علت الأصوات في الكونجرس مايو الماضي تطالب بخفض المعونة الأمريكية عن مصر إلى 112 مليون دولار، بدلا من 150 مليونا، بزعم انتهاك مصر لحقوق الإنسان، ولكن جاءت الضربة الكبري من الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما زار امريكا الشهر الماضي ليضع بين أيدي بعض أعضاء الكونجري و غرفة التجارة الأمريكية أدلة جديدة تثبت تورط الـ"سي آي ايه" في انتهاك حقوق الانسان بشكل لا يستهان به داخل معتقلاتها.
وهذا ما كشفته صحيفة الواشنطن بوست عن تقرير "سري" حصلت علي نسخة منه قدمت فيه مصر "العار" الأمريكي علي حقوق الإنسان أكد تورط وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) في وقائع تعذيب، واحتجاز غير قانوني، واستخدام طرق غير قانونية في انتزاع المعلومات والاعترافات من المتهمين بـ "الإرهاب" بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.
واحتوي التقرير علي معلومات ووثائق و مراسلات بين الجهاز وأجهزة امنية إسرائيلية، كما كذبت السي أي أيه بخصوص تلك المعلومات علي الكونجرس الذي اكتشفها مؤخراً ويعقد تحقيق سري في هذه الأيام.
تضمن برنامج التعذيب والاعتقال أخطاء فادحة من الجانب القانوني، والإداري، والاستخباراتي، ومن جانب انتهاكات حقوق الإنسان.
بعد أيام من هجمات الحادي عشر من سبتمبر أعطى الرئيس جورج بوش الابن لوكالة الاستخبارات المركزية سي آي أيه سلطة كبيرة منها اعتقال، وقتل عناصر تنظيم القاعدة حول العالم.
وفي فبراير عام 2002 وقع بوش أمرًا تنفيذيًّا أقر بموجبه أن المادة 3 لاتفاقية جنيف الخاصة بحظر التعذيب، والتشويه، والمعاملة القاسية لا تنطبق على معتقلي طالبان أو القاعدة.
وفي أغسطس من نفس العام، أصدر جاي بايبي رئيس مكتب الاستشارات القانونية بوزارة العدل مذكرة أعطى بموجبها "سي آي أيه" حق استخدام أساليب التعذيب القاسية.
وفي سبتمبر من نفس العام، تم إطلاع أعضاء لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ لأول مرة على استخدام الآليات الجديدة.
في يناير 2003: يبلغ عدد المحتجزين بالبرنامج 40 شخصًا، وكتب "جورج تينيت" مدير وكالة الاستخبارات ورقة الإرشادات الرسمية الخاصة بالاستجواب.
مارس 2004: استخدمت تقنية الإيهام بالغرق 183 مرة ضد خالد شيخ محمد الذي يصف نفسه بمخطط هجمات 11 سبتمبر؛ وفي سبتمبر من نفس العام تم إطلاع وزير الخارجية "كولن بول" ووزير الدفاع "دونالد رامسفيلد" لأول مرة على تفاصيل البرنامج.
أبريل 2005: استقبل جورج بوش التقرير الأول حول البرنامج وكان يتضمن صورة لمعتقل مقيد بالسلاسل إلى السقف ويرتدي حفاضة بعد أن اضطر للتبول على نفسه.
مايو 2005: نشرت أنباء لأول مرة في الصحافة حول البرنامج السري من قبل صحيفة "واشنطن بوست"، بعدها يتم تدمير أشرطة الاستجواب، قبل أن يُصدّق مجلس النواب على قانون يحظر المعاملة القاسية للسجناء، بعدها يرسل مدير "سي آي أيه" إلى البيت الأبيض يخبره أنه سيواصل الاستجوابات دون الحصول على إذن مجددًا من وزارة العدل.
يونيو 2006: ألغت المحكمة العليا قرار بوش، وقالت إن مبادئ اتفاق جنيف تسري على كل المعتقلين.
أكتوبر 2006: وقع بوش على قانون اللجان العسكرية الذي يتضمن قواعد جديدة لملاحقة المتهمين بالإرهاب؛ مما سمح لوكالة المخابرات باستئناف البرنامج السري بعد رفع العراقيل عنه.
وفقًا للتقرير فقد تم إيقاف أساليب الاستجواب القاسية تمامًا بعد 8 نوفمبر 2007؛ وفي إبريل 2008 لم يعد هناك أي محتجز من قبل سي آي أيه.
يناير 2009: أوباما يقرر إيقاف البرنامج، وإيقاف أي اعتقالات جديدة في سجن جوانتانامو، وإغلاق جميع السجون السرية، وحظر أساليب التعذيب البدني التي يستخدمها محققو سي آي أيه.
يشرح التقرير عدة وسائل قاسية استخدمتها وكالة الاستخبارات الأمريكية أثناء التحقيق مع المتهمين بالإرهاب أو الانتماء إلى تنظيم القاعدة، كان أفظعها: التعذيب بالماء، والمنع من النوم لمدة تصل إلى أسبوع، والتهديد بالقتل، والإطعام القسري عبر فتحة الشرج، ونزع الملابس عن المعتقلين، والتحرش الجنسي بهم.
لم يكُن التعذيب بدنياً فحسب؛ فالآثار النفسية الناتجة عن الظروف المُهينة والقاسية للاحتجاز أدت إلى مقتل أحد المعتقلين، ووصف التقرير تعرض الكثير من المحتجزين إلى اضطرابات نفسية وسلوكية، كالهلاوس، وجنون الاضطهاد، والأرق، والنزعات الانتحارية وتعذيب النفس.
لكن كيف استمر ذلك لمدة تجاوزت الستة أعوام؟ يقول التقرير إن "سي آي أيه" قد قاومت سلطات التحقيق التابعة للكونجرس الأمريكي، وعطّلت وصولهم إلى المعلومات،ورفضت الإجابة عن تساؤلاتهم، بل وقدمت معلومات مغلوطة إلى مدير الاستخبارات نفسه حين حاول فرض الرقابة على البرنامج.
لم تمر هذه الوسائل دون اعتراض من بعض المستجوبين وضباط "سي آي أيه"، لكن هؤلاء كانوا دائمًا ما يواجهون بأوامر عليا بالاستمرار في طريقة الاستجواب الجديدة.
كان المسؤولون عن البرنامج وكبار مديري الاستخبارات الأمريكية يصفون إجراءات الاستجواب، رغم أن العديد من الضباط قد عبّروا عن قلقهم بشأن مدى قانونية استخدام وسائل مثل التعذيب بالماء في الاستجواب.
وأصرت "سي آي أيه" على أن إجمالي عدد المعتقلين لا يتجاوز 98، لكن التحقيق رصد خضوع 119 شخصًا إلى الاعتقال وفقًا للبرنامج، تعرَّض 39 منهم على الأقل إلى التعذيب.
كما تسبب الخلل في تطبيق شروط الاعتقال وفقًا للبرنامج في احتجاز 26 شخصًا دون وجه حق، كان أحدهم "معاقًا ذهنيًا" اعتقلته امريكا لإجبار أحد أفراد أسرته على الإدلاء بمعلومات.
كيف استمرت في هذا البرنامج حتي الآن؟
هنا فجرت الصحيفة مفاجأة من العيار الثقيل هي أن الرئيس ترامب أمر بتوفير الغطاء القانوني والتشريعي للتعذيب والاعتقال غير القانوني واستمرار البرنامج.
كما أن التوزيع الجغرافي لأماكن التعذيب والاحتجاز كان دائمًا يقع خارج رقابة السلطات التنفيذية الأمريكية.
في عام 2013، قدر تقرير لمؤسسة Open Society تحت عنوان "عولمة التعذيب" عن برنامج "سي آي أيه" عدد الدول التي اشتركت مع الولايات المتحدة الأمريكية في البرنامج، سواء بالمساعدة الاستخباراتية والأمنية أو القيام بالتعذيب على أراضيها، بـ 54 دولة، 25 منها في أوروبا، والباقي موزع على أنحاء العالم، ومن بينها عدة دول عربية كان أبرزها إسرائيل، وتركيا، وليبيا، وقطر.
سبب آخر يكشفه التقرير الجديد هو أن "سي آي أيه" كانت تقدم باستمرار معلومات للصحافة الأمريكية على هيئة تسريبات، تبالغ في النجاحات التي حققها البرنامج لحشد التأييد الشعبي والسياسي لبرنامج التعذيب باعتباره ضروريًّا لمواجهة الإرهاب.
لرؤية نسخة التقرير الذي سلمته مصر للكونجرس كامل :
من هنا