منذ أشهر وفي هذه الزاوية، وتحديدا يوم الخامس والعشرين من ياير 2016 كتبنا مقالا تحت عنوان : سيناريو اسرائيلي لما بعد عباس: "فوضى" في الضفة و"دولة" في غزة!
وهذا لم يكن "تنجيما سياسيا"، بل كان قراءة لتطور الأحداث ليس في فلسطين، التي تعيش ايامها ذكرى النكبة الوطنية الكبرى عام 1948، باستعمار غالبية أراضيها عبر نمط جديد مظهره الاستيطاني والاحلالي..
وكانت الدعوة واضحة أن ذذلك المخطط ليس "قدرا سياسيا" بالمقابل، وان افشاله ممكن قبل أن يكون ضرورة، وأن المفتاح بيد الرئيس محمود عباس وحده دون شريك، بما يمثل وما يحتل من "مجمع المناصب"، وقدرته على الانتقال من حال الى حال.. ولكن بدلا من التفكير في سبل المواجهة الوطنية الشاملة لما بات معلوما من مخطط احتلالي، سارعت "المؤسسة الرئاسية" خطاها لمزيد من "العزلة الوطنية - الشعبية"، واصر وكيل صاحب القرار الفعلي في "بقايا الوطن" في مقر الرئاسة - وكيل هنا باعتبار دولة الاحتلال جيشا وأمنا ومؤسسة هي صاحب القرار وبات الوكيل فلسطينيا -، على مزيد من الافتراق سياسيا واجتماعيا..
بدأت بصدام غير محسوب مع فئة المعلمين، صدام ساذج قادته "فئة متعالية" اعتقدت أنها باتت تملك "مفتاح الحق والحقيقة"، فكانت أوسع مواجهة شعبية لغطرسة الفريق العباسي وحكومته في الضفة، وبدلا من بحث آليات الخروج من أزمة تساهم باستمرارها في "كسر هيبة الممثل الرسمي" وتمنح دولة الكيان نقاط مضافة، ناور فريق "الغطرسة" لكسر شوكة الاضراب، وكان ما كان..
ووسط أزمة المواجهة الشعبية خرج الرئيس عباس شخصيا ليساهم في اشتعال النار الشعبية وطنيا، بتصريحات خارج كل السياق الممكن قبوله، سواء لجهة مطاردة المواجهة الشعبية، وسلاحها الممكن -سكينا -، وتشويه طلبة مدارس فلسطين أمام العالم، وهو يستمع كل صباح لموسيقى مطرب يهودي، بعد أن أستقبل وفدا منهم، في حين أرسل وفدا لتعزية لا سابق لها، في مقتل قائد عسكري في جيش الاحتلال.. سلوك سياسي مثل "تحديا فضا" للروح الوطنية الفلسطينية، متلازما مع الاستخاف بـ"نموذج االتعايش السياسي" في إطار منظمة التحرير باتخاذه قرارا شكل إصرارا على الاستخفاف ، بقطع "الحق المالي" وليس "منة عباسية" لفصيلين من ركائز المشهد الفلسطيني، ومنظمة التحرير..كان سبقها قرار خاصا بتشكيل المحكمة الدستورية بلا سند أو قانون.
ولم تمر فترة وجيزة حتى أقدم الفريق العباسي، على خطوة غابت عنها كل نماذج الحكمة السياسية، وشكلت حماقة خاصة، بتوقيع الرئيس عباس على مرسوم قانون الضمان الاجتماعي دون أي نقاش وطني وشعبي وبرلماني، مرسوم شكل "إعلان مواجهة مع الشعب"..أكملتها "الفئة الحمقى" بقرار مالي ضد نقابات عمالية، في "سابقة قراقوشية" فريدة في "بقايا الوطن"..
ممارسات تترافق مع الاصرار على تغييب المشروع الوطني، ورفض الذهاب فيما هو حق للوطن والشعب من تنفيذ قرار الأمم المتحدة حول دولة فلسطين، واعادة ترميم "المؤسسة الرسمية" على طريق إصلاحها الإجباري، واستبدال التحرك العام لوضع حد للنكبة الوطنية الثالثة - الانقسام -، برحلات سياحة سياسية لارضاء دولة قطر لسبب بات معلوما جدا للشعب الفلسطيني.. وخلال هذه الممارسات نشر الجهاز الأمني الرئاسي وأدواته، القصص والحكاوي عن ان هناك مخطط لنشر "الفوضى الخلاقة" لما بعد مرحلة عباس.. نعم ونؤكد أن هناك مخططا احتلاليا لذلك، ولكن السؤال من الذي يعمل على خلق المناخ لتمرير ذلك المخطط، ومن هي الأدوات التي تحاول بكل السبل خلق صدام بين جماهير الشعب في الضفة ومؤسسات السلطة، السياسية والأمنية، وهل يمكن اعتبار كل ذلك مصادفة جاءت في "زمن قياسي"، وأن اصرار الرئيس عباس وفرقته الخاصة على منع أي خطوة نحو الانتقال بالمشروع الوطني من "الخمول" الى "النشاط" "جهلا سياسيا" أم "وعي معلوم" ، لإجتذاب ذلك "المشروع الخلاق"! من يريد قطع الطريق على "الفوضى الخلاقة" أو غيرها، عليه أن يكون جزءا من الحضور الشعبي، وليس بعيدا عنه كما هو سائد منذ بداية العام الحالي..سلوك يبني يوميا ومتسارعا جدارا عازلا مع المسار الوطني العام.. من لا يريد تنفيذ مخطط دولة الاحتلال عليه أن يعود الى المؤسسة الوطنية وليس مؤسسته الأمنية وحلقته الضيقة التي لم تجلب أي من الخير له وللشعب، بل كل الضرر بمختلف مكوناته..
"الفوضى ليست قدرا" وهزيمتها ممكنة جدا، بتلاحم المؤسسة الرسمية مع شعبها لرسم طريق التحدي والمواجهة على طريق الخلاص من المحتل مشروعا ووجودا، ولكنها تصبح واقعا لو تقوقعت تلك المؤسسة في ركنها الى حين حدوث "الإنفجار الكبير"، وعندها لن ينفع القول كما قال يوما أحد الحكام المتغطرسين "الآن فهمتكم".. عدم التطرق الى قطاع غزة ليس سهوا سياسيا، لأن مخطط خطفه هو جزء من مشروع "الفوضى الخلاقة" على طريق إقامة "محمية غير وطنية" بمسميات وأدوات مختلفة.. لا زال في الوقت بقية للإنتفاض المشترك، بدلا من نشر الاشاعات والخدع السياسية لتغطية العجر أو التواطئ..فهل تحدث "المعجزة" لقبر كل مشروع لا يستقيم والمشروع الوطني نصا وأدواتا..الأمل والإرادة السلاح الذي يملكه الشعب!
ملاحظة: وسائل اعلام مختلفة قالت ان الملك السعودي قدم دعما لحملة نتنياهو الانتخابية بمبلغ 80 مليون دولار.. الخبر مصدره صهيوني آخر متهم أصلا بالفساد اسمه هرتسوغ..ومع ذلك الخبر بحاجة لرد رسمي سعودي بدل من المكابرة غير المفيدة! تنويه خاص: حماس قالت أنها طالبت الحكومة تسلم شركة الكهرباء..طيب هذه خطوة منيحة، بس ما قالت حماس كيف ممكن لحكومة شبه ممنوعة من العمل والحضور والتحرك تنفيذ مطلبها..ممكن يا قادة حماس تحترموا عقل الفلسطيني شوية بس!
نقلا عن "الكوفية برس"