في السابعة من صباح كل يوم، يستيقظ الرجل الأربعيني صاحب عربة "كارو"، ترتدي طفلته الوحيدة ذات الـ12 عام ملابس المدرسة بمساعدة والدتها، تزامنًا مع تجهيز "عبد الله" لحماره، لتصعد العائلة المكونة من 3 أفراد على العربة الكارو في تمام السابعة والنص.
يتوقف "عبد الله" بعربته الكاور أمام مدرسه طفلته الطالبة في الصف الثاني الثانوي، بعدها يبدأ هو وزوجته رحلة الكفاح في الحياة، بحثُا عن الرزق في شوراع "شبرا".
يتوقف عبد الله بعربته الكارو أمام مدرسة طفلته الطالبة في الصف الثاني الاعدادي، بنظرات يتداخل فيها حلمه بمحو نظرة الانكسار في أعين ابنته بعد رؤية زملائها لأبيها بعربته الكارو يوميًا وعدم قدرته على توفير حياة سعيدة لها، فتتجمع حبات الدموع بمقلتيه، يزيحها بعيدًا ويهز جسد حماره لتتحرك العربة ويبدأ هو وزوجته رحلة البحث عن الرزق في شوارع شبرا.
حيل كثيرة يلجأ إليها "عبد الله" لتصليح العربة الكارو التي تتركز مشاكلها في "الكاوتش"، فيقول: "لو كاوتش العربية الكارو باظ بروح أجيب غيره أو أصلحه بجنيهات ولو مفيش معايا فلوس بدور في الزبالة وبلاقي كاوتشات مرمية باخد واحد لعربيتي".
أيام يقضيها "عبد الله" وجيبه خالي من الأموال "ممكن أكسب في اليوم 100 جنيه وأوقات تانية 20 جنيه وأيام مش بكسب فيها حاجة"، في تلك الأيام يبتعد عن مهنة التاجر "لما يكون مش معايا فلوس بشيل الهدم والحمد لله بطلع بفلوس يكفيني يوم"، وفي الأوقات التي يمتلك فيها أموال "بشتري خضار أو فاكهة وأسرح بيهم".
قرار العمل على عربة كارو، ليس بالأمر السهل، فأسعار "الحمير أو الأحصنة أو البغال" دائمًا في ارتفاع، لكن "عبد الله" لديه طريقتين في أمتلاك واحدة منهم "فيه طريقتين.. الأولى بجيب حمار بالتقسيط والتانية بتشتري حمار صغير وأربيه ولما يكبر بطلعه يجر العربية".
بيع البضائع أو حمل الهدم من منطقة لأخرى لم يكن عملًا جديدًا اختباره عبد الله بحثًا عن الرزق "أنا ورثت الشغلانة دي من أبويا اللي ورثها من جدي، عيلتي بقالها 40 سنة شغالة على عربات كاور".
وعلى أعتاب محطة "المرج" يقف الشاب العشريني ينادي بأعلى صوته "طماطم طازة وبأرخص الأسعار"، ينظر المارة على العربة الكارو المتهالكة التي تقف وسط أنواع متعددة من القمامة، ويكملوا طريقهم دون التفكير في الشراء.
في السادسىة من صباح كل يوم يستيقظ "إبراهيم" الذي يسكن في "مدينة السلام"، يتصارع مع الوقت ليصل إلى منطقة المرج في السابعة، يشتري بضاعته من السوق المقابل للمحطة "أول ما بوصل بشتري البضاعة من السوق وأطلع العربية من مخزن واحد من التجار هناك وببدأ أبيع طماطم وأوقات فاكهة".
بين الحين والأخر يفاجئ "إبراهيم" الذي خرج من التعليم بعد حصوله على الشهادة الإعدادية بتفوق بعد وفاة والده، بحملات إزالة أشغالات الطرق "الحملات لما بتيجي أنا بجري بالعربية وأخبيها في المخزن وتاني يوم بفرش"، في تلك اللحظات يحلم "إبراهيم" بالحصول على سيارة ينقل عليها بضائع "قرار محافط القاهرة لو أطبق صح هيكون مفيد لينا، بس أنا ممعيش أدفع الأقساط".
يذهب "إبراهيم" إلى بيته في الثانية من منتصف الليل ليجد والدته وشقيقته في انتظاره "أنا مجبتش حمار على العربية الكارو عشان أعرف أوفر فلوس لأمي وأختي"، كل ما يجنيه "عبد الله" يضعه تحت حساب تجهيز شقيقته التي من المقرر أن تتزوج العام الحالي "لما أكون بجهز أختي هدفع تقسيط العربية والا التروسيكل أزاي!".
وبالانتقال من المرج إلى منطقة حلمية الزيتون، يسير "مصطفى" صاحب الخمسين عامًا في إحدى ميادين بالمنطقة يتبعه صفارات من عشرات السيارات التي تحاول أن تتخطاه، لكن الحمار يسير ببطأ بعد أن أصيب بقطع في القدم منذ أسبوعين، ينجح مصطفى في اصطحاب الحمار بالعربة الكارو المتهالكة بعيدًا عن الطريق الرئيسي.
منذ عشرة سنوات وتحديدًا في شتاء عام 2007، فقد "مصطفى" وظيفته في إحدى المستشفيات الحكومية "كنت شغال عامل نظافة لمدة 5 سنين في مستشفى حكومي"، لكن بعد شهر من أصابته بالكلى، لم يعد قادرًا على مشقة العمل هناك "تركت الشغل في المستشفى واشتريت حمار وعربية كارو وبقيت أبيع حضار"، معتمدًا على المبادرة التي أعلنت عنها محافظة القاهرة عام 2006 "أنا قولت أني هاخد عربية لكن المباردة متنفذتش".
10 سنوات من المرض والشقاء، أهلكت جسد "مصطفى" الذي رزق بـ3 بنات، تزوجت أحداهم "بنتي الكبيرة أتجوزت وفاضل بنت في ثانوية والتانية في كلية تجارة"، مصاريف الثانوية العامة والمنزل أصبحت ثقل على ظهر "مصطفى" الذي لم يعد يجني أموال كالماضي "مبقتش قادر أشتغل زي الأول وفي نفس الوقت مقدرش اسيب بناتي تشتغل".
أشهر عديدة انتظرها لبدء عمل جديد "مصطفى" منذ المباردة التي أعلن عنها المهندس عاطف عبدالحميد محافظ القاهرة "قاهرة بلا كارو"، في نهاية نوفمبر الماضي، لكن دون تنفيذ على أرض الواقع، ليتجدد الأمل بداخله من جديد بعد أعلان المحافظ عن المباردة للمرة الثانية في بداية العام الحالي، "لو اخدت تروسيكل أو عربية ربع نقل هشتغل بيها نقل بضاعة أو أبيع خضار"، لكن عدم القدرة على القيادة مشكلة يواجها صاحب العربة الكارو الذي لم يرى كالسابق "أنا ممعيش رخصة ولا بعرف أسوق ونظري ضعيف هسوق إزاي.. كده مش هستفاد من المبادرة".
يحاول صاحب البشرة القمحية أن يجني أموال لشراء حصان بدلًا من حماره المريض "الحمار اشتريته بالتقسيط من 5 سنين كان بألف جنيه ودلوقتي محتاج أشتري حصان بدل ما أفضل أصرف فلوسي على الحمار المريض ده".