"العناية المركزة".. مقبرة المرضى.. نقص الغرف والمستلزمات والتلوث يهددان حياة آلاف.. كوارث بمستشفيات كفر الشيخ.. وغرفة النفايات بالحامول مفتوحة للمرضى.. و"قطة" سرس الليان تكشفت مهازل بالمنوفية

كتب :

كتب: إسلام نبيل ـ كمال عبدالرحمن ـ هدى الأمير ـ سالم أحمد ـ محمد أحمد

العمر لحظة، وقد تفصل ثانية أو دقيقة بين الحياة والموت.. وداخل غرف "العناية المُركزة" فى المستشفيات، لا مجال للاستهتار ولا حيز للتهاون، فحياة المرضى مقدسة، هكذا فى كل دول العالم، لكن ما يحدث فى مصر يبعث على الخزى والاندهاش.. فغرف العناية المركزة فى المستشفيات الحكومية تحولت لاستراحات عزرائيل، فقلما نجا مريض بحياته، إذ يسيطر الإهمال والتلوث ونقص المستلزمات والتجهيزات الصحيحة، على تلك الغرف، فضلًا عن النقص الشديد فى أسرة العناية، مقارنة بعدد المرضى، فى أنحاء الجمهورية، سلط مشهد تجول قطة داخل غرفة عناية مركزة بإحدى المحافظات، الضوء على حقيقة الإهمال الذى يسيطر على أقسام العنايات المركزة ووصل آخره برفض طبيب الحضور لإنقاذ مريضة مسنة، فدفعت الأخيرة حياتها ثمنًا لذلك.. "أهل مصر" فتحت الملفات المسكوت عنها بشأن غرف العناية المركزة في المحافظات..

ـــ في قنا.. أكياس الدماء المستعملة داخل غرف العناية.. وبيع المخلفات بالأسواقهنالك العديد من القصور فى المستشفيات العامة والمركزية فى مدن ومراكز محافظة قنا، ولعل أبرز ذلك القصور فى غرف العناية المركزة فى العديد من المستشفيات العامة بمدن أبوتشت وفرشوط ودشنا ونجع حمادى. غرف العناية المركزة بالمستشفيات المذكورة، يلقى بداخلها أكياس الدم ومخلفات الجراحة على الأرض فضلًا عن انتشار القطط بأركان المستشفى وعلى الأبواب، ما يهدد بنقل العدوى والإضرار بصحة المرضى.محمد على، موظف، مقيم مركز نجع حمادى، يشير أن زوجته كادت أن تموت أثناء ولادتها بالمستشفى العام بالمدينة، حيث لم يكن يتوافر بعض المستلزمات، وظل يبحث عنها لوقت طويل حتى قارب مفعول البنج على الانتهاء، وكان بينها وبين الموت لحظات إلى أن تم التدخل وإنقاذها".وطالب على مسؤولى الصحة بفرض رقابة على عمال نظافة المستشفى، والالتفات لأرواح المواطنين التى تعتبر مسؤولية وأمانة على عاتق المستشفى وإدارتها والعاملين بها.

وأكد عزت البارى، مدرس بمركز دشنا، أن مخلفات غرف العناية المركزة، يتم بيعها فى الأسواق لعدد من التجار قائلاً: "ياعالم التجار دول بيعملوا بيها إيه، حتى السرنجات التى تم استخدامها يتم بيعها."ومن جانبه قال الدكتور أيمن خضارى، وكيل وزارة الصحة بمحافظة قنا: إن هناك متابعة دورية للمستشفيات المركزية والعامة فى مختلف أنحاء مدن ومراكز قنا، وذلك للتأكد من نظافة تلك المستشفيات، لافتًا إلى أنه يتم إقالة المسؤولين عن المستشفيات وتحويلهم للتحقيق فور كشف وجود مخالفات فيها.

ـــ "غرف الموت" فى مستشفيات بنى سويف.. "العناية المركزة" فى حاجة إلى "أسرة وأطباء"القطاع الصحى بمحافظة بنى سويف، فى أسوأ حالاته خلال هذه الفترة، التى دفع فيها العشرات حياتهم داخل "غُرف الموت" المسماه طبيًا بغرف "الرعاية والعمليات والإنعاش والعناية" فيوميًا تشهد مستشفيات المحافظة، وفاة حالات إما بسبب عدم العثور على مكان أو بسبب الإهمال حال دخولهم إحدى هذه الغرف .وتشهد مستشفيات المحافظة عجزًا شديدًا فى الأسرة اللازمة لاستيعاب المرضى بغرف العناية المركزة ورعاية القلب، بسبب العجز فى أعداد الأطباء المتخصصين، يوجد "65" سرير عناية بجميع مستشفيات المحافظة، سواء الحكومية أوالخاصة منها "45" سرير للعناية المركزة و"20" لرعاية القلب، وهذه الأعداد غير كافية بالمقارنة مع أعداد المرضى المحتاجين لهذه الخدمة الطبية، ما ينتج عنه موت العشرات يوميًا بسبب العجز، وهو ما شهدته المحافظة منذ أيام قليلة، حيث توفيت حميدة صابر عطوة،57 سنة، نتيجة عدم وجود سرير لها بإحدى غرف العناية المركزة، بعد أن رفضتها كل مستشفيات المحافظة الحكومية والخاصة بسبب العجز، لتلفظ أنفاسها الأخيرة أمام مركز شرطة ناصر، أثناء قيام نجلها بتحرير محضر لمدير المستشفى المركزى.

كما أكد الدكتور محمود جمال، طبيب عناية مركزة، أن غرف العناية تعانى نقصًا كبيرًا فى الأدوية، خاصة مذيبات الجلطات، التى من المفترض إعطاؤها للمريض خلال 6 ساعات من حدوثها، مشيرًا إلى أن أطقم التمريض تعانى من نقص بالكفاءة والتدريب والتعامل مع خطورة وضع مرضى العناية المركزة، موضحًا أن نقص الأدوية يمكن التغلب عليها، من خلال استخدام بدائل قريبة التأثير، ولكن عجز الأطباء وعدم تدريب التمريض لا يمكن التغلب عليه.فيما تعانى غرف "الإنعاش" بمستشفيات المحافظة، من تدنى الدور الرقابى لمسؤولى "مكافحة العدوى" بهذه المستشفيات التى لا يطبق فيها أدنى معايير الـ"التعقيم" فأصبحت هذه الغرف أشبه بـ"صالونات الحلاقة" على حد وصف الدكتور جابر سالم، أستاذ التخدير، الذى وصف طريقة تعقيم غرف الإنعاش الملحقة بغرف العمليات بأنها "بدائية" ولا ترتقى للمعايير العالمية، مرجعًا ذلك لإنشغال مسؤولى مكافحة العدوى فى المستشفيات بالبحث عن المكافآت والدورات التدريبية الوهمية التى تكبد موازنة وزارة الصحة مبالغ مالية طائلة، دون أى فائدة، بسبب ما وصفه بـ"عشوائية الاختيار" لمسؤولى مكافحة العدوى، فتارة يختارون ممرضة ـ غير مؤهلة لمواصفات الرقابة ـ وتارة أخرى يختارون طبيًا قلما يتواجد بالمستشفى من الأساس، مما أدى لتهميش دور هذه التخصص الهام، وتسبب عنه تردى حالة غرف "الإنعاش" وأنعكس ذلك على عشرات المرضى الذين دفعوا حياتهم نتيجة العدوى المترتبة على تدنى مستوى "التعقيم" بالمستشفيات، فضلًا عن عدم توفير كوادر تمريضية مدربة.

غرفة "النفايات الخطرة".. لافتة دائمًا ما تجدها فى جزء متطرف من أى مستشفى، خاصة الحكومية، حيث يتم فيها تجميع المخلفات الناتجة عن العمليات الجراحية وكذلك الأدوات والمستلزمات الطبية المُستعملة، المسؤول عن هذه الغرفة فى المستشفيات يسند إليه العمل بالواسطة والمحسوبية كونها مصدر دخل كبير لراغبى الثراء السريع ـ حسب تأكيد الدكتورة نهى جلال، مسؤول السلامة والصحة المهنية، التى أكدت أن محتويات غرفة "النفايات الخطرة" يتم الاتجار فيها "عينى عينك" أمام أعين المسؤولين، حيث يقوم مسؤول الغرفة بالتنسيق مع عامل وحدة حرق النفايات الطبية الخطرة، وتهريب كميات المستلزمات الطبية المستعملة "البلاستيكات والأقطان والشاش" لتجار الخردة لبيعها لمصانع لعب الأطفال، لافتة إلى أنها تدخل فى صناعة "الدباديب" و"الألعاب البلاستكية" ـ مستغلين انعدام الدور الرقابى لمديرية الصحة على محرقة النفايات بمنطقة "سنور" الواقعة على الطريق الصحراوى الشرقى.

ــــ الصراصير ترعى فى "عناية" الأقصرتعانى أقسام العناية المركزة بمختلف مستشفيات الأقصر من تراخ فى تطبيق الشروط الطبية والصحية اللازمة لتعقيم غرف العناية، فالمخلفات الطبية، والقطط يزاحمان المرضى، ما يجعلها بيئة خصبة لنمو الطفيليات وانتقال الفيروسات المعدية.وكشف مصدر مطلع أن مستوى الخدمات الطبية بأقسام العناية المركزة بشتى مستشفيات المحافظة متدهور للغاية، فالأجهزة الطبية داخل الغرف غير معقمة بالشكل المطلوب، إضافة إلى وجود المخلفات الطبية العادية، والخطرة، والكارثة الكبرى، حسب المصدر تكمن فى وجود حيوانات مثل القطط بداخل أقسام العناية، إضافة إلى وجود الحشرات كالصراصير.وأضاف أن وقائع الإهمال بأقسام العناية المركزة متعددة، من أشهرها وفاة الطفل كريم عاطف، الذى كان يعانى من الفشل الكلوى، والذى احتجز بقسم العناية المركزة بمستشفى الأقصر الدولى، ونظرًا للتقصير الطبى، مات الطفل بعد مرور أيام من حجزه بها، وكذلك الواقعة الشهيرة الأخرى للطبيب جمال عمران، مدير مستشفى الأقصر العام، والذى توفى بسبب قيام فريق العاملين بغرفة العناية المركزة بالمستشفى التى يترأسها من إخراجه من القسم ووضعه بقسم آخر لمدة نصف ساعة لإجراء عملية تنظيم للغرفة.

وأضاف أن مستشفى الأقصر الدولى يضم 44 سريرًا بوحدة العناية المركزة تضم عددًا من التخصصات الطبية ما بين عناية قلب، وعناية القلب المفتوح، والعناية العامة، وعناية المخ والأعصاب، وعناية الباطنة، وعناية العزل، والحضانات، وعناية الأطفال، وأن البعض منها غير صالح للاستخدام نهائيًا بسبب استهلاكه المستمر.ويضم مستشفى الأقصر العام 8 أسرة فقط، ومستشفى القرنة يضم 8 آخرين، ومستشفى إسنا المركزى يحوى 8 أسرة فقط، وهى أعداد قليلة بالمقارنة بأعداد المرضى.

ــــ "قطة" سرس الليان تكشفت مهازل المستشفيات بالمنوفية"تحويل المريض كعب داير" هو وسيلة المستشفيات الحكومية فى محافظة المنوفية للتخلص من مسؤولية مرضى العناية المركزة، وعادة ما يكون الرد "لا وجود لأماكن شاغرة"، خاصة "مستشفى الباجور العام" الذى دومًا ما يحدث به مشاكل للمرضى بسبب نقص أسرة العناية المُركزة، التى يموت بها عشرات الأشخاص شهريًا.يقول إبراهيم جاد الله، أحد سكان مدينة الباجور: إن الفقراء لا حول لهم ولا قوة، والموت ينتظرهم فى غرف المستشفيات الحكومية ولا مفر منه بسبب إهمال العاملين على المنظومة الصحية بالمحافظة، على عكس الحال بالنسية للأغنياء الذين ينقذون مرضاهم فى غرف العناية المركزة بالمستشفيات الخاصة.ويُشير حسين إبراهيم، مدرس من سكان قرية اسطنها، إلى مرض والدته والتى تُعانى من مرض مزمن فى القلب، وعندما وطأت قدماه مستشفى الباجور العام، أكد الأطباء احتياج "والدته" إلى غرفة عناية مُركزة فى الوقت الحالى، ولم يجدها بهذا المستشفى، فأبلغ طوارئ المديرية لمساعدته فى الحصول على "سرير" ولو دون غرفة، فما كان للحالة إلا وضعها على "قائمة الانتظار"، ونصحه العديدون إلى الذهاب إلى أحد المُستشفيات الخاصة إلا أن التكاليف المالية باهظة وفوق قدرته، ما أدى بالحالة إلى مُفارقة الحياة.وفى مشهد يُثير الدهشة، يؤكد مدى تردى الخدمة الصحية والتلاعب بأرواح المرضى بمستشفيات المنوفية، تداول عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" صورًا لــ "قطة" تأخذ قسطًا من الراحة على أحد أسرة المستشفيات وتحديدًا بسرس الليان، التى أضافت مؤخرًا 11 سريرًا لغرف العناية.ودائمًا ما تؤكد الدكتورة هناء سرور، وكيل وزارة الصحة بالمنوفية أن هناك نقصًا كبيرًا فى أسرة العناية المركزة بالمستشفيات الحكومية وكذلك صعوبة فى إيجاد أسرة بسهولة، وأن عدد المرضى يزيد وقائمة الانتظار تتزايد، وما باليد حيلة بسبب التكلفة الكبيرة لتجهيز غرف العناية، ما لا تتحمله المديرية وحدها، ولذلك فعّلت "سرور" خدمة طوارئ المديرية والتى تخدم المواطنين فى البحث عن أسرة شاغرة فى غرف العناية بمستشفيات المنوفية وعلى الفور تتم المتابعة مع "المرضى" وإبلاغهم بأماكن الأسرة.

ـــــ كوارث بمستشفيات كفر الشيخ.. غرفة النفايات بالحامول مفتوحة للمرضى"إهمال وغياب الرقابة وعدم وجود المستلزمات والأدوية، غرف نفايات خطرة تفتح أبوابها أمام المرضى لتزيد من أمراضهم، استقبال دون أطباء وغياب جماعى لهم، غرف رعاية مركزة غير مؤهلة لاستقبال المواطنين".. هكذا أغلب حال مستشفيات محافظة كفر الشيخ."راوية. ع.ا"، المحجوزة بقسم الباطنة بالمستشفى لخصت كل ما يعانيه مرضى المستشفى قائلة، "الطبيب مش بييجى غير بالليل والممرضات بتهملنا ومحدش بيسأل فينا، اللى بييجى المستشفيات الحكومية بيبقى مش معاه فلوس لكن بدون اهتمام".

بينما أكد أحمد على، أن ابنه حسين البالغ من العمر 10 سنوات، دخل المستشفى لإجراء جراحة تركيب شرائح ومسامير نتيجة وجود كسر بعد تعرضه لحادث سيارة، فتم حجزه فى المستشفى لمدة أسبوع، وطلب الأطباء من والده 15ألف جنيه لإجراء الجراحة، ورغم حالة الأسرة البسيطة استطاع الأب تجميع المبلغ من خلال الاستدانة ليدفع لأطباء المستشفى ثمن الجراحة والمستلزمات، مؤكدًا أن سيدة أربعينية خرجت من المستشفى متوفاة بعد مكوثها فى الرعاية المركزة لأكثر من 5 أيام دون جدوى.لم تختلف الحال كثيرًا من مستشفى كفر الشيخ العام إلى مستشفى بيلا المركزى، الذى شهد وفاة سيدة مسنة داخل غرفة الرعاية المركزة التى لم تصلح لرعاية الحالات، ما اضطر نجلها وسام أمين، لتحرير محضراً بالشرطة لوفاة والدته نتيجة غياب الأطباء فى غرفة الرعاية المركزة، مؤكدًا فى المحضر أنه توجه بوالدته إلى المستشفى إثر معاناتها من ارتفاع فى الضغط وسكر الدم وارتشاح الرئة.

وأضاف قائلاً: "لم تمر لحظات ووجدت والدتى تتصبب عرقًا ولا تستطيع التنفس، فأعطتها الطبيبة دواءً لتخفيض نسبة السكر والضغط دون جدوى، وطلبت منها إدخالها العناية المركزة، خاصة أنها تعانى من قبل ارتشاحًا فى الرئة منذ ما يقرب من 3 سنوات، فقالت: إنها ستسأل إخصائى الباطنة لأنه هو الذى سيقرر إذا كانت الحالة تحتاج إلى العناية المركزة من عدمه، ولم يأت الإخصائى وتواصلت مع مدير المستشفى ومحافظ كفر الشيخ، حيث تربطنى به علاقة جيدة، جرى إدخال والدتى غرفة العناية المركزة دون حضور إخصائى الباطنة، ووجه مدير المستشفى أحد العاملين بسرعة التوجه إلى عيادة الطبيب الإخصائى الخاصة لاستدعائه لمناظرة الحالة المرضية، وعندما رفض قائلاً: "مش فاضى عندى شغل فى عيادتى، اتصلت بشرطة النجدة، لإثبات الحالة".وفى مستشفى الحامول المركزى، تتجسد الكارثة بوجود غرفة للنفايات الطبية الخطرة على بعد خطوات من استراحة المرضى بالعيادات الخارجية، ويتضاعف الخطر الذى يحيط بالمرضى.من جانبها قالت الدكتورة لميس المعداوى، وكيل وزارة الصحة بكفر الشيخ: إن المستشفيات يتم تطويرها وتجهيزها ودعمها بالمستلزمات والأدوية، مشيرة إلى أنها ستحقق مع مسؤولى مستشفى الحامول المركزى حول فتح غرفة النفايات الطبية، لافتة أن واقعة وفاة سيدة بمستشفى بيلا المركزى جاءت بسبب رفض طبيب الباطنة الحضور إلى الرعاية المركزة وتم نقله .نقلا عن العدد الورقي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً