بين صوت الزغاريد المهلل وقسقسة العصا في حركتها معلنة عن فوز أحدهم بشرف الرجولة الكاملة، في لعبة طالما تنافس عليها الذكور يوم أن ينفض الأب يديه عن ابنته ليسلمها لزوجها، ورجلها الجديد، تقف الفتاة الصغيرة غير مدركة لما هي مقدمة عليه، فقط هي في عمر الزهور يوم أن تبدأ في التفتح، ترتدي فستانًا أبيض اللون وحلى ثمينة وتجهيزات كثيرة لا ناقة لها فيها ولا جمل، وفجأة وفي لحظات قصيرة تجتمع الصغيرة بالرجل وتصبح بين يوم وليلة زوجة، تنتهي طفولتها سريعًا وتبدأ مرحلة قد تنتهي بموتها سريعًا.
قوانين سابقة لتنظيم زواج الأطفال
ورغم تحديد القانون الحد الأدنى للزواج في مصر 18 عامًا، فتبلغ نسبة زواج القاصرات في مصر 15% من نسبة المتزوجات، حسب آخر الإحصائيات التي أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء منذ أيام، وهو الأمر الذي أثار كثير من التساؤلات ودعا كثير من المطالبين بحقوق المرأة إلى سن تشريعات أكثر حدة لمنع الزواج المبكر للأطفال.
ورغم وجود تشريعات وقوانين سابقة تحمي حقوق المرأة، إلا أنها لم تنفذ على أرض الواقع وتعرضت الفتيات الصغيرات لحالات زواج مبكر، فنص القانون المصري بشكل مباشر على تجريم الزواج المبكر للأطفال، وعاقب كل من لجأ إليه، حيث نص القانون رقم 126 لسنة 2008 على تجريم توثيق عقد الزواج لمن لم يبلغ 18 سنة ميلادية كاملة، ويشترط للتوثيق أن يتم الفحص الطبي للراغبين في الزواج للتحقق من خلوها من الأمراض التي تؤثر على حياة أو صحة كل منهما، كما نص قانون العقوبات على معاقبة كل من أدلى أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانونا لضبط عقد الزواج أقوالا يعلم إنها غير صحيحة بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين، أو بغرامة لا تزيد عن ثلاثمائة جنيه، كما يعاقب القانون كل شخص خوله القانون سلطة ضبط عقد الزواج وهو يعلم أن طرفيه لم يبلغ السن المحددة في القانون، بغرامة لا تزيد عن 500 جنيه.
كما نص قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994، على أنه لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين 18 سنة ميلادية كاملة، ويعاقب تأديبيا كل من وثق زواجا بالمخالفة لأحكام هذه المادة.
ورغم وجود هذه المواد القانونية الرادعة إلا أن الأهل تحايلوا عليها، باستخدام العقود العرفية كبديل، وتسجيل الزواج في عقد رسمي بعد بلوغ الزوجة سن الـ18، وهو ما يعني نوع من التحايل الرسمي على قانون رسمي، بعقد زواج عرفي معلن ومشهر ومتعارف عليه.
احصائيات الزواج المبكر في مصر
حسب نتائج المسج السكاني الأخير، فإن أعلى نسبة للمتزوجات أقل من 20 سنة بمحافظة القاهرة(9.1%) وفى الجيزة (8.1%) وفى الشرقية (7.7%) في حين كانت أقل المحافظات الحضرية هي محافظات السويس وبورسعيد بنسبة 0.7%، ويرتفع متوسط عدد الأطفال في حالة الزواج قبل 18 سنة إلى حوالى 3.7 طفل، بينما يكون المتوسط 2.79 في حالة الزواج بعد عمر22 سنة، كما أن نسبة الإناث المتزوجات في الفئة العمرية من 15-19 تصل إلى 14.4% وتزداد أعدادهن في المناطق الريفية، وهن من بين ذوات المستوى التعليمي.
وبلغت نسب زواج القاصرات في المحافظات القاهرة 9.10%، بنى سويف 3.80%، الجيزة 8.10%، الفيوم 3.60%، الشرقية 7.70%، أسوان 1.60%، المنيا 6.90%، الإسماعيلية 1.40%، البحيرة 6.70%، دمياط 1.30%، الدقهلية 6.40%، السويس 0.70%، أسيوط 5.90%، بورسعيد 0.70%، القليوبية 5.80%، الأقصر 0.50%، الغربية 5.00%، مرسى مطروح 0.40%، الإسكندرية 5.00% البحر الأحمر 0.30%، سوهاج 5.00% الوادي الجديد 0.30% المنوفية 4.80%، شمال سيناء 0.30%، قنا 4.30% جنوب سيناء 0.10%، كفر الشيخ 4.00%.
وعقب تعليقات الرئيس عبد الفتاح السيسي في احتفالية التعداد السكاني الأخيرة، والتي ذكر فيها معلقًا على نسبة المتزوجات من القاصرات في سن 12 سنة فأعلى: "احنا قاسيين أوي على بناتنا"، أعلن المجلس القومى للسكان أنه بصدد الانتهاء من إصدار تشريع لتجريم زواج الأطفال بالتنسيق والتعاون مع وزراة العدل والنيابة العامة والمجلس القومى للمرأة، وأن 14.6% من الفتيات المتزوجات فى مصر يتزوجن فى سن من 15 إلى 19 سنة وهن أطفالًا، وفقا لنتائج المسح الصحى السكانى الأخير.
وفي بيان لوزارة الصحة والسكان، أشار الوزير الدكتور أحمد عماد الدين إلى أن زواج الأطفال يفاقم من حجم المشكلة السكانية بمصر على مستويين الأول أنه يزيد من أعداد المواليد بما يقارب 244 ألف طفل سنويا، والثاني تدنى الخصائص السكانية، حيث يزداد معدل وفيات الأطفال 5 مرات مقارنة بالأطفال التى تكون أمهاتهم أكبر من 20 عاما.
وأشار الدكتور طارق توفيق مقرر المجلس القومى للسكان إلى أن السبب الأول فى وفيات الفتيات لمن هن فى سن المراهقة هو الحمل والولادة طبقا لتقرير منظمة الصحة العالمية، الذى جاء فيه أن 71% ممن يتزوجن فى سن الطفولة قبل 18 سنة يتعرضن لمضاعفات صحية خطرة، و49% من الحالات تصاب بتعسر فى الولادة، و19% منهن بالنزيف و12% يتعرضن للإجهاض و88% يصبن بالناسور البولى، موضحًا أن ظاهرة زواج الأطفال لها أبعاد اجتماعية واقتصادية وقانونية متعددة، أهمها تدنى المستوى الاقتصادى والتعليمى للأسر التى تنتشر بينها مثل هذه الزيجات، لافتا إلى أن إصدار هذا القانون سيمنع تماما هذه الظاهرة الاجتماعية التى عانى منها المجتمع خلال سنوات طويلة، كما سيساهم فى رفع الوعى بخطر زواج الأطفال والحد من الزواج المبكر.
ويرى الخبراء أن التشريع الجديد سيؤسس لحصول الأطفال على ضمانات تمنحهم الحق في الاستمتاع بطفولتهم، دون الدخول في متاهات الزواج والمسئولية، إلا أنهم يؤكدون أنه يحتاج إلى ضوابط وعناصر قوية لتنفيذه، وإلا سيكون مثل سابقه من القوانين التي شرعت ولم تنفذ.