اعلان

عاشوراء في المغرب.. "الشعالة" عادة ضرب الأجساد حزناً علي الحسين.. و"بابا عيشور" موروث وثني ينتظره الأطفال في هذا اليوم

كتب : سها صلاح

تحظى مناسبة عاشوراء في المغرب بكثير من الاهتمام، خلافًا لمعظم البلدان الإسلامية، إذ تتخللها احتفالات متنوعة، تجري وسط أجواء روحانية وتقاليد اجتماعية وطقوس تاريخية خاصة بالمجتمع المغربي.

-عادات "غريبة" في عاشوراء

يبدأ الاحتفال بعاشوراء منذ اليوم التاسع من شهر محرم، فيصوم البعض اقتداءً بالرسول محمد –صلى الله عليه وسلم-، فيما يفتتح آخرون المناسبة بزيارة الأقارب والمقابر والتصدق على الفقراء، لتستمر بعدها الاحتفالات طوال أسبوع.

وفي صباح يوم عاشوراء، تفتتح الكتاتيب القرآنية لترديد قصائد المدح في الرسول وآل البيت، ويخرج الأطفال إلى الشوارع، تغمرهم الفرحة والابتهاج، حيث يشرع الذكور بتراشق المفرقعات والمسدسات المائية، فيما تتجمع الإناث بزينتهن للعب بالدمى والطبول، وهم يرددون أغاني شعبية "عاشوري عاشوري.. عليك نطلق شعوري".

وفي ليلة عاشوراء توقد النيران في الساحات والشوارع وأفنية البيوت، وسط الحشود الصغيرة، التي تتسابق للقفز عليها والطواف بها، وهم يضربون الطبول ويغنون ويصرخون، وهي العادة التي يُطلق عليها في المغرب "الشعالة"، وفي بعض المناطق تتحلق النساء حول النار المشتعلة ويأخذن في البكاء والندب، وقبل أن تخمد يدفئن الماء عليها، ويغتسلن به تبركًا.

في أيام عاشوراء أيضًا، ينخرط الكبار والصغار في لعب، ما يسميه المغاربة بـ"التزمزيمة"، حيث يشرعون في رش الماء على بعضهم البعض، قبل أن يمتد تراشق المياه مع الجيران وحتى الغرباء، لتبدأ بعدها المطاردات بسطول المياه بين الشباب عبر الدروب والأزقة، في لعبة لا تخلو من الحماسة والمخاطرة الممزوجة بالتسلية.

-من أين جاءت تلك الطقوس؟

لا تزال مثل هذه الطقوس، المرتبطة بعاشوراء، مستمرة إلى اليوم في المغرب، بالرغم من تراجع حضورها بين الناس في الوقت الراهن، مقارنة مع ما كانت عليه في الماضي، إلا أنها غدت نوعًا من العادات والتقاليد المتوارثة في مثل هذه المناسبة، بحيث أصبحت معانيها وإحالاتها التاريخية غائبة عن الأغلبية، التي تمارسها باعتبارها نشاطًا فولكلوريًّا غير هادف.

بالمقابل، شكلت هذه الاحتفاليات المميزة لدى المغاربة بأيام عاشوراء، موضوعات خصبة للدراسات الأنثربولوجية، التي تحاول التنقيب عن جذور هذه الممارسات الطقوسية في الثقافات، ونجد من أبرز الباحثين، الذين لهم إسهامات في هذا الإطار، الأنثروبولوجي عبد الله حمودي، وإدموند دوتي، وإميل لاوست، وإدوارد وسترمارك.

ويتبين من خلال تلك الدراسات أن الطقوس المغربية الخاصة بيوم عاشوراء تختزن ثقافات متعددة، تشكلت عبر الأزمنة، ولها دلالاتها الخاصة في سياقها الثقافي والزمني، لتنتج لنا في الأخير مزيجًا من الطقوس السُنية والشيعية والصوفية والوثنية واليهودية.

-الموروث السني

يعتبر يوم عاشوراء يوم من أعياد البلدان السنية، لورود أحاديث نبوية تحث على الصيام في التاسع والعاشر من شهر محرم، لكنه ليس بنفس درجة عيد الأضحى وعيد الفطر، لذا لا يولي الناس في العالم اهتمامًا كبيرًا باحتفالية عاشوراء، باستثناء المغرب.

إلا أن صيام عاشوراء، يعود في الأصل حسبما يذكر الباحث، الحسين آيت با حسين، إلى عادة اليهود والنصارى وإلى عادة العرب في الجاهلية أيضًا؛ وذلك قبل أن يسن الصوم في الإسلام.

ويرجع البعض هذا الصيام صوم يوم عاشوراء قبل الإسلام إلى أنه كان حمدًا لله على نجاة بني إسرائيل من فرعون، والبعض الآخر يرجعه إلى نجاة نوح من الطوفان، وآخرون إلى خروج يونس من بطن الحوت، أو إلى نجاة إبراهيم من النار، أو إلى استغفار آدم ربه بعد أن طرد من الجنة.

-الموروث الشيعي

من المعلوم أن مناسبة عاشوراء لها مركزية احتفالية في العالم الشيعي، إحياًء لذكرى مأساة الحسين، حفيد الرسول الذي قُتل على يد يزيد بن معاوية، ويحي الشيعة هذه المأساة من خلال طقوس الحزن، وتعذيب الذات، والبكاء والندب بالنسبة للنساء، بوصفه نوعًا من التكفير عن ذنب عدم الالتحاق به في القتال، وتركه وحيدًا أمام جيش يزيد الأموي.

يُرجع بعض الدارسين هذه الطقوس إلى الترسبات المتبقية من ثقافة الدولة الفاطمية، التي حكمت أجزاء من شمال إفريقيا، خلال القرنين العاشر والحادي عشر الميلادي، وكان الفاطميون يدينون حينها بالمذهب الشيعي، غير أن هذه الثقافة الشيعية اندثرت بعدما قوبلت بالطمس والإقصاء، من قبل الدول السنية، التي جاءت بعد انهيار الدولة الفاطمية، مثل دولة الموحدين والمرابطين.

لكن بالرغم من ذلك، بقيت بعض تلك المظاهر الشيعية مستمرة على شكل طقوس مترسبة في بعض الاحتفالات، كمناسبة عاشوراء، وزيارات الأولياء، لكن مجمل تلك الطقوس فقدت بعدها الاكتئابي وتحولت في كثير من الأحيان إلى مظاهر بهجة واحتفال.

-الموروث الوثني

تحيل الممارسات الوثنية إلى تقديس عناصر الطبيعة والاحتفاء بها، كالماء والنار والحجر والشجر، وهي ممارسات عرفها البشر منذ تاريخ غابر، تعود لعشرات آلاف السنين قبل الديانات التوحيدية، حسب الدراسات العلمية، مما ينم عن ولع الإنسان بالعناصر المادية والإحيائية التي ينتفع منها فيضفي عليها قوى روحية.

وكانت الوثنية شائعة في شعوب شمال إفريقيا قبل مجيء الإسلام، إلا أنها لم تندثر بشكل كامل، إذ استمرت في الترسبات الثقافية والطقوس الاحتفالية إلى اليوم.

كما أن عادات تنكر الأطفال والشباب بالأزياء المصنوعة من جلود الأضاحي، المنتشرة ببعض المناطق القروية، تشير إلى أحد المظاهر الوثنية، القائمة على القناع والاحتفاء بالجلود والقرابين.

على جانب آخر، تمثل شخصية بابا نويل المغربي، المسماة، "بابا عيشور"، وهو الاسم الذي يردده الأطفال في أهازيجهم لطلب الهدايا والحلوى، أحد الجوانب الأسطورية في احتفالية عاشوراء بالمغرب، مثلما تلجأ بعض الفئات إلى السحر خلال مناسبة عاشوراء، للاعتقاد بأنها فترة خصبة لنجاح أعمال السحر.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً