أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن العلاقات بين مصر وفرنسا قديمة وعميقة وإزدادت قوة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية، ووصف فرنسا بـ"الشريك الأساسى والمميز لمصر".
وقال الرئيس السيسى - فى حوار أجراه مع صحيفة (لوفيجارو) الفرنسية خلال زيارته الحالية لباريس - "إن خبرة الشركات الفرنسية محل تقدير من الجانب المصري، منوها بأنه تم جعل القواعد المنظمة لنشاطها فى مصر أكثر مرونة، وتوقع أن تشهد السنوات القادمة مزيدا من آفاق التعاون والتشاور غير المسبوق بين البلدين".
وحول دعوته لتجديد الخطاب الدينى لمكافحة التطرف، شدد الرئيس السيسى على ضرورة تضافر الجهود لتصحيح التفسيرات الخاطئة للتعاليم الدينية، والتى تستخدم كحجج إيديولوجية لتبرير العنف والإرهاب.. كما شدد على الحاجة الملحة لمراجعة وتجديد الخطاب الدينى لنشر القيم الأساسية للدين الإسلامي، والتى تدعو للسلام والتسامح والتعاطف، منوها، فى هذا الصدد، بالدور الرئيسى الذى تضطلع به مؤسسة الأزهر الشريف فى نشر رسالة الإسلام الحقيقية ونبذ التعصب.
وردا على سؤال حول ما تبقى من الربيع العربى فى مصر، تساءل الرئيس السيسى عما إذا كان ذلك فعلا "ربيع"، وعما إذا كانت اليمن وسوريا والعراق تراه كذلك، مشيرا إلى أن المصريين خلال عامين قاموا بثورتين وأطاحوا برئيسين.، مؤكدا أنه لا يجب أبدا الإستهانة بقوة إرادة الشعوب وبخصوصية كل بلد، لافتا إلى استعداد الشعب المصرى لتقديم كل التضحيات لحماية وطنه والحفاظ على هويته الممتدة إلى ألاف السنين.
كما أشار إلى أن 30 مليون مصرى خرجوا إلى الشوارع فى صيف 2013 للمطالبة باستقالة الرئيس الأسبق محمد مرسي، مؤكدا أن الدولة لديها مؤسسات قديمة وقوية قادرة على عبور الثورات التى تعد تعبيرا عن إرادة الشعب ذات السيادة، وأن الجيش الوطنى لديه هدف واحد هو حماية الشعب والبلاد بعيدا عن أى إعتبارات حزبية.
وحذر الرئيس السيسى من أيديولوجية جماعة (الإخوان) الإرهابية ومن استخدامها للسياسة للاستيلاء على السلطة، موضحا أن الجماعات الإرهابية كلها باختلاف مسمياتها، مثل (حسم، القاعدة، داعش، بوكو حرام) وغيرها، تنتهج نفس الفكر القاتل وتسعى لتدمير ليس فقط العالم العربى بل العالم بأسره.
وعن إذا ما كانت مصر تستعد لحرب طويلة مع الإرهاب، قال الرئيس السيسى "إن كل المتطرفين الذين سيفرون من سوريا والعراق سيحاولون دخول ليبيا لاتخاذها وكرا لهم، ومن هناك سيخططون لهجمات مفاجئة ضد مصر وكل الدول الأفريقية والأوروبية، ولذا فعلى كل دول العالم تعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب، مذكرا بمقتل 21 قبطيا مصريا فى ليبيا على يد عناصر إرهابية فى فبراير 2015".
كما أكد الرئيس السيسى أنه من الأفضل فصل الدين عن السياسة، مدللا على ذلك بالفشل الذى نتج عن ربطهما فى أفغانستان والصومال.
وحول دور مصر فى المصالحة الفلسطينية وسبل التسوية النهائية للنزاع الإسرائيلى - الفلسطيني، أكد الرئيس السيسى أن القضية الفلسطينية مازالت على رأس أولويات السياسة الخارجية المصرية، منوها بالجهود المكثفة التى تبذلها مصر للتوصل لحل نهائى بإقامة دولتين بما يسمح بالحفاظ على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وإحلال السلام والاستقرار فى المنطقة.
وأوضح أن الجهود التى بذلتها مصر خلال الأشهر الأربعة الماضية، سمحت بإبرام اتفاق بين حركتى فتح وحماس يتعهد بموجبه الطرفان بتشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى إدارة قطاع غزة اعتبارا من أول ديسمبر القادم، مشيرا إلى أن الجهود المصرية ترمى أيضا إلى تحسين الوضع الإنسانى فى قطاع غزة، وهو بعد تولى له مصر أهمية كبرى، مبينا أن الاتفاق سيمكن حكومة الوفاق الوطنى من فرض سيطرتها على كل المعابر الحدودية بقطاع غزة.
وبشأن الأزمة السورية، وإذا ما كان على أوروبا وحدها تحمل عبء اللاجئين، قال الرئيس السيسى "إن الطريق الوحيد لحل الأزمة فى سوريا هو التسوية السياسية التى تحفظ وحدة الدولة وتنهى معاناة الشعب السوري، مؤكدا أنه من هذا المنطلق، فإن مصر تدعم المبادرة الفرنسية لتشكيل مجموعة اتصال تشرك الأطراف الأساسية فى حل الأزمة".
وأضاف أن مصر مثل فرنسا، انطلاقا من مقاربة واقعية وبراجماتية، لا تجعل من رحيل الرئيس السورى بشار الأسد شرطا مسبقا لبدء عملية سياسية حرة وعادلة تفضى لتسوية الأزمة.. لافتا إلى أن الأمر الأكثر إلحاحا يتمثل فى الوضع الذى يعيشه الشعب السورى وضرورة ألا يترك أسيرا للمجموعات الإرهابية.
وأشار الرئيس السيسى إلى الأولوية القصوى التى توليها مصر لتحسين الوضع الإنسانى على الأرض، وبتحركها على الصعيد الدول كعضو فى مجلس الأمن الدولى لإعداد قرارات تحمى السكان المدنيين.
وبخصوص اللاجئين السوريين، قال الرئيس عبدالفتاح السيسى - فى حواره مع صحيفة (لوفيجارو) الفرنسية خلال زيارته الحالية لباريس - "إن مصر بالرغم من الضغوط الاقتصادية والتحديات الأمنية استقبلت خلال السنوات الستة الأخيرة أكثر من 500 ألف لاجىء سوري، لا يتم نقلهم لمخيمات أو مراكز استقبال بل يتمتعون بنفس حقوق المواطنين المصريين بمجالى التعليم والصحة".
وأشار إلى أن عددا كبيرا من الرعايا السوريين اندمجوا فى الحياة الاقتصادية والاجتماعية المصرية، معربا عن أسفه من أن وسائل الإعلام الغربية لا تتحدث عن هذا الأمر.
وحول الملف الليبي، قال الرئيس السيسى "إن المسألة الليبية تعد قضية مركزية بالنسبة لمصر، حيث أن هناك علاقات تاريخية واجتماعية وسياسية بين الشعبين الشقيقين، مما يجعل من الممكن تواجد أفراد من نفس الأسرة على جانبى هذه الحدود المشتركة الممتدة لـ1200 كم".
وأضاف "أن الاتفاق السياسى بين الأطراف الليبية يمثل الأساس المقبول لتسوية شاملة فى البلاد، وذلك بجانب التراجع الملحوظ لأنشطة المنظمات الإرهابية والتقدم الذى حققه الجيش الوطنى الليبي، مما يطرح فرصة جيدة لاستعادة الاستقرار ويجعل الوضع مناسبا لطى هذه الصفحة المؤلمة من تاريخ الشعب الليبى وبدء مرحلة إعادة الإعمار".
وأشار الرئيس السيسى إلى دعم مصر للمجتمع الدولى والأمم المتحدة للتوصل لتسوية سياسية شاملة قبل انقضاء الفترة الانتقالية فى 17 ديسمبر القادم، مؤكدا أن التنسيق مع فرنسا فى هذا الملف يتم على مستوى عال، وأنه على يقين من أن الجهود المشتركة برعاية الأمم المتحدة ستسمح بوضع إطار سياسى شامل يضع حدا لإراقة الدماء ويقدم للشعب الليبى إمكانية استعادة السيطرة على مقدراته وإعادة بناء دولة قوية ومتينة.
وحول الاصلاحات الاقتصادية ومردودها الفعلى على المواطن المصري، أكد الرئيس السيسى أن الحكومة المصرية تسعى للانتقال إلى اقتصاد حديث قائم على الاستثمارات الإنتاجية، فضلا عن تطوير البنية التحتية من طرق وكبارى وكهرباء ومدارس، منوها بأنه تم أيضا تبسيط الضرائب على الشركات الصغيرة للحد من الاقتصاد غير الرسمى والأنشطة غير المعلنة، موضحا أن الضريبة على القيمة المضافة المطبقة فى 2016 ساهمت فى تحسين عملية تحصيل العوائد، كما ستسمح، بحسب الخبراء، بخفض التضخم خلال الأشهر القادمة.
ولفت إلى أن التعداد السكانى لمصر بلغ 100 مليون نسمة، فضلا عن أن الشباب فى سن العمل يشكلون الأغلبية.. مؤكدا أن المشروعات القومية الكبرى التى تنفذها الدولة، مثل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة، توفر فرصا وتخلق وظائف.
وأضاف الرئيس السيسى "أن الشركات الفرنسية تشارك بشكل نشط فى هذه الدينامية للتنمية على غرار ما حدث من زيادة خطوط مترو الأنفاق بالقاهرة، وهو سوق فازت به مجموعات فرنسية، معربا عن أمله فى أن تستثمر وتزدهر العديد من الشركات الفرنسية فى مصر".
وبشأن الانتقادات لحقوق الإنسان فى مصر، أكد الرئيس السيسى عالمية حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن احترامها ضرورى حيث يسمح بمكافحة الإرهاب على نحو أفضل، مشددا على أولوية تحسين حياة المصريين وعلى أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تعد الأساس لحياة كريمة.
كما أشار إلى أن الهدف الأول الذى وضعه يتمثل فى توفير مسكن لائق للمواطن، فضلا عن الرعاية الطبية وضمان حصوله على تعليم جيد، منوها بالتقدم المحرز فى تلك المجالات بالرغم من التحديات الأمنية والاقتصادية.