تلامذة الفقر..يتامى ومتسولون وأسطوات ومطاردين في الشوارع.. حكايات أطفال حرمتهم الدنيا من التعليم (صور)

كتب :

كتب: فريدة كساب ـ أحمد عبدالراضي ـ محمد أحمد ـ محمد وجيه ـ أسماء ناصر

ثياب رثة وعيون شاحبة ووجه مزقه التعب، يقف الطفل على قدمين نحيلتين فى انتظار تعليمات معلمه فى ورشة السمكرة، التى يقف فيها نحو 16 ساعة يوميًا ليكسب 60 جنيهًا نهاية كل أسبوع، يسارع بتسليمها ليد والدته لتساعد فى سد جوع إخوته، لكن أكثر ما يؤلم "على" هو رؤيته لأقرانه من الأطفال، وهم يتوجهون كل صباح لمدارسهم فى زيهم النظيف ورائحتهم الجميلة، بينما منعته الظروف وقهر الأيام من الالتحاق بأى مدرسة.. حكاية "على" تتشابه مع حكايات آلاف الأطفال التى حرمتهم الدنيا من نور التعليم فمنهم اليتيم وبينهم العائل الوحيد لأسرته بعد وفاة السند وآخرون وجدوا أنفسهم على الرصيف للتسول ولكل ماسأة ألف وجه.. بينما تقف الدولة فى المنتصف دون أن تمد يد المساعدة لهولاء الذين تركتهم فريسة للجهل والحقد المجتمعى، والذى يخلق منهم قليلًا من الصنايعية وكثير من المجرمين الناقمين على المجتمع.. "أهل مصر" فتحت ملف التسرب التعليمى وأطفال اليتم والجوع، مدافعة عن حقهم فى التعليم مثل حقهم فى الهواء والماء.

- يتامى المنيا: بنشتغل عشان نربى اخواتنافى محافظة المنيا تسببت الظروف الاقتصادية فى حرمان عدد كبير من الأطفال من الالتحاق بالمدارس وممارسة حقهم فىالحياة كأقرانهم من الأطفال، وتعددت ماسأتهم من طفل لآخر فمنهم من دفعه الأهل للتسول والعودة بصافى الربح اليومى، وآخرون تركوا منازلهم بعلم أهليهم للمبيت على الأرصفة لمشاهدة من كانوا زملاء المدرسة فى يوم من الأيام بعد أن أجبرهم الأهل على تركها ومنهم من تحمل مسؤولية أشقائه وتربيتهم لقيام الأم بواجبات أخرى.

فعلى بعد خطوات من الشوارع المطلة على كورنيش النيل بمحافظة المنيا تجد "شيماء" تلك الطفلة الى لم تستطع أن ترافق زملاءها إلى المدرسة الابتدائية لقيامها بتحمل مسؤولية تربية شقيقيها الصغيرين من التاسعة صباحًا، وحتى الساعة السابعة مساء بأمر والدتها التى اعتادت على تركهم يرعون دون مأكل أو مشرب حتى تعود مساء بعد يوم طويل من التسول قادته بنفسها وتصطحب أبناءها إلى منزلهم.على جانب آخر يقف الطفل "محمود" عاجزًا عن العودة إلى منزله حتى نهاية كل أسبوع عندما يعود إلى والده بالمال الوفير بعد أن قرر قتل حلمه بالتعليم كأبناء بلدته، وقرر تركه للبحث عن عمل بورشة سيارات، والعودة محملًا بالمال ليقدمه إلى والده الذى لا يسمح له بالاستحمام داخل المنزل إلا إذا عاد بالمبلغ المراد، نظرات محطمة تتلاقف أبصار الفتى الصغير لزملائه الذين يذهبون إلى المدارس كل يوم ومع بداية كل عام دراسى جديد يقف الطفل خلف أسوار المدارس الحديدية للنظر لزملائه فى طابور الصباح.

ومن محمود إلى على والتى اضطرته الظروف المعيشية لترك المدرسة ومساعدة أهله بالتسول بشوارع المدينة حتى المساء ليعود محملًا بالمال فاقدًا حقه فى الحياة من تعليم يرفع عزته ومكانته.

ــ أطفال الورش بني سويف يبحثون عن حل

منذ أن بدأت ظاهرة عمل الأطفال فى مهن خطرة وشاقة، مختلفة تنتشر فى محافظة بنى سويف، فى ظل الظروف المادية السيئة لأسر هؤلاء الأطفال، بات من الأمور المتكررة أن تشاهد طفلاً بالكاد تخطى الثالثة عشرة من عمره، نائمًا أسفل سيارة يقوم بإصلاحها أوممسكًا بيده "جهاز لحام حرارى" أومستلق بجوار سيارة يقوم بنزع إطارها، فى أجواء شديدة الحرارة، وآخر يعمل فى أحد جراجات السيارات، تلك الصور وغيرها لا تغادر المخيلة لكونها أبشع حالات اغتيال طفولة هؤلاء تحت وطأة العوز والفقر.

من بين هولاء الطفل "محمد أ. ع " الذى لم يتجاوز عمره الـ10 سنوات، دفعته الظروف الاجتماعية والمادية إلى ترك دراسته بالمرحلة الابتدائية، والعمل فى هذه السن المبكرة، وبسؤاله عن سبب عمله الشاق بإحدى ورش إصلاح إطارات السيارات، علق قائلاً: "عايز أساعد أمى فى مصاريف جواز أختى عندكم حل غير إنى أشتغل؟".

فى البداية قال "محمد": أقيم مع أسرتى بقرية النجارين بمركز بنى سويف، مع والدتى وشقيقى الأصغر "محمود" وشقيقاتى "هند ورحمه وهبة" بمنزلنا البسيط بالقرية، ونعيش سويًا عقب انفصال والدى عن والدتى، منذ خمس سنوات، وأعمل صبيًا فى ورشة تصليح كاوتش إطارات السيارات حتى أتمكن من تعلم الصنعة وأصبح أُسطى زى "عم على".

وأضاف: أعمل فى الورشة منذ أقل من عامين، بعد أن عملت لفترة فى جمع الكراتين وبيعها للتجار، ولكن نصحنى أحد الجيران بالعمل فى مهنة حرفية حتى أتعلم الصنعة، وظروفنا المادية الصعبة وظروف والدتى الاجتماعية بعد انفصالها عن والدى منذ خمس سنوات هى دافعى للعمل وتحملى المسؤولية مع أمى، خاصة أنها تجهز حاليًا لزواج أختى الكبرى "هند" وأنا أساعدها فى متطلبات الزواج حتى نكون جاهزين فى الموعد الذى اتفقنا عليه مع أسرة "خطيبها".

وواصل "محمد": انقطعت عن الدراسة وأنا فى الصف الثانى الابتدائى، ولكنى أفكر جديًا فى العودة إليها مع استئناف الموسم الدراسى، على أن أنظم وقتى بين الدراسة والعمل، ولكن والدتى تطلب منى أن يكون عملى فى الورشة فى أيام الإجازات فقط، وأن أنتظم فى الدراسة طوال العام على أن أنتظم بالعمل فى الورشة خلال الإجازتين الشتوية والصفية".

وعن طبيعة عمله بالورشة، قال "محمد": أقوم بمساعدة صاحب الورشة فى فك وتركيب إطارات السيارات الأجرة والملاكى والدراجات البخارية، وتزويد كاوتش السيارات بالهواء للراغبين، وأتعلم من الأسطى على "صاحب الورشة" الإصلاحات بكاوتش السيارات وأنواعه ومزايا وعيوب كل نوع ، فضلاً عن أسرر المهنة التى لا يعلمها إلا أصحابها.

واختتم الأسطى الصغير قائلًا: أحلم بأن يمكننى الله من استكمال تعليمى وأن أدخل الجامعة، وأصبح فى يوم من الأيام صاحب ورشة، ملكى، تساعدنى على مصاعب الحياة، ولكنى إذا قدُر لى أن أتزوج سيكون همى الأول هو إبعاد أولادى عن العمل المبكر، حتى لا يرون ما أمر به الآن، مطالبًا الحكومة بتخصص معاش ملائم لأى امرأة تعول أولادًا فى المدارس "مُطلقة أو أرملة" قد يكون هذا سببًا فى الحد من عمالة الأطفال فى سن مبكرة .

ـ صغار ولكن محرومون بالبحيرة

ثياب رثة ووجه شاحب وعينان تقاومان الأرهاق يقف الطفل نور السيد 13 عامًا، على قدمين نحيلتين ليساعد معلمه فى ورشة السمكرة التى اضطر للعمل بها تحت ضغط الظروف وقهر الأيام.

بصوت رجل صغير يقول الطفل فى شموخ: "وفاة والدى جعلتنى أتحمل المسؤولية بجانب أمى، كان والدى يعمل كهربائيًا، ونحن ثلاثة إخوة، وأمى ربة منزل، وعندما توفى والدى كنت فى الصف الرابع الابتدائى، وبعد وفاته وجدت نفسى مضطرًا للعمل بورشة السمكرة وترك المدرسة لكى أساعد أمى فى تربية إخوتى، فى ظل الظروف المعيشية الصعبة".

بسؤال "نور" عن الراتب الذى يتقاضاه جراء عمله قال: "باخد 60 جنيهًا نهاية كل أسبوع"، مضيفًا أنه كان يتمنى أن يكمل تعليمه، ويلعب مع أصحابه فى المدرسة زى زمان."ما أعرفش اسمى بالكامل بس عندى 12 سنة".. بهذه الكلمات أجاب الطفل محمود 12 عامًا عند سؤاله عن اسمه كاملًا، مضيفا :"توفى والدى وأنا فى سن صغيرة، تاركا سبعة إخوة ولم أذهب إلى المدرسة، واخذتنى والدتى وسلمتنى لصاحب ورشة السمكرة، لكى أتعلم مهنة وأساعدها على تربية إخوتى".

بحسرة أكمل الطفل محمود: "كل ما يحز فى نفسى هو رؤية الأطفال فى نفس عمرى متوجهين صباح كل يوم إلى المدرسة، وملابسهم نظيفة حاملين الشنط المدرسية، وأنا بأكون رايح الورشة ويومى يبدأ من الساعة السابعة صباحًا إلى الحادية عشرة مساء، واتقاضى مبلغ 80 جنيهًا فى الأسبوع أسلمها لأمى".

وتقول الدكتورة إيمان سمير، أستاذة علم النفس بكلية الآداب جامعة الإسكندرية :إن تسرب الطلاب من التعليم مشكلة كبيرة، وتعد من أخطر الآفات التى تواجه العملية التعليمية ومستقبل الأجيال فى المجتمعات المختلفة، لكونها إهدارًا تربويًا لا يقتصر أثره على الطالب فحسب بل يتعدى ذلك إلى جميع نواحى المجتمع.

لافتة أن التسرب التعليمى يزيد من معدلات الأمية والجهل والبطالة وتضعف البنية الاقتصادية والإنتاجية للمجتمع والفرد وتزيد الاتكالية والاعتماد على الغير، كما تفرز للمجتمع ظواهر خطيرة كعمالة الأطفال واستغلالهم وظاهرة الزواج المبكر، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة حجم المشكلات الاجتماعية كانحراف الأحداث وانتشار السرقات والاعتداء على ممتلكات الآخرين.ــ 30 ألف تلميذ خارج المدرسة بسوهاج

الفقر وكثرة الإنجاب دفع الكثير من أطفال سوهاج للعمل داخل الورش والمقاهى المختلفة هذا بجانب معتقدات أولياء الأمور بالمحافظة بأن نظام التعليم بمصر يميل إلى الفشل ويؤدى إلى البطاله وأن الحرفة والصنعة هى خير وقاية من الفقر.

وتشير تقارير المنظمة الدولية لحقوق الإنسان إلى أن هناك ما يقرب من ألفى طفل بسوهاج من الأيتام حرموا من دخول المدارس بسبب عدم قدرة الأسرة على تحمل نفقاتهم المدرسية وحسب تقرير صادر من وزارة التربية والتعليم بسوهاج فإن أكثر من 30 ألف طالب وطالبة تركوا المدارس فى المرحلة الابتدائية لأسباب عديدة، منها عدم استيعابهم للتعليم أو لظروف الأسر المعيشية.

وتقول سعدية محمد فاهم، ربة منزل، من مركز المنشاة جنوب سوهاج : "توفى زوجى فى ليبيا منذ سنوات وترك لى 6 أولاد أكبرهم محمود 11 عامًا، الذى قرر أن يكون العائل بعد وفاة والدة ولجأ للعمل داخل ورشة حداده بمرتب 500 جنيه شهريًا فى بداية الأمر ليساعد أشقاءه على ظروفهم المعيشية ونجح فى ذلك حتى أصبح الآن صنايعى حدادة ودخله الشهرى 2000 جنيه والحمد لله على كل حال".أما الطفل محمود ناصر فقال: "لم أدخل مدرسة من الأساس لأن والدى يعمل فى جمع القمامة"، مضيفًا أن والده توفى وترك له حمارا وعربة كارو ووالدته مريضة ولديه 3 أشقاء غيره، قائلًا: "الحمل بقى تقيل عليا"، موضحا أنه يربح 100 جنيه فى اليوم هو وشقيقه و"على حسب الشغل ممكن تزيد ومكن تنقص وادينا عايشين"، حسب قوله.

الطفل كرم محمد عيسى، من قرية الوقات التابعة لمركز طما شمال المحافظة قصته التى تشبه سابقه، فوالده كان يعمل عامل نظافة فى مجلس مدينة طما بمرتب 600 جنيه فى الشهر، وأدخل أطفاله الستة المدارس من بينهم "كرم" حتى توفى الأب والعائل وأصبحوا غير قادرين على نفقات المدراس ولجأ الطفل كرم وشقيقه الأصغر للعمل فى مصنع للطوب كعمال نظافة بمرتب 400 جنيه للفرد .

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً