اعلان

"الهروب من الموت".. متعاطون يحاربون الإدمان بعيدًا عن الأهل والأسرة: "تبدأ باكتئاب وتنتهي بحقنة تحت الجلد"

كان طفلًا في الثانية عشر من عمره، متفوق دراسيًا، لا يحمل همًا في الحياة إلا الحصول على مؤهل عالي، وفي إحدى الليالي وقع حادث سير لوالده، ليتحول "محمد" من طالب إلى عامل صغير في إحد المصانع الغذائية بالشرقية، تمر الأيام، ليقع في الغرام، وبعد 7 أعوام ترفض العائلة ذلك الارتباط، لتبعد الفتاة ويدخل في دوامة من فقدان الشعور بالحياة، فقد السيطرة على نفسه فاتجه لشرب السجائر، وبدأ أولى خطواته في طريق الإدمان، والتواري عن أعين المجتمع.

- عدم القدرة على الانفاق:سنين تمر وجسد محمد يحترق من كثرة دخان السجائر، لينتقل منذ 3 سنوات للعمل في شركة ثلج في القاهرة، وفي إحدى الأيام التي يقضيها في العمل، وضع القدر أمامه فتاة تصغره بـ4 سنوات، ليدق قلبه مرة أخرى للحب، تمر مراسم الزفاف سريعًا، وتختفي فرحة الزواج بعدم القدرة على الانفاق، ليدخل محمد الذي أتم عامه الـ25 في دوامة أخرى من الأحزان، ويلجأ إلى تعاطي "البودرة".

- الاكتئاب إحدى طرق تعاطي المواد المخدرة:انضم محمد منذ عام ونصف إلى فئة أفراد المجتمع الذين يلجأون إلى التعاطي بسبب الاكتئاب، حيث يعادل عددهم 34.8% من إجمالي المجتمع حسبما ذكرت الدكتورة غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي ورئيس مجلس إدارة صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، قبل افتتاحها المركز الوطني لمكافحة الإدمان والتعاطي، يناير الماضي.

- قرار العودة إلى الحياة الطبيعية:يومًا تلو الآخر، تنزلق قدم محمد في طريق الأدمان، ليتذكر قراره الذي اتخذه قبل تناول أولى حبات "البودرة"، أن هناك يومًا سيترك فيه ذلك المجال الذي يمتلئ بأفراد من قاع المجتمع، لا يتعاملون إلا بالأسلحة البيضاء والألفاظ الخادشة للحياء، ويتعاملون مع غيره وهم تحت تأثير المواد المخدرة، فيقول: "قبل ما اتعاطى بودرة أنا قعدت مع الناس اللي بتشمها، عرفت أزاي انسحب والجرعات والأنواع، لأني عارف أن في يوم هبعد عن البودرة وأرجع لحياتي الطبيعية".

- قرار الامتناع عن المواد المخدرة:

بدأ محمد الشاب الذي يداعبه حلم الحصول على وظيفة تؤمن له حياة كريمة كل ثانية، حسب حديثه لـ"أهل مصر"، بالخروج تدريجيًا من عالم المواد المخدرة، في الوقت الذي لم يدرك أحد من أفراد عائلته وأسرته أنه اعتاد على تعاطي "البودرة"، فيقول: "بتابع مع دكتور والحمد لله قربت أدخل على شهرين وأنا بعيد عن البودرة وواثق أني هنجح.. كل اللي حصل ده من ورا أهلي وزوجتي، يارب أقدر أكمل على الطريق الصح".

- 6 أشهر من تعاطي "بودرة":

وفي إحدى قرى الصعيد، يحاول مصطفى، الشاب الذي يبلغ من العمر 30 عامًا، أن يستمر في طريق التعافي، فقد أرهقه تعاطي "البودرة"، خلال الـ6 أشهر الماضي، والإرهاق الأكبر هو إخفاء الأمر عن عائلته في المنزل، يقول مصطفى لـ"أهل مصر": "بدأت في تعاطى البودرة من 6 شهور، أنا بشم بس مش بضرب حقن.. بس تعبت مش عارف أعيش حياتي وأتجوز.. أنا في بيت عيلة وكملت 30 سنة من غير جواز، أهلي بيضغطوا عليا أتجوز وأنا خايف من الفضايح لو العروسة أكتشفت أني مدمن".

- أصدقاء السوء طريق سريع للأدمان:

بدأ مصطفى الشاب الذي يندرج من عائلة معروفة في محافظة أسيوط، في تعاطي البودرة من خلال صداقة جمعته بعدد من شباب القرية التي يقيم بها، ونظرًا للميول الانحرافية التي أعتاد هولاء الشباب على سلوكها، أتجه معظهم إلى ترك "الحشيش" وتعاطي "البودرة"، ليدخلوا عالمًا من السعادة الوهمية، ومصطفى بصفته واحدًا من هولاء الشباب، اعتاد أن يتعاطى "بودرة" مثل أصدقائه، فيروي: "مرة ورا مرة بقيت أضرب بودرة زيهم، هي في الأول متعبة وفي أيام بتخليك سعيد لكن بعد فترة بتبقى زي الثور الهايج لو مخدتش الجرعة في معادها".

- جرعة زائدة تضع مصطفى على طريق الموت:

قبل شهر، تناول مصطفى جرعة زائدة من "البودرة"، ليغشى عليه وينقله أصدقائه إلى المستشفى، ويهاتف واحدًا من أصدقائه أفراد عائلته، مدعيًا أن مصطفى اضطر للسفر سريعًا ومن المقرر أن يعود خلال أيام، مرت 3 أيام إلى أن استعاد مصطفى عافيته، ليقرر منذ ذلك اليوم الابتعاد عن "البودرة"، فيقول: "من يوم ما قعدت في المستشفى بين الحياة والموت، وأنا قررت إن لازم أبعد عن العالم ده وأرجع لحياتي الطبيعية"، مضيفًا: "رجعت البيت وبقالي شهر بعيد عن البودرة".

- برنامج للابتعاد عن "البودرة":

بدأ مصطفى الذي يحاول العودة إلى الحياة الطبيعية مرة أخرى في وضع برنامج ذاتي للامتناع عن تعاطي البودرة، فيقول: "حطيت برنامج لنفسي وكل ما أفكر في البودرة أنزل أترمي في حضن أمي، هي الوحيدة اللي بتحن عليا وبنام بعدها، وأصحى أروح شغلي، وبقالي على الحال ده شهر، يارب أمي تفضل جمبي للنهاية، هي مصدر قوتي رغم أنها متعرفش حاجة".

- البحث عن فرصة عمل في المدنية المزدحمة:

وفي إحدى أحياء القاهرة المزدحمة، يعيش صبري الشاب الذي وصل به قطار العمر إلى محطة الـ28، وحيدًا، بعد أن تركه عائلته التي تقطن في محافظة المنوفية، وانتقل إلى القاهرة بحثُا عن فرصة عمل، بعد أن تخرج منذ 4 أعوام من كلية الآداب جامعة المنوفية.

- توزيع المواد المخدرة:

التحق صبري للعمل في إحدى شركات المقاولات الصغيرة في القاهرة، وفي يومًا من الأيام تمت دعوته من قبل أحد أصدقائه في العمل، لحضور حفل زفاف شقيقته، وخلال ذلك الحفل، فوجئ صبري بوجود كميات كبيرة من "البودرة والكحوليات" على كل منضدة داخل حفل الزفاف، وبعد دقائق عرض صديق صبري الذي يدعى "أحمد"، عليه كمية من البودرة، في البداية رفض ولكن بعد اللحاح من قبل أحمد وافق صبري على تعاطي "البودرة"، ويقول: "أول ما شوفت البودرة كان هيغم عليا.. إزاى الحاجات دي موجودة كده في الشارع!.. وبعد اللحاح أحمد عليا شميت معاهم، دوخت ووصلوني البيت وتاني يوم صحيت دماغي هتنفجر من الصداع".

- الأضرار واضحة لكن الابتعاد ممنوع:

بالرغم مما حدث في تلك الليلة إلا أن صبري قرر أن يجرب الدخول في عالم التعاطي، للاطلاع فقط، ولكن يومًا تلو الآخر بدأ في تناول جرعات من "البودرة"، مع زملائه، وفي أحدى الليالي حدثت مشاجرة عنيفة بينه وبين أحد أصدقائه، ووصل الأمر إلى تهديه بأخبار أهله إنه مدمن، ويقول صبري: "بقيت متعود أضرب بودرة.. وفي مرة حصلت خناقة بيني وبين واحد من أصحابي فهددني يقول لأهلي أني مدمن".

- قرار الابتعاد عن التعاطي:

4 ليالي على تلك الواقعة، وصبري يختبأ في منزله، ليقرر بعدها أن يتعالج، ويقول: "قررت بعدها أتعالج وروحت لدكاترة في المجال ده وبقالي 5 شهور الحمد لله مش بضرب، لكن الوقت ده كله مسافرتش لأهلى ليظهر عليا أعراض الانسحاب اللي كانت موت بالنسبة ليا".

- الاعتماد على النفس:

يشكل علم الاجتماع حيز كبير في الحياة الشخصية، ومشاكل المجتمع، وتقول الدكتورة هالة يسري، أستاذ علم الاجتماع وخبيرة العلاقات الأسرية، إن الاعتماد على النفس في حل المشاكل، يعبر عن القوة ويعد شيئًا محمودًا في المجتمع، ولكن في الوقت ذاته، يحتاج الشباب الذي وضعهم القدر على طريق الأدمان، إلى المساندة من قبل أفرد العائلة، قد يكون الأب أو الأم أو أحد الأقارب، فالشخص المتعاطي له حق أختيار من يسانده في رحلة العلاج، ولكن يجب أن يكون ذلك الشخص محل ثقة.

- الإدمان طريق بطيء للانتحار:

وأشارت أستاذة علم الاجتماع خبيرة العلاقات الأسرية، في تصريح خاص لـ"أهل مصر" أن الشباب الذين يلجأون للأدمان بعد المعاناة من الاكتئاب، يعد ذلك انتحارًا، موضحة أن الشخص الذي يحاول الخروج من دائرة التعاطي، قارد على أن يكون نموذجًا يحتذي به في المجتمع.

- قرار الابتعاد في غاية الصعوبة:

كما يشكل الطب النفسي عاملًا أساسيًا في رحلة العلاج من الأدمان، فيقول الدكتور مصطفى عبده، الأخصائي النفسي، أن قرار الابتعاد عن تعاطي المواد المخدرة ليس سهلًا على بعض المتعاطين، وتختلف الحجج التي يتخذها المتعاطي طريقًا للتخلص من تساؤلات الأهل التي دائمًا ترغب في معرفة سبب ظهور أسمرار أسفل العين وعدم القدرة على تحمل المجهود، من خلال عدة طرق، منها ادعاء المرض، ويقول الشاب في تلك الحالة: "عندي برد وروحت للصيدلي وقالي هتفضل تعبان أسبوع وبعدها هتكون كويس".

- مدة الانسحاب تختلف من شخص لآخر:

ويوضح الأخصائي النفسي في تصريح خاص لـ"أهل مصر"، أن الطريق الثاني لأخفاء أعراض الانسحاب، هي السفر بصحبة الأصدقاء إلى مكان بعيد، ليدع المتعاطي علامات الانسحاب تظهر عليه دون تحمل الآلام مضاعفة لاخفائها، مشيرًا إلى أن الشخص المتعاطي يتحمل آلمًا شديدة في تلك المرحلة التي يمكن أن تنتهي خلال أسبوع فقط، في الوقت الذي تستمر فيه أعراض الانسحاب أسبوعين عند متعاطي أخر، مؤكدًا أن مدة الانسحاب تختلف من متعاطي لآخر طبقًا لطبيعة تقبل جسده للمواد المخدرة.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً