أحبته كرجل أول وفارس أوحد، رغم فقره وقلة شهرته، لكنه كان ساحرا، شجاعا، مباشرًا، وفى ذلك العصر لم يكن أحد يستطيع أن يملك قلب ليلى مراد إلا هذا الرجل الذي اقتحمها بلا استئذان وبغير مقدمات، ولو كان استأذن قلبها لوجده مغلق الأبواب بل لعله لم يكن ليجد بابا يطرقه من الأساس.. إن امرأة جميلة، بارعة الحسن وشديدة الذكاء وفائقة الحضور، يهابها الناس ويسعون لرضاها مثل ليلى مراد، لا تجدي معها الطرق التقليدية في الحب بل هو الاقتحام وحده السبيل لدخول هذه المدينة العالية الأسوار.رجل بلا ميعاد
كانت ليلى مراد تعيش فترة باذخة من النجاح، واهبة حياتها للعمل ثم العمل، وذاع صيتها، وبلغ أجرها 15 ألف جنيه في الفيلم الواحد وهو مبلغ ضخم بمقاييس ذاك الزمن، ولأن الحب دائما يراقب وينتظر ليتسلل، فيتمكن، فقد أبلغها أحدهم وهي داخل استوديو التصوير أن هناك شابا بالخارج يريد مقابلتها بإلحاح، ولما وافقت، دخل عليها أنور وجدي، شابا يبدو عاديا بالنسبة لها وقال لها مباشرة ودون مقدمات: إنني جمعت كل ما أملك من أموال لكي أنتج فيلما أقوم ببطولته أمامك، فقالت له "أنا أجري كبير جدا"، ليرد: "أنا حطيت كل فلوسي في الفيلم ده ومش عايز غير ليلى مراد"، قالت: "أنا أجري 15 ألف جنيه"، رد وجدي: "أنا بابدأ حياتي، وإنتي لازم تساعديني".وأمام رغبته وإصراره وافقت على المشاركة في بطولة فيلم "ليلى بنت الفقراء" أمام البطل أنور وجدي، الذي لم يعتد أدوار البطولة، لكن البطولة هذه المرة بطعم مختلف وعطر مميز، وتشاء الأقدار أن يمرض مخرج الفيلم كمال سليم، ليقوم انور وجدي بالإخراج والبطولة معا.في طريق الحب
وذات يوم من أيام العمل وبعد انتهاء التصوير، كانت البداية التي لم تُنسى بعد أكثر من 100 عام من ميلاد أنور وجدي، إذ أن ثمة أيام تنغرس في القلب، قلب صاحبها وقلب التاريخ، في ذاك اليوم قام أنور وجدي بتوصيل ليلى مراد بسيارته وأثناء سيرهما فى الطريق فاجأها، بل اقتحمها بقوله : "يا سلام يا ليلى لو اتجوزتك وعشت معاكي على طول؟.. قالها وسكت ليترك الكلمات تقوم بمفعولها الساحر لترد ليلى مراد بذكاء أكثر سحرا وجاذبية، حيث ضحكت قائلة: " ياه، مرة واحدة كده؟.. ليرد هو: "وفيها إيه يعنى، أهو ساعات ربنا يستجيب دعا الواحد" ثم واصل جنونه وسحره وترك عجلة قيادة السيارة ورفع يديه إلى السماء قائلا:"يارب تتجوزيني ياليلى".. هنا وفى هذه اللحظة انفجرت ليلى مراد فى الضحك، كانت ضحكتها تلك هي الأكثر اختلافا في حياتها، لم يكن صوتها فقط يضحك بل كان قلبها يتراقص، وتولد لديها شعور أصاب الجسد بهرمونات لا يصنعها في الكون شيء سوى حب لامس الروح فتوهجت وأضاءت نورا في غير نار، ويقينا لا يشوبه شك بأن الرجل الجالس بجانبها قد تجاوز أسوار قلبها عابرا مقتحما حيث يجب أن يقيم.رقصة الفالس
في شهر أكتوبر من العام 1945، كان يجري تصوير فيلم "ليلى بنت الفقراء" ووقع الزلزال الرومانسي، إذ اقدم انور وجدي على الزواج من ليلى مراد وهما يؤديان مشهد زواجهما داخل الفيلم، فتحول الفيلم إلى حقيقة، وتحول الخيال إلى حب.. رقص معها رقصة الفالس الشهيرة في ذلك الوقت ليعلن زواجه منها، وأصاب هذا الإعلان الناس بمفاجأة مختلفة الطعم فانتظروا الفيلم بشغف ليشاهدوا الخيال المتجسد لواقع لم يألفوه سوى بين صفحات الروايات المعطرة بحبر رومانسي.. وحقق الفيلم فور عرضه بدور السينما إقبالا تاريخيا من الجماهير ولمع نجم أنور وجدي والتقطته الصحافة تتناول قصته الرومانسية مرة وتتناول نجاحه وبطولته في الفيلم تارة أخرى، ليصبح الفتى الوسيم الذي أحب ليلى مراد هو حديث الناس والصحف.كان هدف أنور وجدي مرسوما، ظن الناس أنه صاحب عاطفة متوهجة ولكنه كان صاحب ذكاء ماكر، إذ تعمد أن يكون زواجه من ليلى مراد بهذه الطريقة الأسطورية ليحقق الشهرة والمال اللذان كانا يسعا إليهما بقوة.قصة خلافاتهما
كان أنور وجدي لا يملك الكثير من المال مقارنة بليلى مراد وكذلك الحال مع الشهرة، حيث كانت تفوقه شهرة ونفوذا، وقد بدا هو يستغلها ويتعامل معها بلغة الأرقام، إذ كان ينتج أفلامها ويشاركها البطولة ولا يعطيها أية أموال بعد أن كانت تتقاضى مايزيد على الـ15 الف جنيه في الفيلم الواحد أصبح أجرها بالكامل في جيب أنور وجدي، واستمر الحال على هذه الوتيرة حتى بدأت تتمرد وتعترض ووصل الأمر إلى أنه كان يضربها، ورفض أن تمثل اي فيلم إلا بشرط أن يكون هو المنتج، ولما تعاقدت ليلى مراد مع إحدى شركات الإنتاج الأخرى لبطولة فيلم جديد، اشتعل غضب الفتى المتمرد وطلقها، لتخرج من بيته منهارة بكبرياء، ولكن بعد وساطات عدة من أصدقائهما المشتركين عادت المياه لمجاريها وإن كان لونها وطعمها قد تغير.خيانة الحب
تعرف أنور وجدي على فتاة فرنسية تدعى "لويست" ونشأت بينهما علاقات عاطفية، لتكتشفها ليلى مراد بمنتهى الذكاء، وتمكنت من الإمساك بهما مجتمعان بعدما أنهيا سهرة لهما بإحدى الشقق، ولكن الغريب هو رد فعل ليلى مراد حيث ابتسمت للفتاة وقالت لها "أنا آسفة يا مدام، أنا زوجته" وكان أنور وجدي غير مصدق لما يحدث، وتسمر مكانه في حالة مفاجأة كاملة، لتتكلم ليلى مراد بابتسامة قائلة: "حانفضل واقفين كده ما تتفضلوا بالركوب" .كبرياء حد السماء
طوال الطريق وهم في السيارة "أنور وجدي وليلى مراد ولويست" ظلت ليلى تتكلم وتتحدث عن باريس وكان حديثها حميميا مع لويست ولم تظهر مراد أية مشاعر تظهر نزيف قلبها.. وظلت تتحدث وظل أنور وجدي مستغرقا في صمت لا يوصف، حتى غادرت لويست وصعد كلا من أنور وجدي وليلى مراد شقتهما ليبدأ مشهد أكثر درماتيكية ، حيث قالت لأنور وجدي :"أنا داخلة انام تصبح على خير يا أنور" هكذا بالحرف وبطريقة لطيفة، ورد أنور بالسكوت والذهول على وجه، ولكن ضجيجا كان في قلبه وعقله.واستيقظت ليلى مراد من نومها بعد ساعات قليلة جدا، لتجد أنور وجدي كما تركته جالسا في الصالة صامتا، فقالت له أنا ماشية يا أنور وكانت قد جهزت حقيبة ملابسها :"أشوف وشك بخير وربنا يوفقك".الطعنة
انغمست ليلى مراد في العمل ولمع نجمها مرة أخرى، وازدادت شهرتها بدرجة لافتة للغاية وغير مسبوقة وبلغت مبيعات أسطواناتها من الأغاني أرقاما فلكية، حتى أنها هددت عروش أباطرة الغناء في ذلك الوقت، وانهالت عليها العروض والأعمال من كل الدول العربية، وبلغ ذلك الحبيب القديم، فتأججت نار الغيرة والانتقام في صدره ، ونسي كل شيء وجمع كل قوته الرجولية لينتقم من الأنثى الوحيدة التي أحبته كما لن يحبه أحدا بعدهاأشاع أنور وجدي في إحدى الصحف السورية، أن ليلى مراد يهودية الأصل، وكان ذلك في العام 1954 أي بعد ثورة يوليو واشتعال حالة العداء مع اليهود، وادعت الصحيفة السورية بتوجيه من أنور وجدي أن ليلى مراد تبرعت بمبلغ كبير للغاية لليهود في إسرائيل، لتقوم الدنيا كلها في الوطن العربي بأكمله، وجرت اتصالات سياسية على مستويات قيادية، وتحت ضغط كبير اعتزلت ليلى مراد واحتجبت عن فنها مكتفية بحزن عظيم كان أخر ما خرجت به، بعد حياة مليئة بالأضواء والحب والخذلان، وكان أخر تعليق لها :"الله يسامحك يا أنور".