"الغنوة مثلها مثل الجندي الذي يقف على الجبهة، فالغنوة رسالة ولابد أن تصل تلك الرسالة إلى كل الناس بجميع فئاتهم وطوائفهم ومستوياتهم الاجتماعية"، بهذه الكلمات وصف الشاعر الراحل "عبد الرحيم منصور" الأعمال الغنائية بصفة عامة، وهو خاض مجموعة من الصراعات حتى تصل الأعمال الخاصة به إلى الناس وضمن هذه الأعمال أغنية "وانا على الربابة باغني" التي شدت بها الصوت الجزائري الشهير "وردة".
وقصة الأغنية الوطنية "وأنا على الربابة باغني" لا يعلم عنها كثير منا، وهي الأغنية التي لحنها العبقري "بليغ حمدي"، بعد عبور قواتنا المسلحة المصرية قناة السويس في حرب أكتوبر 1973، وهي أغنية لها كواليس نستعرضها في التقرير التالي.
البداية خناقة على باب ماسبيرو
الإعلامي الكبير الراحل وجدي الحكيم، الذي كان يشغل منصب رئيس لجنة التراث باتحاد الإذاعة والتلفزيون، روى قصة هذه الأغنية قائلًا إنه تفاجأ بعد عبور قناة السويس، بوجود بليغ بصحبة وردة وعبدالرحيم منصور، يريدون الدخول إلى مبنى ماسبيرو، إلا أن الأمن منعهم، فحدثت مشادات كلامية بين الطرفين، وصلت إلى حد التشابك بالأيدي.
وعندما علم بذلك نزل إليهم فورًا، وقال لهم: "مفيش فلوس لإنتاج أغاني"، فرد عليه بليغ: "ومفيش قوة في الأرض تمنعني من تقديم واجبي نحو بلادي، ومستعد للتبرع بأجري ودفع كل مصروفات الفرقة من جيبي الخاص".
عندئذٍ أبلغ وجدي الحكيم "بابا شارو" رئيس الإذاعة وقتها، فأمر بدخولهم، وفتح الاستوديو لهم، ونفذوا الأغنية في أقل من ساعتين، بديكور مسلسل للفنان نور الدمرداش، وبمجرد إذاعة الأغنية حققت نجاحًا كبيرًا، وأصبح يرددها الشارع المصري، والجنود على الجبهة.
الأفرول الميري
أما الإذاعي القدير حمدي الكنيسي، الذي كان مراسلًا حربيًا وشهد الساعات الأولى للعبور، قال: "فى أحد الأيام وأنا عائد لتوي من الجبهة، طلب مني بليغ حمدى الذهاب فورًا لاستوديو 36 بماسبيرو، فطلبت منه الانتظار حتى أستبدل ملابسى، إلا أنه أصر على حضوري بـ"الأفرول الميري"، وأقنعني بأن هذا الزي سوف يعطي إحساسًا حقيقيًا لوردة بـ"جو الحرب".. وبالفعل وقفت أمامها وهي تشدو بهذه الأغنية الوطنية.