تحل غدًا الذكرى الـ17 لاستشهاد الطفل محمد جمال الدرة 11 سنة، الذي أصبح بمثابة أيقونة انتفاضة الأقصى ومُلهمها، وصورتها الإنسانية في مشهد لن ينساه العالم.
ففي يوم 30 من سبتمبر عام 2000 وتحديدا في ثاني أيام انتفاضة الأقصى، تابع العالم عبر شاشات التلفاز مشهد اغتيال جيش الاحتلال الإسرائيلي للطفل محمد الدرة في حضن أبيه، والذي أظهر جزءا يسيرا مما تقترفه سلطات الاحتلال بحق المدنيين العزل بشكل عام، والطفولة الفلسطينية بشكل خاص.
ومما وثقته كاميرا (قناة فرانس 24) قبل 17 سنة، كان محمد ووالده في قطاع غزة، يختبئان خلف برميل إسمنتي بعدما فوجئا بوقوعهما وسط إطلاق النار في منطقة شهدت مواجهات مع الاحتلال، وقد حاول الأب جمال أن يحمي فلذة كبده بكل قواه، واخترق الرصاص يد الوالد اليمنى، ثم أصيب الطفل محمد بأول طلقة في رجله اليمنى وصرخ: أصابوني، فوجئ الأب بعد ذلك بخروج الرصاص من ظهر محمد.
الصغير ردد قبيل استشهاده: اطمئن يا أبي أنا بخير لا تخف منهم، رقد الطفل شهيداً على ساق أبيه، في مشهد أبكى البشرية وهز ضمائر الإنسانية.
وقد أثار إعدام الاحتلال الإسرائيلي للدرة مشاعر غضب الشعب الفلسطيني في كل مكان، وهو ما دفعه للخروج في مظاهرات غاضبة تحولت إلى مواجهات عنيفة مع الجيش الإسرائيلي في مناطق التماس.
وسعت إسرائيل للتبرؤ من قتل الدرة الصغير بعد أن هزت صورته ضمير العالم، مدعية بـ ” أن الفلسطينيين يضحون أطفالهم لتشويه صورة الكيان الإسرائيلي ” ، وهو ما دفع العديد من المؤسسات الحقوقية لتوثيق تفاصيل الجريمة.
وفي هذا السياق، خلص التحقيق الذي أجراه مركز فلسطيني حقوقي ” الميزان لحقوق الإنسان ” إلى إن إسرائيل ارتكبت جريمة بشعة وغير مبررة بحق الدرة بشكل لا يدعو للشك، وأن كل أكاذيب الاحتلال تأتي ضمن محاولات طمس الحقيقة. وأوضح المركز أن البيانات المتوفرة لديه سبق وأن عرضها أمام لجنة تقصي الحقائق الدولية التي زارت قطاع غزة برئاسة البروفسور جون دوغارد وعضوية خمسة عشر خبيراً نهاية عام 2000.
وذكر المركز، خلال إفادته للجنة في حينه، على أن الحادث انطوى على أكثر من جريمة، حيث استهدف الاحتلال سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني وقتل سائقها بسام فايز سليم البلبيسي خلال محاولته إنقاذ الطفل محمد ووالده.
كما دعت مؤسسات ناشطة في مجال حقوق الإنسان أكثر من مرة إلى فتح تحقيق دولي محايد وشفاف في جريمة اغتيال الطفل الدرة، بغية تقديم المجرمين الإسرائيليين للقضاء.
يذكر أنه بعد استشهاد الدرة الصغير بأكثر من عامين، رزق والده جمال الدرة الذي يقطن مخيم البريج للاجئين ولدًا آخر عوضًا عن فقيده، أطلق عليه ” محمد ” أيضاً تيمناً بأخيه.