كان طبيعياً أن تثير زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز لموسكو تكهنات كثيرة وتساؤلات أيضاً، وخصوصاً أنها الأولى لعاهل سعودي لروسيا، خاصة و أن السعودية حليف قوي لامريكا لكن احياناً تختلف توازنات القوي بما يتناسب مع المصالح الشخصية.
واكتسبت الزيارة أهميتها أيضاً من كون الرياض وموسكو اللاعبين الاقليميين المهمين، يختلفان في ملفات عدة تبدأ في سوريا ولا تنتهي بايران، ولكن السؤال الابرز الذي فرض نفسه هو ما يتعلق بأثر الزيارة على العلاقة السعودية-الاميركية المتجددة، وخصوصاً منذ تسلم إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب مهاتها.
لذا كشفت صحيفة "كوميرسانت" الروسية عن أن زيارة الملك سلمان لروسيا كانت بمثابة ورقة ضغط علي امريكا بعدما عطلت بيع منظومة "ثاد" للملكة ، في الوقت الي باعت فيه منظومة "ثاد" الصاروخية للإمارات.
وقالت الصحيفة أن الملك سلمان اتجه لروسيا لشراء منظومة "اس 400" ما يعني دخول أهم حليف لإمريكا اقليميا تحت رعاية عسكرية روسية نظراً لاحتياج المنظومة لتعاون في التدريب وغيره والصيانة، لذا وافقت امريكا علي بيع منظومة "ثاد" للسعودية خوفاً من خسارة حليف قوي في الشرق الأوسط.
في خطوة اظهرت أمريكا مهتزة ومضطربة من اللعب الروسي على وتر النفوذ الأمريكي، ودخولها بقوة في مناطق كانت محرمة أمريكيا، وهنا اعاد التاريخ نفسه لينتقم "دب الروسي" من تدخلات أمريكا السابقة في محيط روسيا في جورجيا وأوكرانيا عن طريق التعاون العسكري والمنظومات الصاروخية
ولعل السؤال يصير مشروعاً أكثر بعد اعلان الجانبين الروسي والسعودي عن صفقة مبدئية لبيع الرياض أنظمة صواريخ "أس 400" ،علماً أن صفقة مماثلة بين موسكو وأنقرة كانت اثارت استياء واشنطن.
ففيما لا يزال الكونجرس يجمد تسليم الأسلحة التي وقع الرئيس الاميركي دونالد ترامب على بيعها للسعودية خلال زيارته للرياض، وقعت المملكة اليوم اتفاقا اولياً مع روسيا يمهد لشراء انظمة صواريخ روسية مضادة للطيران من نوع" اس-400" إضافة إلى تصنيعها في المملكة.
وبموجب الاتفاق تشتري الرياض صواريخ من نوع اس-400، وانظمة مضادة للدروع من نوع "كورنت-اي ام"، وقاذفات صاروخية من نوع "توس-1اي" وقاذفات قنابل يدوية "اي جي اس-30 "، ورشاشات كلاشنيكوف من نوع اي كي-103.
وأوضحت الشركة السعودية للصناعات العسكرية ان "الطرفين سيتعاونان لاقامة مشروع لتصنيع نظام الدفاع المضاد للطيران اس-400 وصيانة قطعه" في المملكة، مشيرة الى "نقل تكنولوجيا" بالنسبة الى معدات عسكرية اخرى.
وأضافت ان بروتوكول الاتفاق هذا "يركز على تصنيع انظمة تسلح متقدمة في السعودية" كما "يتضمن ايضاً نقل تكنولوجيا" بالنسبة الى "كورنت-اي ام" و"توس-1اي" و"اي جي اس-30"، واقامة "برامج تدريب" للسعوديين.
وقالت الصحيفة في وقت سابق أنه أثناء زيارة الملك سلمان لموسكو، قد يتم إبرام مجموعة من عقود تصدير أسلحة بقيمة تتجاوز 3 مليارات دولار، بما في ذلك منظومات الدفاع الجوي "إس-400 تريومف".
ومع أن السعودية تستخدم قاعدة دفاع صاروخي أميركية-أوروبية من طراز "باتريوت" لكن إضافة النظام الروسي لن يؤثر على أنظمتها الدفاعية، وإنما سيعززها.
وكانت صحيفة "الواشنطن بوست" الأميركية نشرت أيضاً أن وزارة الخارجية الأميركية تؤخر عمداً مبيعات الأسلحة الأميركية للسعودية ، كنوع من الضغط على الرياض لتقديم تنازلات إلى قطر في الأزمة الخليجية الحالية.
وقالت الصحيفة أن كميات كبيرة من مبيعات الأسلحة التي أعلنها ترامب خلال زيارته للمنطقة تأخرت أشهراً حتى الآن، بما في ذلك، صفقة الأسلحة السعودية، التي تقدر بـ 110 مليارات دولار.
وتعد صفقات الاسلحة التي وقعها ترامب في الرياض الاكبر للولايات المتحدة، وتشمل مجموعة متنوعة من الأسلحة، كما أن بعضها هو امتداد لاتفاقات أعلنت إبان ولاية الرئيس السابق باراك أوباما.
وأضافت الصحيفة أن وزارة الخارجية والكونجرس وافقا على بعض مبيعات الأسلحة للسعودية والبحرين، لكن في يونيو الماضي، أعلن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السناتور بوب كروكر أنه لن يوافق على مبيعات أسلحة فتاكة، ما لم يتضح المسار لحل الأزمة الخليجية.
وكانت السعودية، على غرار دول خليجية أخرى، رحبت بانتخاب ترامب، آملة في أن ينهي سنوات من التباينات مع الرئيس السابق باراك أوباما وخصوصاً على خلفية سياسته حيال إيران و"الاخوان المسلمين".
ولكن، على رغم الاستقبال الحار الذي حظي به الرئيس الجمهوري في الرياض في الرحلة الخارجية الاولى له في مايو، يبدو أن حماسة السعوديين له بدأت تتراجع، مع عدم وضوح رؤيته بعد لكيفية مواجهة النفوذ الايراني المتزايد في المنطقة.
وقالت الصحيفة ليست هذه اشارة بالضرورة إلى أن السعوديين يبتعدون عن الولايات المتحدة، ولكنهم يخففون نوعاً ما رهانهم على الولايات المتحدة،ويريدون ضمان حصولهم على عناوين عدة يمكنهم التواصل معها لتنفيذ مصالحهم الخاصة.