"سنان السكاكين ومكوجى الرجل وصانع الفخار وبائع الكتب" مهن مصرية قديمة، انتشرت لمئات السنوات فى مدن ومراكز وقرى محافظة بنى سويف، ولكن مع التغيرات الاجتماعية والسياسية وما يطرأ على ممتهنيها أو أدواتها وأجهزتها من تطور، بدأت تلك المهن فى الانقراض، على الرغم من استمرار عدد قليل جدًا من أصحابها فى التمسك بما بدأه أجدادهم، وترصد "أهل مصر" من خلال التقرير التالي هذه المهن بمحافظة بني سويف..
- صانع الفخار
تعتبر مهنة "صانع الفخار" نموذجًا واضحًا لمهن بات أصحابها يبحثون عن البديل بعد أن عزف عنهم الزبائن وأصاب صناعتهم الركود شبه التام وغيرها من المتغيرات العصرية التى لم يقدروا على مجاراتها.
"فخاروا بنى سويف والفيوم هم أول من أدخلوا المهنة فى مصر، وصنعنا القُلل والأزيار والبُكل والفازات وبلاطة الفرن البلدى»..
بحسرة استهل عم «عبدالهادى» 62 سنة، أحد أقدم صانعى الفخار ببنى سويف حديثه، مضيفا "كان أجدادى أول من بدأوا تلك المهنة وربحوا منها كثيرًا وقد كان عندى محل كبير يعرض منتجاتنا فى يوم من الأيام، وكان يعمل لدى العشرات من عمال المهنة، ولكن كل هذا ذهب وتوقف المعرض وأغلقت الورشة وتراجعت المهنة للوراء حتى الاحتضار".
"عبدالهادى" تابع أن مهنة الفخار فى مصر تشهد ركودًا منذ أكثر من عشرين عامًا، وذلك لعدة أسباب، أهمها ضعف الطلب وقلة استهلاك الفخار، لدرجة بلغت حد انعدام شرائها، بخلاف أنها مهنة شديدة الإرهاق والتعب لما تصاحبه من اعتماد كلى على الجسم والعضلات والعمل فى المعاجن دون ارتداء ملابس، سواء فى الصيف أو فى الشتاء، وعلى الرغم من كل هذه الصعاب، إلا أنه لا توجد مظلة تأمينية أو أى مزايا أخرى للعاملين بها.
- سنان السكاكين
بمجرد ظهوره كان يلاحقه الصغار حاملين سكاكين وأدوات حادة فى حاجة إلى السن، وكان "السنّان" يضع "آلته" فرحًا فى ركن الشارع ليتابع عملّه، وأثناء ذلك يخرج له "الشاى" من أقرب منزل، وكان الأمر أشبه بفقرة عرض فنى تدخل البهجة على الأطفال الذين كانوا يشاهدون عملية السن باهتمام.. الآن الصورة تغيرت كثيرًا، فلم يعد الأهالى فى حاجة إلى سن سكاكينهم مع تطور صناعتها ورخص ثمنها.
«أحمد عوض» شارف عامه الـ83 سنة، أحد أبناء مدينة بنى سويف، يعمل "سنان للسكاكين" منذ أكثر من 70 عامًا، ورغم تأخر العمر، إلا أنه رفض الاستسلام للشيخوخة أو مد يد الحاجة لأبنائه، ليذهب فجر كل يوم، إلى محله المتواضع بشارع سعد زغلول طريق موقف محيى الدين ساعيًا وراء لقمة العيش من أجل أن يوفر لنفسه ولزوجته نفقات المعيشة، خاصة أنه ليس لديه أى نوع من المعاش من التضامن الاجتماعى ولا يحظى برعاية صحية من أى جهة.
عم أحمد يعمل بالمهنة، هو وشقيقه "أبو السعود"، ورفض أن يمتهن أحد من أبنائه هذه المهنة، وهو أقدم عامل بمهنة "سن السكاكين" فى المحافظة منذ عهد الملك فاروق، حيث عاصر التعامل بـ«المليم» مؤكدًا أنه سيظل يعمل ويقف على قدميه حتى ينزل قبره، حسب تعبيره.
وانتقد عم أحمد، ما وصفه بتراخى الشباب حاليًا والاتجاه إلى إدمان الحشيش والبانجو، مؤكدًا أن ما يحدث حاليًا للشباب كارثة يجب التصدى لها.
- مكوجى الرجل
مهنة «مكوجى الرجل» من المهن التى أوشكت على الانقراض بسبب ظهور الكى بالبخار وانتشاره واتجاه الزبائن إليها، ورغم ظهور المكواة الحديثة، إلا أن مكواة الرجل ما زالت تحتفظ ببعض رونقها، إذ يفضلها البعض عن الحديثة، باعتبارها تقوم بعملية الكى بطريقة أكثر دقة، كما يؤكد "عم محروس" مكوجى رجل، بحى الدهشورى ببنى سويف، لافتًا إلى أنه ورث مهنة الكى عن والده منذ نحو 40 عامًا، وتأثرت المهنة بظهور مكواة البخار، إلا أن مكواة الرجل ما زال يفضلها بعض الناس، خاصة كبار السن ومن لديهم العباءات الثقيلة التى لا تتمكن مكواة البخار من كيها بسبب ثقلها.
ويتابع أن لديه 3 أولاد وينفق عليهم من خلال عمله بالمكواة، مشيرًا إلى أن مهنته شاقة للغاية، خاصة وأن المكواة مصنعة من الحديد ولها يد طويلة يمسكها بيده ويضع قدمه على الجزء الحديدى، وهى شاقة فى العمل ومن الممكن أن يتعرض لمشاكل صحية، خاصة فى منطقة الظهر بسبب ثقل المكواة والوقفة المطلوبة لكى الملابس.