باعتراف الوزير: منظومة النقل النهري في مصر "فاشلة".. خبير: ماتت إكلينيكيا.. ودراسة: تراجع دعم الدولة أوقعها في مأزق

ما أجمل أن تقف على النيل شاردًا في جمال الكون، ناظرًا إلى محبوبة غابت خلف ضي القمر، أو حلم طال انتظاره فأبيت ألا تحلق معه في فضاء النيل، وما أجمل أن تستخدم المياه في نقلك لبضائعك، أو في رحلة وصولك إلى منزلك يوميا، كوسيلة نقل بديلة عن زحام الطرق والقطارات، إلا أن تلك الأحلام والتخيلات الوردية تذهب سُدى بمجرد أن تنظر إلى الحال الذي وصل إليه النقل النهري في مصر فعليًا، فتبتعد عن الفكرة فورًا وتحجم عن تنفيذها خوفًا من الموت المحقق أو حتى الأثر السلبي المصاحب.

وفي تصريحات سابقة، علق الدكتور هشام عرفات، وزير النقل، قائلا إن مرفق النقل النهرى يعانى تدهور البنية الأساسية، وتم وضع خطة للنهوض بالقطاع، لكنها تتطلب مشاركة حقيقية من القطاع الخاص، لتنفيذها بشكل كامل ومتطور، في حين احجم أصحاب رؤوس المال عن المشاركة في عملية التطوير التي دعا لها الوزير، بسبب الخسائر المتوقعة، تطبيقًا لمبدأ أن "رأس المال جبان".

وفي دراسة دراسة رسمية، أكدت وزارة النقل بمشاركة عدد من الخبراء أن منظومة النقل النهرى تواجه معوقات، منها جزء مرتبط بالبنية الأساسية للمرفق، وآخر متعلق بالعملاء، وجزء مختص بالمجرى الملاحى، ذاكرة أن تخلى الدولة تدريجيًّا عن الدعم المباشر لخدمات النقل النهرى وغياب دورها التنسيقى فى تخصيص حصص من المنقولات موزعة بين وسائل النقل المختلفة، بالإضافة لخروج الشركات الحكومية من عباءة الوزارات التخصصية إلى وزارة قطاع الأعمال العام أو الاستثمار، كلها عوامل أدت إلى تدهور القطاع.

وذكرت الدراسة أن السياسات سمحت للمستثمرين ببناء مخازن فى الموانئ ومناطق أخرى متفرقة فى محافظات الجمهورية، فتم الاعتماد على نقل السلع عبر الناقلات البرية، نظرًا لتوافرها ليتحول النقل النهرى إلى برى، مضيفة أن من بين أسباب تراجع المنقولات عبر النيل عدم تحديد المجرى الملاحى وتوفير المساعدات الملاحية من شمندورات، وعلامات ملاحية تساعد قائد الوحدة النهرية إلى المكان الملائم للإبحار، والذى يوفر به العمق المناسب لتجنب تعرضه للحوادث مما ينتج عنها توقف فى الملاحية الليلية، إضافة إلى عمق المياه فى الممرات الملاحية، والذى يكون فى بعض الأوقات غير كافي لعملية الملاحة النهرية، إلى جانب الطاقة الاستيعابية لشبكة الطرق الملاحية والتى تتوقف عند الأهوسة.

وأكدت الدراسة أن أسطول النقل يعانى التقادم وتدهور حالته الفنية، وبصفة خاصة الأسطول الحكومى، ومن ثم تسبب فى انخفاض الطلب على النقل، الأمر الذى ترتب عليه تقليل ساعات العمل إلى أن أصبحت شبه متوقفة، كما أن نقل تبعية شركات الشحن من الوزارات المعنية بالنقل بصفة أساسية، إلى وزارة قطاع الأعمال العام، واكتفاء وزارة النقل برسم السياسات دون التدخل الفعلى فى التشغيل، نتج عنه وجود منافسة شديدة بين مشغلى وسائل النقل الأخرى، ومنها شاحنات النقل البرية.

وردًا على ما سبق، قال الدكتور حسن مهدي، أستاذ هندسة الطرق والمرور بكلية الهندسة جامعة عين شمس، إن النقل النهري دوره نقل البضائع منذ قديم الأزل، مؤكدًا أنه ليس بحجم السكة الحديد.

وأضاف "مهدي" في تصريحه لـ"أهل مصر" أن حالة من التدهور أصابت منظومة النقل النهري في مصر، وأن أبرز الأسباب التي أدت به إلى تلك الحال هي تدهور الحالة الفنية للوحدات المتحركة والثابتة مثل الصنادل، حيث أنها وصلت إلى حالة من التهالك يصعب بعدها إعادة تأهيلها أو استخدامها مرة أخرى، إضافة إلى ارتباط عملية النقل بالأهوسة والممرات والترع الملاحية والتي تمر خلالها الوحدات الناقلة.

وأشار أستاذ هندسة الطرق إلى كثرة التعديات على المجرى الملاحي، إضافة إلى سوء حالة المراسي النهرية، وتضارب القرارات الحكومية الواردة بشأنها، فحتى وقت قريب كانت تتبع إداريًا المحليات، رغم أن الجهة المانحة للتصريح هي هيئة النقل النهري، مضيفا أن تضارب القرارات أدى إلى فشل المنظومة.

وتابع: "بالنظر إلى ما يحدث الآن بخصوص مشكلة سد النهضة، وتحديد الحصة المائية لمصر بعد ذلك، فإن عمق الغاطس سيقل بشكل كبير، وهو الأمر الذي سيؤثر بشكل كبير على توسعة عمق النهر والممرات المائية، وبالتالي على عملية نقل البضائع والركاب".

وأكد "مهدي" أن النقل النهري لن يكون بديلا للنقل البري، وأن البديل هو السكة الحديد فقط، مضيفا أن تكلفة النقل النهري أعلى بكثير، إضافة إلى أن الوقت المستغرق في الرحلة عن طريق البر أقل بكثير من المستغرق عن طريق النهر، إضافة إلى أن المستثمر أو التاجر الذي ينقل عن طريق البحر يتكلف مرتين، مرة بنقله البضائع إلى المرسى وأخرى بنقله البضائع خلال النهر.

وذكر أن النقل النهري حاليًا ليس له جدوى، مشيرا إلى موته إكلينيكيا، إضافة إلى أنه ليس ضمن أولويات الدولة، واختتم: "حاول وزير النقل السابق سعد الجيوشي تأسيس فكرة الأتوبيس والتاكسي النهري، وأدخل المستثمرين والقطاع الخاص للمشاركة في الفكرة، لكن الروتين الحكومي، وعدم دراسة الفكرة بشكل جدي، أدى إلى فشلها بشكل ذريع"، مؤكدًا أن الإدارة الحكومية لهذا الملف "ساذجة".

وبالعودة لتصريحات وزير النقل، فإنه أوضح في وقت سابق عدم رضاه عن نسبة المنقول من البضائع والركاب عبر نهر النيل، مشيرًا إلى تحميل شبكات الطرق 99 % من حجم نقل البضائع، ما يمثل خطورة بالغة عليها، الأمر الذي يتطلب معه ضرورة زيادة حركة نقل البضائع عبر نهر النيل والسكك الحديدية وتكاملها مع الموانئ البحرية والكباري بالإسكندرية ودمياط بما يساهم في تخفيف الضغط على شبكة الطرق ومن ثم تقليل تكاليف الصيانة المخصصة لها نتيجة الحمولة الزائدة للسيارات على الطرق السريعة، مطالبًا بدراسة جدية لتطوير القطاع.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً