير التموين بالقيام بأمور تشكل جرائم إضرار بالمصلحة العامة وإهدار المال العام، موضحا أن الوزير قام في أعوام 2008 و2009 و2010، بإقرار مكافآت مالية لنفسه، بما يخالف تعليمات مجلس الوزراء، والتي تفيد بأن منح هذه المكافآت لا يتم إلا من خلال السلطة العليا، شارحًا أن مجموع هذه المكافآت وصل إلى 600 ألف جنيه، في حين أن سعر الدولار كان 2.70 قرشًا، إضافة إلى إعطائه تعليمات بأن اللجنة العامة للمساعدات الأجنبية التابعة لوزارة التموين والتجارة الداخلية هي من يتحمل الضرائب عن هذه المكافآت، لتصرف لصالحه معفية من أي ضرائب، كما أقر لنفسه المكافآت على الراتب الشامل بالمخالفة لجميع موظفي الوزارة، والذين قُرر لهم صرف المكافآت على الراتب الأساسي والذي حدد بـ15 شهرًا في هذا التوقيت.
وأشار "مهران"، إلى أن المستندات تظهر إعطائه تعليمات بالأمر المباشر بتأجير عدد من المساحات التخزينية بالمخازن التابعة للجنة دون اتباع الإجراءات القانونية الخاصة بقانون المزايدات والمناقصات، كما تظهر أنه وفي فترة ولايته الثانية عام 2017، أقر مكافأة اعتماد الميزانية للجنة بـ 18 شهرًا دون وجه حق، عن العام المالي 2015- 2016، ولم يكن الوزير وقتها، فالوزير كان خالد حنفي، والذي من حقه هو الحصول عليها حال صرفها، إلا أن علي مصيلحي –الوزير الحالي- قام بصرف هذه المستحقات لنفسه، رغم كونها لا تخصه ولم يعلم عنها، علمًا بأنه لم يحدث من قبل وأن قام رئيس لمجلس إدارة اللجنة العامة للمساعدات الأجنبية بصرف مثل تلك المكافآت لنفسه خلال السنوات السابقة.
وفي مستند آخر، يشرح مدير مركز القاهرة للدراسات القانونية، تقاضي الوزير علي مصيلحي، عن عمله كرئيس لجنة، راتب شهري قيمته 30 ألف جنيه، بالمخالفة للقانون وتعليمات مجلس الوزراء الذي أقر عدم أحقية صرف أي مبالغ مالية إلا بقرار معتمد من رئاسة الوزراء، الأمر الذي يوضح وجود ازدواجية الصرف بين الراتب الشهري الذي يحصل عليه الوزير والراتب الذي تحدده رئاسة الوزراء، بالإضافة إلى تعيينه عدد كبير من المستشارين فوق السن القانوني، دون حاجة الوزارة، وبالمخالفة لمجلس الوزراء أيضًا.
وبعد اطلاعنا على المستندات التي حصلت "أهل مصر" على نسخة منها، وجدنا أن هناك مستند يعرض تعيين عاطف سعد علي عويضة، رئيسًا للجهاز التنفيذي باللجنة العامة للمساعدات الأجنبية، رغم خروجة إلى سن المعاش، وهو ما يخالف القانون، ما أثار تساؤلات عديدة داخل الوزارة وداخل اللجنة، وجاء ذلك بناء على القرار رقم 203 لسنة 2017، والصادر بتاريخ 13 يوليو2017، وألزم القرار ميزانية اللجنة العامة للمساعدات الأجنبية، كافة الالتزامات المالية المترتبة على تعيينه، وهو ما يخالف القانون؛ فوفقًا للقانون فإن بلوغه سن المعاش يمنع الوزارة من صرف راتبه، لذلك قرر الوزير صرف راتبه من الأموال الخاصة بعمل اللجنة بالمخالفة للقانون.
وفي مستند آخر، رصدنا أن الوزير قرر صرف مكافأة عن رئاسة اللجنة العامة للمساعدات الأجنبية عن الأعوام (2015،2016)، رغم أن الوزير الفعلي في هذه الفترة هو الوزير خالد حنفي، وتم صرف المبلغ للوزير الحالي بقيمة 46.320 ألف جنيه، كما تعرض المستندات مكافأة لعيد الفطر عن شهر يونيو لسنة 2017، بقيمة 3573.30 جنيه، ونفس القيمة المالية كمكافأة عن رئاسته للجنة في شهر مايو 2017، تحت مسمى مكافأة شهر رمضان، كما أوضح مستند آخر ازدواجية الصرف بين مرتب مجلس الوزراء المقرر من رئاسة الوزراء للوزير العامل للدولة، وصرف مرتب شهري عن رئاسة اللجنة العامة للمساعدات الأجنبية بقيمة 121.90 ألف جنيه، عن الشهور من فبراير إلى يونيو 2017.
وقد تقدم الدكتور أحمد مهران ببلاغ للنائب العام رقمه 10849 لسنة 2017 عرائض النائب العام، وذلك بصفته وكيلا عن كل من محمد عصام عبد الله مدير عام تخزين باللجنة العامة للمساعدات الأجنبية التابعة لوزارة التموين، وأيمن عبد السلام زكي مدير عام المكتب الفني باللجنة العامة للمساعدات الأجنبية، يتهم فيه الوزير بصرفه مكافآت لنفسه بدون وجه حق، وبالمخالفة لتعليمات رئاسة مجلس الوزراء.
ونضع أمام المسئولين والمهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، ما كشفناه من وقائع فساد على الوزير علي مصيلحي وزير التموين والتجارة الداخلية، آملين في اتخاذ ما يلزم والتحقيق في الواقعة.