عندما يغادر كتالوني لزيارة منطقة إسبانية أخرى فإنه يعيش ما يشبه عبورًا للحدود الوطنية، فهناك يصعب عليك العثور على رمز للسيادة الإسبانية حتى مركز مدينة كتالونيا لا يرفع فيه العلم الإسباني، لكنك ستجد علم حركة استقلال كتالونيا ونفس العلم يرفرف على كل مبنى بالمدينة باستثناء الكنيسة ومركز الشرطة.
لدى كتالونيا لغة خاصة وتاريخ طويل كدولة مستقلة ذاتيًّا، وسيعد انفصالها كارثة لإسبانيا التي إذا أعلنت أن الاستفتاء غير قانوني ستواجه تمردًا مفتوحًا، خاصة بعد شعورهم بالاقتراب من هدفهم بعد فوز الانفصاليين في الانتخابات الإقليمية التي أعلنت للتو نتائجها وسط احتفالات بالخطوة الأولى.
أكبر المخاطر
تعتبر النزعة الانفصالية لإقليم كتالونيا الواقع شمال شرق إسبانيا أكبر المخاطر التي تواجهها المملكة، حيث يسكن كتالونيا أكثر من 7 مليون مواطن لهم لغتهم الخاصة وتاريخ وثقافة تجمعهم تحت حكم ذاتي لا يكفيهم، فهم ما زالوا يحلمون بالانفصال.
تمتع إقليم كتالونيا بالحكم الذاتي من عام 1932 وحتى 1939 بنهاية الحرب الأهلية الإسبانية، وجاء حكم الجنرال فرانسيسكو فرانكو على كتالونيا بكل سوء فأعدم الآلاف من الكتالونيين منهم رموز وقادة سياسيين كانوا يدافعون عن استقلال الإقليم، كما قام الجنرال بمنع تعليم اللغة الكتالانية في المدارس، ليستعيد الإقليم حكمه الذاتي بعد وفاة فرانكو عام 1975 ويعمل منذ هذا التاريخ على تعميق الفجوة بينه وبين حكومة إسبانيا المركزية بمدريد.
لم تسفر الحلول السياسية المرتجلة وقتئذ عن وضع متوازن لكنها أضافت للأزمة الاقتصادية الإسبانية، وعززت العاطفة الانفصالية لأكثر من إقليم بإسبانيا، وساهم ضعف الحكومة في إفساح المجال لزعماء الأحزاب الانفصالية لتسويق رسالتهم واستغلال تداعيات برامج التقشف وتضخم البطالة، بالإضافة إلى تزايد الاستياء من الأحزاب التقليدية لتحقيق أهدافهم السياسية، خاصة مع شعور كتالونيا بالتميز كالإقليم الأهم وعمود الاقتصاد الإسباني.
في عام 1981، تعرضت الحكومة الإسبانية لانقلاب عسكري جعلها تعيد تطبيق الدستور بشكل لم يعد يسمح لكتالونيا بالراحة بيد هذه الحكومة، وفي عام 2010 حكمت المحكمة الدستورية الإسبانية بأنه رغمًا عن إمكانية إطلاق مصطلح “أمة” على كتالونيا إلا أنه لم يعد قانونيًّا، لم يكن هذان هما السببين فقط أو أن الأمر ليس سياسيًّا بحتًا، فقبل ذلك ومع الأزمة الاقتصادية عام 2008 تفاقم التوتر بين كتالونيا ومدريد واضطرت الحكومة الكتالونية لدفع 5 مليار يورو عن إسبانيا المثقلة بالديون وقفزت بعدها البطالة في كتالونيا من 8،6% إلى 16،3 مع هجرة الكثير من جنوب إسبانيا إليها.
-الانفصاليون أمام لاعبين آخرين يهددون الفوز بالحلم
كان الانفصاليون قد وعدوا أنصارهم باستقلال كتالونيا في 2017 على أبعد تقدير، في حال فوزهم بالانتخابات الإقليمية، وبعد فوزهم أصبحوا يهددون باللجوء إلى حل راديكالي يتمثل في فرض الاستقلال كأمر واقع وإعلانه من طرف واحد خلال 18 شهرًا، في ظل سلطات كتالونية قادرة على بناء مؤسسات كالجيش والبنك المركزي والنظام القضائي، وطالبوا الكتالونيين بعصيان التشريعات وعدم تطبيق القوانين الجائرة بحق الطبقات الاجتماعية الكتالونية.
أول اللاعبين
أول اللاعبين وأهمهم هو تحالف "معًا من أجل نعم" القوة السياسية الرئيسية التي تضغط من أجل الاستقلال، وقدمت خريطة أول سبتمبر تتوقع معها الاستقلال في غضون 18 شهرًا، ويشمل التحالف منظمات سياسية واجتماعية صغيرة وتشكيلة مختلفة من المحافظين واليسار، الحزب الثاني والمفترض التحالف معه لكسب قوة هو حزب “الوحدة الشعبية” المعروف اختصارًا باسم "CUP"، وهو حزب يساري صغير يدعم الاستقلال لكنه ليس عضوًا في تحالف "معًا من أجل نعم" لعدة أسباب أهمها الخلافات الأيديولوجية وإعلانه أنه لن يدعم حكومة يقودها الرئيس الكتالوني الحالي أرتور ماس، إلا أنه يدعم الإعلان الفوري للاستقلال من جانب واحد الآن وبعد انتهاء الانتخابات الإقليمية.
ومن المعارضين للاستقلال "حزب الوسط" الذي يدعم الطريق الثالث، وهو ما يعني التفاوض مع ريال مدريد لمزيد من الحكم الذاتي والاستقلالية دون الانفصال، ومعه على الطريق "الحزب الاشتراكي الكتالوني" وهو فرع من حزب العمال الاشتراكي، ويبقى في موقف غامض تحالف “كتالونيا المحتملة” اليساري الكتالوني، فهو يحمل موقفًا غامضًا من الاستقلال، وصرح بأنه للمواطنين حقهم في تقرير المستقبل ونفى أن الاستقلال عن إسبانيا ضرورة فورية.
"حكومة مدريد" هي البطل الأخير والأخطر، فقد صرح رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي مرارًا وبشكل قاطع أن كتالونيا لن تستقل، وكسب ماريانو بتصريحاته دعم "الحزب الشعبي" الذي وافق على منح مزيد من السلطة للمحكمة الدستورية الإسبانية.
-حكومة مدريد وحدها تمسك بعصا القانون أمام الإرادة
ترى كتالونيا نفسها كأمة مستقلة بلغة وتاريخ وثقافة تعيش حالة طويلة من الإحباط مع إسبانيا، والتي بلغت ذروتها عام 2010 بحكم تاريخي من قبل المحكمة الدستورية حدد العلاقة بين كتالونيا وإسبانيا، وعزز الحكم الذاتي الكتالوني، ووافق عليه البرلمانان الإسباني والكتالوني، بالنسبة للمواطنين الكتالونيين فإن إيجاد تسوية سياسية لن يتم مع محكمة يهيمن عليها المحافظين مع خيبة أمل في مدريد وتوقع دائم لسوء النية، فمن المتوقع جدًّا أن ترفض المحكمة الدستورية الاستفتاء على الاستقلال بدفعة من حكومة مدريد، ما يجعل الاستفتاء غير شرعي ولن يضمن حضورًا جماهيريًّا كبيرًا.
سيكون رد مدريد طبيعيًّا جدًّا إذا أحالت القضية للمحكمة الدستورية كما فعلت مع الاستفتاء السابق على الاستقلال في 2014 بعدما شارك فيه 2.2 مليون مواطن، وزيادة في التعقيد فإن الحكومة الإسبانية تخطط لإصلاح دستوري من شأنه منح المزيد من الصلاحيات للمحكمة الدستورية ما يمكنها من فرض عقوبات مالية على الحكومات الإقليمية، والأهم من ذلك إقالة المسؤولين "المنتهكين للدستور"، وتمرير قانون يمنح الحكومة المركزية سلطة لتجاوز البرلمان والتهديد بتعليق الحكم الذاتي للمنطقة في حالات الطوارئ، ومن وجهة نظر مدريد فإن هذه التدابير ستضمن قوة للمحكمة الدستورية بما يكفيها للعمل في حالة ضعف الحكومة الرئيسية بمدريد بعد الانتخابات العامة في ديسمبر.
-اقتصاد إسبانيا مهدد بشكل كامل إذا لم يتم الاتفاق
تعاني أوروبا من أزمة اقتصادية منذ عام 2008 تتفاقم مع دعوات كتالونيا من أجل الاستقلال، من قبل هذا وكتالونيا تواجه أزمتها الخاصة وعجزًا في الميزانية ناتجًا عن الضرائب التي تدفعها لحكومة إسبانيا المركزية، فوفقًا لحكومة كتالونيا فإنها تدفع 16 مليار يورو لمدريد حتى أصبحت الضرائب عبئًا عليها بحلول 2008 وتطلب منها اتخاذ تدابير تقشفية عميقة مقابل تشدد الحكومة المركزية لتجد كتالونيا أن مستقبل شعبها يكمن بعيدًا عن إسبانيا.
إن ولادة دولة كتالونية مستقلة يحمل عواقب سيئة لإسبانيا وأوروبا باقتصادها الهش، ففي المقام الأول سيكون فقدان 20% من الناتج المحلي لكتالونيا إضعافًا للاقتصاد الإسباني، فكتالونيا بها 16% من سكان إسبانيا وما يقرب من خمس الاقتصاد، ثانيًا فإن كتالونيا مركز رئيسي لنقل 70% من الصادرات الإسبانية، وبالتالي إذا استقلت كتالونيا فإن تكاليف نقل هذه المنتجات سيزيد من ضعف الاقتصاد الإسباني، كما أن كتالونيا هي موطن لكثير من أكبر الشركات الإسبانية والمؤسسات البحثية وعاصمتها برشلونة تعد واحدة من مدن العالم الكبرى وتجذب ضعف السياح المتجهين لمدريد كل عام، وأخيرًا فإن كتالونيا وحدها تنتج 45% من صادرات إسبانيا التكنولوجية من سيارات ومنتجات إلكترونية، وكل هذا سيجعل من خسارة المنطقة الأكثر إنتاجًا بإسبانيا خسارة فادحة تشكك في استقرارها.
سيحمل الاستقلال عواقبه على كتالونيا أيضًا، فالصادرات التي تشكل جزءًا أساسيًا من اقتصادها ستقف أمام حالة اللايقين من الحدود الجديدة أمامها، ففرنسا الوجهة الأولى للصادرات الكتالانية ترفض الانفصال وربما تلجأ لمناطق إسبانية أخرى إذا فرضت إسبانيا حصارًا على الدولة الجديدة، الأسوأ بالنسبة لكتالونيا هو احتمال قائم بعدم قبولها بالاتحاد الأوروبي لأن انضمام دول جديدة لعضوية الاتحاد يتطلب موافقة بالإجماع، وبالتالي استحالة قبول إسبانيا عضوية كتالونيا في حال انفصالها عن إسبانيا، مما يحرمها من خفض الديون الإقليمية، الدور الذي كانت تقوم به الحكومة الإسبانية وبالتالي ستكون كتالونيا المستقلة عرضة لخطر الوقوع في أزمة ديون مماثلة لإسبانيا.
يقول المتفائلون من أنصار الاستقلال إن بيد كتالونيا إعادة استثمار أموال الضرائب التي ترسلها لحكومة مدريد، وهو ما يعادل 9% من إجمالي الناتج المحلي؛ مما يرفع قدرة كتالونيا على منافسة إسبانيا، هذه النتيجة ممكنة لكن على المدى الطويل، ولكن ما يؤكده الاقتصاديون أنه ما إن وقعت كتالونيا وإسبانيا في مثل هذا الاضطراب السياسي والاقتصادي سيكون التفاوض في مصلحتهما قبل الوقوع في أزمة كبيرة.
-الأرض
ستخسر إسبانيا مساحة من الأرض تقدر بحوالي 33 ألف كيلومتر مربع هي مساحة الإقليم الكتالوني،معنى هذا أن إسبانيا ستخسر 8% من إجمالي مساحتها.
فريق برشلونة
يوم الثلاثاء الماضي أكد رئيس الرابطة الإسبانية لكرة القدم خافيير تيباس أن فريقي برشلونة وإسبانيول لكرة القدم لن يلعبا مجددًا في الدوري الإسباني في حالة التصويت على استقلال إقليم كتالونيا.
رئيس الرابطة صرح قائلًا القوانين الحالية في إسبانيا، تمنع مشاركة فرق من دولة أخرى في المسابقات المحلية، باستثناء أندورا.
وسيحدث هذا الأمر هزة كبيرة في كرة القدم الإسبانية، فغالبية شعبية كرة القدم الإسبانية على الصعيد العالمي سببها كل من فريقي ريال مدريد وبرشلونة، وبالتالي ستخسر كرة القدم الإسبانية الكثير على المستويين المالي والكروي إذا ما رحل عنها فريق برشلونة.
لاحظ أيضًا أن 5 من اللاعبين الـ11 الذين توجوا بلقب كأس العالم 2010م في جنوب إفريقيا والذين شاركوا بالمباراة النهائية كأساسيين كانوا من إقليم كتالونيا.
الباسك
في حالة نجاح إقليم كتالونيا في الاستقلال فإن هذا الأمر سينعكس بمنتهى القوة على سكان إقليم الباسك.
الباسكيون، وهم أكثر تطرفًا من الكتالونيين، سيقومون بالبحث عن كيفية استقلال إقليمهم بشتى السبل.
ولم تنس إسبانيا حتى الآن ما قامت به منظمة إيتا الانفصالية الباسكية من أعمال مسلحة حتى قبلت أخيرًا بالتخلي عن السلاح منذ 3 سنوات.
الباسك أعلنت بالفعل رغبتها في الانفصال عن الأراضي الإسبانية بدءًا من العام القادم.
وما الذي ستخسره كتالونيا أيضًا؟
على الجانب الآخر فإن استقلال إقليم كتالونيا سيتسبب في خسائر كبيرة للإقليم على المدى القريب.
فطبقًا لما ذكره محافظ البنك المركزي الإسباني لويس ليندي فإن استقلال الإقليم يعني خروجه من منطقة اليورو وسيفقد الإقليم قدرته على الدخول إلى النظام الائتماني للبنك الأوروبي المركزي.
محافظ البنك حذر أيضًا من إمكانية أن تعاني كتالونيا من أزمة اقتصادية شبيهة بالأزمة الاقتصادية الخاصة باليونان.
على جانب آخر فإن فريق مثل برشلونة سيعاني بشدة على المستوى الاقتصادي والكروي في حال ابتعاده عن الدوري الإسباني لكرة القدم، أبرز الخسائر ستتمثل في عدم قدرته على المشاركة الأوروبية لأن كتالونيا بعد استقلالها مباشرة لن تكون تابعة للاتحاد الأوروبي لكرة القدم وذلك بانتظار مفاوضات ستستمر سنوات عديدة.
مستوى الندية الكتالونية ضعيف بشكل واضح مما سيجعل الدوري الكتالوني غير مثير وذي مستوى كروي منخفض مما يبعد الجماهير العالمية عنه نتيجة انخفاض أداء حتى لاعبي فريق برشلونة بسبب انعدام المنافسة.