"بعد المديح فى المكمل، أحمد أبو درب سالك، أحكى فى سيرة وأكمل، عرب يذكروا قبل ذلك، سيرة عرب أقدمين، كانوا ناس يخشوا الملامة، رئيسهم أسد سبع ومتين، يسمى الهلالي سلامة"، مقدمة غنائية التف حولها الملايين من عشاق حكايات بني هلال الذين يجوبون بلدان العرب ولقاء "أبو زيد الهلالي" مع "الزناتي خليفة"، والتي كان العرب يتداولونها منذ آلاف السنين، قبل أن تصل إلى صعيد مصر، على أنغام ربابة "الضوي" الشهيرة وكلمات الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، كانت تلك هى مفتتح جلساتهم وحفلاتهم، لكن "الربابة" اليوم تحولت إلى آهات الألم من أمراض الشيخوخة والتهابات الصدر التى تغلبت على صانع تلك الربابة، وجعلته طريح الفراش داخل منزله بمركز قوص.
على أعتاب العقد الثامن من العمر، يقف أقدم صانعي الربابة فى محافظة قنا، التى حظيت بأشهر "القوالين" الذين حفظوا دروب السيرة الهلالية عن ظهر قلب، يصارع مرضه الذى أصابه مؤخرا، واقعده عن العمل، فى ورشته الصغيرة التى احتضنها منزله الصغير.
تروى سمرة وجهه، فصول عشقه لهوايته، التى جانبت عمله فى هيئة البريد، وهو قابض على ربابة اتقنت أنامله صناعتها قبل 60 عام، ولا زال محتفظا بها، وهو يحكى لمحرر "أهل مصر" عن بداية تلك الهواية التى ذاع صيته بها، حتى بلغ الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى، فطلب منه "الخال" صناعة واحدة له.جاب الرب خليل محمد، البالغ من العمر قرابة الـ80 عامًا، والمقيم بمركز قوص جنوب محافظة قنا، الذي عمل موظفًا في هيئة البريد المصري قبل إحالته إلى سن التقاعد القانوني، المعاش، ليتفرغ لمصنعه الصغير الذي خصصه لصناعة ألة – الربابة الشعبية – والمصنعة من الخشب باختلاف أنواعه، ومن ثم يقوم ببيعها لعشاق السيرة الهلالية ومريديها.
يقول صانع الربابة، إن قصة عمله وعشقه للربابة والسيرة الهلالية، بدأت عندما تحدث مع صديقه السيد الضوي، أقدم رواة السيرة الهلالية في مصر، والذي توفي قبل قرابة عام، وأخبره أنه قد يتمكن من تصنيع الربابة من خشب الزان، حتى وافق الضوي على عرضه، ورافقته ربابة جاب الرب في مختلف حفلاته الشعبية والثقافية المختلفة.وتابع جاب الرب، في حديثه لـ" أهل مصر": "أنا مش نجار أنا هاوي صناعة الربابة، وأنا أول وأقدم صانع للربابة في الصعيد كله، وكل الصعايدة ورواة السيرة وفرقهم كانوا يأخدوا مني الربابة التى أقوم بتصنيعها، حتى أصبحت مهنة أهواها وأعشقها إلى جانب مهنتي ووظيفتي الحكومية".وأشار، إلى إنه بدأ عمله في تصنيع أول ربابة لراوي السيرة الهلالية السيد الضوي، والتى استخدمها مرات متعددة في حفلاته مع الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي، لافتًا إلى أنه بعد أن عرض على "الضوي" تصنيع ربابته الخاصة بعد تهالك الربابة التى كان يستخدمها وافق على طلبه، وجلس في ورشته الصغيرة داخل منزله لمدة يومًا كاملًا يصنع الربابة حتى أصبح "الضوي" لا يستخدم سوى ربابته هو فقط.وأكد صانع الربابة، إن الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، كان يأخذ منه أكتر من مرة ربابة، ويقوم بإهداؤها إلى أصدقاؤه في مصر وخارج مصر، حتى قبل وفاته بسنوات قليلة، موضحا: " الأبنودي كان بيقولى إيدك تتلف فى حرير يا عم الحاج لما بيشوفنى فى الحفلات اللى كنت بحضرها ليه هو والسيد الضوي".وشدد جاب الرب، على أنه لم ولن ينسى أقدم رواة السيرة في العالم كله السيد الضوي، وأيضًا عبد الرحمن الأبنودي، فهم تراث الثقافة الشعبية التى انتشرت من محافظات الصعيد، خاصة محافظة قنا، ووصولًا إلى الدول العربية والعالمية بأكملها، وأصبحت علامة مميزة وفارقة في مصر وصعيدها".
ولفت صانع الربابة، إلى أن الحكومة لم تسأل عنه، ولم تقدم له أي شيئًا، حيث لم يسأل عنه الموظفين في الفروع المختلفة لمراكز الثقافة في مدن ومراكز قنا، وذلك على الرغم من أنه يمتلك فنًا مختلفًا وهو صناعة الربابة، منوهًا إلى أنه عاش يعشق ذلك التراث القديم ويهواه، حتى بات طريح الفراش، مؤكدًا أنه علم أبناؤه صناعة الربابة وأكسبهم خبرته في تلك الصناعة.وتبقى صناعة الحاج جاب الرب، باقيةً كما بقيت دروب السيرة الهلالية في وجدان أبناء محافظة قنا بل ومحافظات الصعيد بأكملها، وذلك على الرغم من الحداثة والتطور، التى واكبت الآلات الموسيقية لتبقى شاهدةً على أن من يهوى شيئًا ويعشقه حتمًا، لابد أن يبرع فيه.