كانت حرب أكتوبر معجزة عسكرية، تكونت من عدد من المعجزات العظيمة، كان من أهمها معركة المنصورة الجوية في 14 أكتوبر عام 1973، وأصبح هذا التاريخ فيما بعد، عيدا للقوات الجوية المصرية، بسبب البطولة التاريخية التي تحققت في ذلك اليوم، وبعدما خاض الطيران المصرية واحدة من أمجد المعارك الجوية في التاريخ دون مبالغة، برأي كل العسكريين حول العالم.
في مثل هذا اليوم 14 أكتوبر 1973، دارتثاني أطول المعارك في التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية، في سماء مصر، وهي معركة المنصورة الجوية التى استمرت لمدة 53 دقيقة، آخر مواجهات مباشرة بين سلاح الطيران فى قتال مباشر بين طائرة وأخرى.
يوم 14 كتوبر 1973, توجهت 120 طائرة مقاتلة إسرائيلية في وقت واحد لضرب المطارات المصرية بدلتا النيل في المنصورة, وطنطا, والصالحية, فتصدت لها 62 طائرة مقاتلة مصرية فقط.
ودارت بينهم إشتباكات متواصلة طوال 53 دقيقة, كان لقاعدة المنصورة الجوية النصيب الأكبر, ورغم أن العدد في تلك المعركة يشير إلي التفوق الكاسح من حيث العدد لسلاح الجو الإسرائيلي, إلا أنه تلقي درسا لن ينساه وانتهت المعركة بهزيمته وفرار طياريه بعد سقوط18 طائرة لهم.
ففي الساعة (3:15) من مساء نفس اليوم أنذرت مواقع المراقبة المصرية علي ساحل دلتا النيل قيادة القوات الجوية المصرية بان هناك(20) طائرة فانتوم قادمة من اتجاه البحر وهي تطير باتجاه ( بور سعيد والدلتا) فأمر قائد اللواء الجوي (104) بانطلاق (16 طائرةMIG_21) لحماية القاعدة كما أمر طياري هذه المقاتلات بالا تبحث عن الطائرات المهاجمة أو حتي تلتحم معها, لأن قيادة القوات الجوية المصرية قد تعلمت الكثير عن الأسلوب الإسرائيلي في الهجوم وذلك من خلال التجارب التي مرت بها في حرب الاستنزاف أثناء أواخر الستينيات.
و كان الأسلوب الإسرائيلي يتبع نمطا موحدا عند هجماتهم حيث كان يقوم عند أي هجمة جوية بإرسال(3 موجات من المقاتلات) وكان عمل كل موجة علي النحو التالي:
الموجة الأولي:- تعمل علي إغراء المقاتلات المصرية المدافعة وإبعادهم عن الأهداف التي تقوم بحمايتها وبذلك تنصب لها فخا.
الموجة الثانية:- تقوم فيها طائرات الهجوم الأرضي بضرب الدفاعات الجوية المصرية وضرب الرادارات.
الموجة الثالثة:- وهي الموجة الأساسية و التي تقوم فيها المقاتلات القاذفة بضرب الأهداف التي هي أساس تلك الهجمة
واعتبرت القيادة المصرية أن هذه الطائرات هي الموجة الأولي المخصصة لنصب الفخ للمقاتلات المصرية الدفاعية بهدف إشغالها, لذلك طلب من طائرات(MIG_21) المصرية ألا تعترض تلك المقاتلات, فقامت طائرات الفانتوم الإسرائيلية بالطيران في دائرة واسعة لبعض الوقت, و بعد أن أخفقت في إغراء المقاتلات المصرية لكي تترك مدينة المنصورة والقاعدة الجوية, تراجعت إلي البحر المتوسط عائدة الي قواعدها.
و في الساعة (3:30) مساء من نفس اليوم أرسلت قيادة الدفاع الجوي المصري تحذيرا بوجود حوالي 60 طائرة للعدو تقترب من ثلاثة اتجاهات هي( بور سعيد, بلطيم, دمياط) فاصدر قائد اللواء الجوي(104) المصري أمرا باقلاع(.16 مقاتلة( ميجIG_21) واعتراض تلك المقاتلات, وفي نفس الوقت قام بالتوضيح لطياريه لماذا لم يقم بإعطائهم هذا الأمر منذ البداية وطلب من الطيارين أن يهاجموا التشكيلات الإسرائيلية الثلاثة في محاولة لتشتيتهم ميج وبالتالي يصبحون عرضة للقنص ببقية مقاتلات (اللواء104) الجوي, وبعد أن انطلقت16 طائرة( ميج_21) من قاعدة المنصورة الجوية, انطلقت حوالي (8) طائرات مقاتلة ميجIG_21) أيضا من قاعدة طنطا الجوية للمشاركة في القتال ودعم هذه المقاتلات.
وفي حوالي الساعة (3:38) مساءا أخبرت محطات الرادار المصرية القيادة بان هناك حوالي (16) طائرة إسرائيلية أخري وتطير علي مستوي منخفض جدا ومن نفس الاتجاه فتم اقلاع (8 مقاتلات ميجIG_21) من قاعدة المنصورة الجوية و(8 طائرات مقاتلة أخري( ميج_21) من قاعدة أبو حماد الجوية للمساعدة في صد الموجة الثانية.
و في حوالي الساعة(3:52) مساء التقطت الرادارات المصرية موجة أخري من طائرات العدو حوالي (60) طائرة أخري من طرازي فانتوم وسكايهوك. وكانت تطير علي مستوي منخفض جدا و من نفس الاتجاه كما في السابق ويعتقد بان مهمة تلك الطائرات ضرب أهداف لم يتم أصابتها في الموجة الثانية. ومع اقتراب الموجة الإسرائيلية الثالثة من بلدة دكرنس الموجودة في دلتا النيل دخلت في اشتباك جوي مع الطائرات المصرية, و بينما كانت الموجة الإسرائيلية الثانية تهرب شرقا فقد قامت حوالي(20) طائرة( ميج) بالهبوط للتزود بالوقود والمعركة مستمرة من فوقهم ثم اقلعت مرة أخري لاعتراض طائرات العدو.
وقد أدرك قائد الموجة الثالثة من الطائرات الإسرائيلية بأن الهجمات السابقة فشلت, وأن هناك مقاتلات مصرية في سماء المعركة أكثرمما كان يتوقعه فامر الطائرات الإسرائيلية بالتراجع وعبرت آخر طائرة إسرائيلية الساحل الشمالي حوالي الساعة(08-4 مساء)..
بالرغم من التفوق العددي والنوعي من جانب القوات الجوية الإسرائيلية حيث أنها امتلكت طائرات مختلفة الطرازات وحديثة لعل أهمها هذا بالإضافة إلي طياريها ذوي التدريب الفائق و الخبرة الممتازة، فإن ما كان يميز الجانب المصري عن نظيره الإسرائيلي هو أن الطيارين و الطائرات المصرية كانت مدعومة بموظفي الصيانة و محطات القيادة و السيطرة و التوجيه الأرضي لأن المعركة كانت فوق الأراضي المصرية في دلتا النيل, و الروح المعنوية العالية للطيارين لأنهم كانوا يدافعون عن سماء بلادهم, و بسبب أيضا ما حققته الضربة الجوية في يوم6 أكتوبر1973 من أهداف أعادت لهم الثقة بالنفس مرة أخرى. وهذه المعركة تدرس الأن في أكبر المعاهد العسكرية في العالم.
يوم بطولي كتبه أبطال قواتنا الجوية بحروف من نور تسطر في تاريخ الشجاعة وتالبطولة والتخطيط السليم، حيث تفوق المصريون بالإيمان بالله وبأنفسهم وبالتخطيط السليم، على الإمكانيات التكنولوجية والتقنية الجبارة التي كان يتمتع بها العدو، لتستحق القوات الجوية عن جدارة لقب "نسور الجو".