يدخل لبنان مرحلة اقتصادية جديدة بعد أن أقر البرلمان سلسلة ضرائب مثيرة للجدل ستؤثر على الوضع المعيشى لغالبية اللبنانيين، بحسب خبراء اقتصاديون. وبعد يوم واحد من إقرار الضرائب ارتسم على وجوه المواطنين فى شوارع بيروت الحزن؛ بسبب ما سيتراكم عليهم من ضريبة ستأكل رواتبهم وما قرر عليها من زيادة الشهور الماضية.
وقال قاسم ديب العامل فى القطاع العام إنه على ما يرام فى دفع بعض الزيادة التى حصل عليها لكنه يرى أن على الدولة أن تبحث عن وسيلة أخرى للتمويل لاسيما وأن هناك "صعوبة فى الوضع المعيشى فى البلاد".
وأضاف: "هناك عائدات يمكن للدولة أن تستحصل عليها دون أن ترهق المواطن من الممتلكات البحرية والبنوك والشركات المالية الكبيرة، لقد فرضت ضرائب عليها لكن مع نسبة مئوية ضئيلة جدا، المفروض أن تكون الضرائب التى زادوها أكثر من ذلك بكثير لكى يغطوا السلسلة ويريحوا المواطن الفقير".
وقالت باميلا، وهى مواطنة لبنانية أخرى من بين الذين يعارضون تماما الضرائب المتزايدة: "من الخطأ إضافة ضرائب، وإذا كانوا يريدون أن يفعلوا شيئا بها (ضرائب).
وتنتظر البنية التحتية للبلاد الإصلاح منذ انتهاء الحرب الأهلية التى دامت 15 عاما وانتهت فى 1990 حيث اكتظت الطرق بالسيارات وامتلأت الشواطئ بالنفايات وما زال التقنين فى المياه والكهرباء فيما الانترنت ووسائل الاتصالات تسير ببطء شديد.
وفى حين ينعم موظفو القطاع العام بحوافز مالية بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب فان القطاع الخاص بدا كمن أصيب بالنكبة بحيث بات على الموظفين أن يدفعوا الضريبة بدون أن يحصلوا على أى زيادة. وقالت خديجة العبد "لدي ثلاثة أولاد فى المدرسة وكل شيء أرتفع سعره من حولي ومعاش زوجى لا زال كما هو. زوجى يتقاضى راتب 600 دولار وعلينا أن نعتاش منه طوال الشهر فى ظل هذا الغلاء الفاحش. متسائلة هل هذا عدل؟".
وقال رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى يوم الاثنين، إن زيادات الضرائب التى أقرها البرلمان لتمويل سلسلة الرتب والرواتب فى القطاع العام كانت ضرورية لتفادي إنهيار الليرة اللبنانية.
ويبلغ معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في لبنان 148 فى المئة، وهو من أعلى المعدلات فى العالم. وسجل لبنان عجزا فى الموازنة بلغ 4.9 مليار دولار العام الماضي. وفى يوليو وافق البرلمان على زيادة قدرها 917 مليون دولار فى رواتب العاملين بالقطاع العام إضافة إلى سلسلة من الزيادات الضريبية لتمويلها.
وعلى الرغم من معارضة بعض رجال الأعمال وجماعات سياسية صدق الرئيس ميشال عون على القوانين فى أواخر أغسطس آب وبدأ الناس منذ ذلك الحين يتقاضون رواتبهم وفقا للزيادات؛ لكن فى سبتمبر أيلول، ألغى المجلس الدستورى قانون الضرائب بعد طعن قانونى من حزب سياسى وأحاله مجددا إلى البرلمان لإجراء تعديلات.
ووافق البرلمان أمس الاثنين على النسخة المعدلة والتى تتضمن زيادة ضريبة القيمة المضافة من 10 إلى 11 بالمئة بالاضافة إلى ضريبة أرباح الشركات والخمور ومنتجات التبغ وجوائز اليانصيب والفائدة على الودائع المصرفية وكذلك زيادات فى الرسوم والغرامات.
كما شملت الضرائب زيادة قدرها 3.5 دولارات على رسوم القادمين إلى لبنان عبر البر من غير اللبنانيين وإقرار رسم على المسافرين جوا فى الدرجة الأولى والسياحية والطائرات الخاصة. كما تم إقرار فرض رسوم على معاملات كتاب العدل وإضافة رسم على طن الإسمنت وفرض ضريبة على الهاتف الثابت والبطاقات الهاتفية بنظام الدفع المسبق.
وكان رجال أعمال قد حذروا من أن الضرائب المرتفعة قد تضر باقتصاد لبنان الهش الذى تعرض لهزة بفعل الصراع فى سوريا المجاورة. وانخفض النمو من 8-9 بالمئة إلى أقل من 2 بالمئة بعد بدء الحرب فى سوريا فى 2011.
ويقول رجال الأعمال إن لبنان يحتاج بدلا عن ذلك إلى تحصيل ضريبى أفضل وخطة للنمو الاقتصادى ذات مصداقية وإقرار ميزانية لأول مرة منذ عام 2005
وقال الخبير الاقتصادى اللبنانى غازى وزنى إنه تم اصدار 17 مادة ضريبية فى جلسة البرلمان يوم الاثنين 10 منها تؤثر بشكل مباشر على المواطنين فى حياتهم اليومية.
وأبلغ رويترز فى مكتبه فى وسط بيروت "فيما يتعلق بمداخيل هذه الإجراءات الضريبية 55% منها تطال المواطنين مباشرة 26% من هذه المداخيل للقطاع المصرفى و18% إلى القطاع العقاري."
وأضاف قائلا "حاليا فيما يتعلق بالليرة اللبنانية يمكن القول إن الليرة آمنة ومستقرة وقوية، لكن عدم إقرار هذه الموارد الضريبية تجعل الوضع المالى العام متأزم والعجز فيها مرتفع جدا وخاصة انه يوجد نوع من التحذيرات من قبل المؤسسات المالية الدولية".
وكانت وكالة موديز قد خفضت التصنيف الائتمانى للديون السيادية للبنان فى أغسطس آب وعزت ذلك إلى عبء الدين الذى يثقل كاهل البلاد. بيد أن وكالتى ستاندرد آند بورز وفيتش أكدتا تصنيفهما الحالى للبلاد.. وشكك وزنى فى محاولة بعض القوى السياسية الطعن مجددا فى قانون الموارد الضريبية قائلا إن "توقيف هذه الموارد الضريبية يؤدى مباشرة إلى توقيف دفع سلسلة الرتب والرواتب. ونحن فى ظل هذه الظروف السياسية والانتخابات النيابية القادمة أشك أن أي قوى سياسية تحاول ايقاف دفع سلسلة الرتب والرواتب". ومن المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية فى العام القادم ولهذا أعتبر البعض زيادة الرواتب فى القطاع العام خطوة شعبية.
وقال وزنى "كلفة السلسلة هى تقريبا مليار ومئتين مليون دولار، وكان بالامكان توفير هذه المداخيل من 3 أو 4 مداخيل استثنائية. مثلا معالجة الأملاك العمومية البحرية المعتدى عليها، كان بإمكانها أن توفر تقريبا 800 مليون دولار. القطاع المصرفي اللبناني كان يستطيع أن يوفر تقريبا 700 مليون دولار، هذان البندان كانا باستطاعتهما بسهولة تغطية سلسلة الرتب والرواتب بدل التوجه إلى سلة واسعة متشعبة تطال المواطنين والقطاعات الاقتصادية عامة".
وكان القطاع المصرفي، الذى يعد حجر الزاوية فى الاقتصاد اللبناني، قد اعترض بشدة على القانون. وأدت التغييرات إلى رفع الضريبة على أرباح الشركات إلى 17 بالمئة من 15 المئة كما فرضت ضرائب على المعاملات المصرفية بطريقة يقول مصرفيون إنها تجعل البنوك تدفع الضريبة مرتين.