"العرب اتفقوا على ألا يتفقوا" لم تكن هذه الكلمات التي أصبحت في الذهنية العربية بيتًا من بيوت الشعر كما أنها لم تأت من فراغ، فعلى مدار العقود الطويلة التي مرت على مجتمعاتنا العربية، وهناك حالة من الانقسام والتشتت بصورة أفقدته القدرة على مواجهة كافة التحديات، كما أن العرب دائماً ما يختارون بواقعية مطلقة بما يتوافق مع مصالحهم، لذا دفعوا بعدة مرشحين عرب أمام مرشحة مصر مشيرة خطاب لإسقاطها في رئاسة اليونسكو، ودعم بعضهم المرشحة الفرنسية رغم اتهماها بالتزوير في السابق، لا لشئ سوي أنهم لا يثقون بأنفسهم بل يثقون في الغرب بشكل أكبر في التعليم و الآثار و الصحة و الثقافة.
وهاهي معركة الرئاسة بمنظمة اليونسكو تشتعل من جديد، لتكشف النقاب عن جولة جديدة من جولات التفتت العربي، فمع الجولة الثالثة في انتخابات اليونسكو خلفًا للبلغارية إيرينا بوكوفا التي ستنهي فترتها الثانية في 2017، كشّرت الدول العربية عن أنيابها في الإعلان عن رغبتها في ترأس المنظمة في دورتها الجديدة، دون الاستفادة من دروس الماضي على الإطلاق، ليصل عدد المتقدمين العرب إلى أربعة مرشحين، هم المصرية مشيرة خطاب، والقطري حمد بن عبد العزيز الكواري، والمفاجأة، اللبنانيين فيرا خوري وغسان سلامة.
-تاريخ من الفشل
بالرغم من قدم الوجود العربي داخل اليونسكو، إلا أن محاولات التنافس على كرسي الرئاسة مع انتخابات عام 1999، حين اصطدم المرشح المصري الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية، بالأديب والدبلوماسي السعودي الراحل غازي القصيبي، ليفتحا المجال سويًا للياباني كوشيرو ماتسورا لخلافة الإسباني فريدريكو مايور في رئاسة المنظمة، بعدما وجد الرجل الطريق أمامه ممهدًا في ظل الصراع العربي الذي فتت الأصوات، وقدم صورة سيئة عن التنسيق العربي في المحافل الدولية.
الانقسام العربي
إن أفضل ما فيكم انتم العرب هو أنكم لا تتفقون، ونحن من يختار لكم عندما يغيب الاتفاق بينكم"، بهذه الكلمات التي عبر بها أحد سفراء الغرب عن الواقع العربي، أستهل الدكتور علي الطراح، مستشار المدير العام لمنظمة اليونسكو لشؤون المنطقة العربية، حديثه عن حالة الانقسام الواضحة في الرؤية العربية في مختلف القضايا.
وأشار إلى أن المجموعة العربية في منظمة اليونسكو تشكو حالها لما تعانيه من غياب التنسيق بين أعضائها وهو أمر ليس بمستغرب للجميع، وكل ما نملكه استمرار الشكوى دون تقديم بدائل عملية تنسجم مع منظمة اليونسكو باعتبارها "دار المعرفة" كما يطلق عليها، مشيراً إلى فشل العرب أكثر من مرة في تولي منصب رئاسة اليونسكو، طالما يدب الخلاف فلن يتولى أي من مرشحي العرب رئاسة أو إدارة المنظمة.
يأتي ذلك بالرغم من الدعوات العديدة التي أطلقها مثقفون عرب لتوحيد الرؤى، والاصطفاف خلف مرشح واحد فقط لمنصب مدير عام المنظمة الثقافية الأممية، في محاولة للاستفادة من التجارب السابقة، والتي أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن غياب التنسيق والتغريد خارج السرب أول مسمار في نعش التمثيل العربي دوليًا.
-أسباب خسارة مصر
فشلت المرشحة المصرية السفيرة مشيرة خطاب، فى انتخابات منظمة الثقافة والآثار "اليونسكو" فى الحصول على النسبة الأعلى خلال الجولات الثلاث الأوائل في عملية التصويت لمنصب مدير عام المنظمة.
ويأتى فشل خطاب، كونها لم تتول منصب متعلق بالثقافة والآثار من قبل، وفقاً لصحيفة الواشنطن بوست بالإضافة إلى إنها شاركت بشكل مباشر أو غير مباشر فى إغلاق مكتبات أدبية، كان لها دور كبير فى نشر الثقافة وبالتالى أصبحت فى موقف ضعف أمام أعضاء المجلس التنفيذى للمنظمة وهم 50 عضوًا.
كما كان من المستحيل فوز مشيرة خطاب خاصة مع حالات السرقة الكبيرة للآثار من مخازن الدولة، بالإضافة إلى إغلاق المكتبات التى تعتبر العامل الأساسى فى نشر الثقافة بين الجماهير.
وضعف الخبرة فى مجال الثقافة من المرشحة المصرية يجعل فوزها بالمنصب مستحيلاً، خاصة وأن مصر فشلت فى الحصول على نفس المنصب على الرغم من ترشح وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى للمنصب نفسه.
-تربيطات في الخفاء
وحسب صحيفة الواشنطن بوست يثق العرب في الدول الاوروبية أكثر من أنفسهم لما لديهم من تفوق علمي و تعليمي وصحي عكس مصر التي لديها تردي في التعليم حيث تصنف الـ140 علي مستوي العالم و تردي وفي المستوي الصحي و الثقافي، لذا تصب نتائج الجولات الثلاثة في مصلحة فرنسا التي تعد من الدول المهتمة بمجالات التعليم و الصحة و الثقافة ،والمرشح القطرى دمية فى يديها، حتى تخسر مصر، وتصعد المرشحة الفرنسية اليهودية الأصل، وفى الجولة الأخيرة تحصل فرنسا على أعلى الأصوات، وتنال المنصب التى خرجت جميع المواثيق الدولية لتحصل عليه، بترشيحا لمرشحتها من أصل مغربى يهودية، وصحيح أن مقر المنظمة يقع فى باريس.
والتاريخ هنا يعيد نفسه حيث خاضت مصر معركة شبيهة في اليونسكو عام 2009، انتهت بخسارة مرشحها وزير الثقافة الأسبق، فاروق حسني، أمام المديرة الحالية البلغارية إيرينا بوكوفا، التي نجحت في الفوز بالمنصب بـ31 صوتا، بفارق 3 أصوات على المرشح المصري، وكشفت النتيجة وقتها مدى النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في التحكم عن بعد بطريقة الاختيار والتدخل في توجيه التصويت.
والتاريخ الذي يعيد نفسه اليوم، على ما يبدو حملة لسطور شبيهة من سيناريو 2009، ويؤشر على ملامح صفقة ترضية وإنقاذ تديرها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لصالح نظام تميم تتويجا للعهر السياسي الذي مارسته واشنطن في الأزمة الخليجية، بهدف وضع الجميع على طاولة الدفع النقدي للحصول على التأييد.
مخالفات في ترميم الآثار في مصر
يضاف الى ذلك فشل إدارة الترميم في إصلاح أحد أهم الأهرامات وأقدمها في مصر وهو هرم زوسر، وبحسب تقرير لمنظمة اليونسكو، فإن هناك أخطاء بترميم الهرم في الأوجه الخارجية للهرم تعاني من انعدام صيانة، بالإضافة إلي بعض المخالفات الفنية كاستخدام الحجر الجيري في سد الفتحات التي ظهرت في الهرم.
مؤخرا تم الإعلان عن مشاكل في ترميم قصر إسماعيل باشا المفتش، الذي تكلف حتى الآن 210 ملايين جنيه للترميم، والمبنى لا يزال مهدداً بالسقوط ، ورغم مرور 6 سنوات كاملة على التعاقد تتضاعف تكلفة الترميم الذى لم ينته بعد للقصر من 62 مليون جنيه إلى 210 ملايين، ولكن هناك اتهامات بآن حوائط مهدمة وجدرانا آيلة للسقوط، ودورات مياه غير صالحة للاستخدام، هذا بالإضافة لمشاكل ترميم مئذنة أبو سمرة في البهنسا بمركز بني مزار بمحافظة المنيا، حيث تعرض لترميم خاطئ.
كما تعرض مسجد الجيوشي الذي يعود لعصر الدولة الفاطمية لترميم خاطئ أثار الكثير من الجدل حول ما إذا كان الأثر على حالته الطبيعية أم لا.
مُرممو الآثار في مرمى النيران يدافع القائمين على ترميم الاثار عن الاتهامات التي توجه لهم؛ حيث تقول عزة محمد أخصائي ترميم، أن معاناة المُرمم تبدأ من كليات الأثار فلا وجود لمعامل للتدريب والخامات اللازمة يتحمل تكلفتها الطالب، وهى باهظة الثمن للغاية والمواد الدراسية قديمة وبها حشو كثير، ولا وجود للتدريب العملي بالأماكن الاثرية، ولهذا الدراسة نظرية ولا يحتك الطالب بالأثر إلا بعد التخرج والتعيين.
وللأسف تلك الأساليب لا تتبع وهناك جهل لدى حديثي التخرج، وأغلب مساجد شارع المعز تم تجديد الرخام والأسقف والزجاج". وتكمل مي عمارة، إنه لا وجود لبدل عدوى ولا وسائل أمان وبدل المخاطر رغم تفعيله فهو ما لا يتعدى 20 جنيها شهريا، ونتعامل مع مواد كيمائية ومواقع آيلة للسقوط ومناطق صحراوية تحتوي على حشرات وثعابين بالإضافة إلى إصابات السقالات، كما أن نسبة مخاطر الاصابة بالأمراض الصدرية والجلدية والتعرض للكسور وخطر الوفاة وراد للغاية، وطلبنا اكثر من مرة بتوفير كمامات وجلفزات ولكن لم يتم توفيرها لنا، رغم أن التعامل مع مواد الترميم الخطرة كالنشادر والداينو سايل فورمالينن تسبب امراض التهاب الجيوب الانفية والصدر ويصل الامر للالتهاب الرئوي والسرطان، ولكن شركات المقاولات توفر تلك الوسائل للمرممين لديها عكس وزارة الاثار.
ويدفع هذا البعثات الأجنبية العاملة في مصر الى احضار الخامات معها ولا تعترف بالخامات المتوافرة في مصر، وكذلك لديهم وسائل الأمان، وطرق الترميم لديهم تختلف تماما عن ما يجري بمصر؛ فهناك محافظة على الأثر وليس تجديده، وتعاملهم مع الآثار من الورق والبردي والجلد والعظم يتم بشكل علمي دقيق ويتم الاستعانة بمعامل الترميم بكل موقع أثري وتحليل الأثر وتوثيقه قبل بدء العمل، وكشف عما إذا كان بحاجة لمواد تقوية ليتحمل الترميم وحتى لا ينهار وعمل تحليل وفحوصات للأثر لاستعمال نفس مواد الأثر بنفس النسب المتواجدة به وعمل تنظيف وتقوية، ثم بدء الترميم واستكمال التالف بنفس خامته، وعزل الأثر لحمايته بعد الترميم من العوامل الخارجية، وكل أثر يتم حسب طبيعته ومواد تكوينه وخطة العمل الخاصة به وتكليف بعمل صيانه دورية لاى اثر حسب ما تم .