قبل ثلاثة شهور من انتخابات رئاسية من المفترض إجراؤها في مصر مطلع العام المقبل، تكثفت العلميات الإرهابية التي تستهدف الجيش والشرطة المصرية معيدة بذلك تساؤلات عن هذه المتلازمة بين الإرهاب والأحداث السياسية الهامة، وفقاً لصحيفة الواشنطن بوست.
الأحداث الدامية الأخيرة اندلعت بعد ساعات من قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، تمديد حالة الطوارئ القائمة بالفعل بالبلاد لثلاثة شهور أخرى، ما يعني أن الانتخابات المقبلة ستأتي في ظل استمرار الطوارئ.
ويعتبر حادث طريق الواحات الأكبر من حيث عدد ضحايا الشرطة في مواجهات مباشرة مع المسلحين، بعد "مذبحة أسيوط" التي سقط فيها 105 أفراد 5 ضباط و100 مجند، عندما هاجم أعضاء من الجماعة الإسلامية مقرات شرطية في أسيوط جنوبي البلاد، من بينها مديرية أمن أسيوط، وذلك بعد يومين من مقتل الرئيس الراحل أنور السادات في أكتوبر 1981.
سيناء
في العام 2014، أعلن السيسي فرض حالة الطوارئ على سيناء، في ظل العمل بالدستور المصري الجديد؛ بعد انتخابه رئيساً للجمهورية بمدة قصيرة، وتحديداً في 24 أكتوبر من العام نفسه.
وبدأت الطوارئ في أجزاء مختلفة من محافظة شمال سيناء لمدة ثلاثة أشهر، وشملت مناطق رفح، وجبل الحلال، والعوجة، وغرب العريش، وذلك على أثر مقتل 29 جندياً في اليوم نفسه، في هجومين مختلفين على عدد من المجندين.
وقالت الصحيفة إن وتيرة العمليات الإرهابية ارتفعت خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث بلغ عدد العمليات الإرهابية خلال تلك الفترة ألفاً و165 عملية، وقت إعداد الدراسة، في يوليو 2017.
واحتل عام 2015، وفقاً للدراسة، أكبر نسبة من عدد العمليات الإرهابية خلال السنوات الثلاث؛ حيث ارتفعت في الأشهر الثلاثة الأولى من ذلك العام بشكل لافت، وقد وقع في شهر يناير 124 عملية عنف مسلح، قبل أن يتراجع العدد إلى 105 في فبراير.
وبلغت العمليات ذروتها في مارس بـواقع 125 عملية، في حين انخفض عدد العمليات بشكل تدريجي منذ شهر أبريل 2015 "72 عملية"، ثم حدث انخفاض آخر في شهر مايو 2015 "63 عملية"، حتى يونيو 2015 الذي شهد انخفاضاً كبيراً في العمليات لتصل إلى 23 عملية فقط.
وظل منحنى التراجع في عدد العمليات الإرهابية، خلال النصف الأول من عام 2016، يعاود الارتفاع في الربع الأخير، حيث وقعت 104 عمليات خلال الشهور الثلاثة الأخيرة من العام.
في 11 ديسمبر 2011، وقع تفجير ضخم بالكنيسة البطرسية بالقاهرة، وراح فيه 30 شخصاً، وأصيب 31 آخرون، وقد تبنّى تنظيم "داعش" مسؤولية التفجير.
وفي 9 أبريل 2017، وقع تفجيران؛ أحدهما في كنيسة مارجرجس بمدينة طنطا بمحافظة الغربية، والآخر في الكنيسة المرقسية بالإسكندرية، وقد أسفرا عن مقتل 46 شخصاً وإصابة نحو 126 آخرين، وذلك خلال احتفالات الأقباط بأحد السعف "الشعانين"، وقد تبنّى "داعش" التفجيرين أيضاً.
تصريحات البلتاجي عن سيناء
الأيام التي أعقبت عزل مرسي لم تخل من سلسلة هجمات استهدفت مقرات أمنية وكمائن للشرطة، في مدينة العريش والشيخ زويد؛ وهكذا استمرت 4 سنوات من المواجهات المباشرة مع الإرهاب، لم تتوقف ولو للحظة واضحة، كان ذلك أيضا نتيجة واضحة ومباشرة لتضامن دواعش الإسلاميين مع الإخوان، الذين نفذوا تهديدهم بنشر الترويع والتفجير في جميع ربوع مصر، وتدميرها.
وحسب الأنباء المتواردة عن هجمات الواحات فإن هذا يعود لمعسكر الإرهابيين الذي يوجد به ما لا يقل عن ١٠٠ شخص يتولى قيادتهم ضابط الصاعقة الإرهابي هشام عيسوي او ما يعرف بـ"عشماوي"، الذي كون المجموعة من عناصر داعشية قام بالتواصل معها في ليبيا، ويعرف ملفات الصحراء جيدا.
-العقل المدبر
قيمة العشماوي تكمن في كونه العقل المدبر لأشهر العمليات التي قام بها تنظيم أنصار بيت المقدس ضد قوات الجيش المصري في سيناء، ولعل آخرها عملية كرم القواديس التي سقط فيها العشرات من عناصر الجيش المصري وأعقبها مباشرة ولاء أنصار بيت المقدس لتنظيم داعش.
كما أن شخصية العشماوي القيادية لتوجهاته الجهادية، التي قدم بسببها للمحاكمة العسكرية التي قضت بفصله من الجيش، حولت الوجود الجهادي بسيناء من مجموعات فوضوية الأهداف والإستراتيجية إلى تنظيم مسلح ضارب رمى بثقله كله في المواجهة مع قوات الجيش المصري بعد الانقلاب العسكري.
تاريخيا ينحدر عدد من قادة تنظيم القاعدة والتيار الجهادي المصري عموما من المؤسسة العسكرية، التي استفادوا منها في صقل قدراتهم القتالية ومواهبهم القيادية، فمحمد عاطف المعروف بأبي حفص المصري الذي كان قائدا عسكريا لتنظيم القاعدة قتل في 2001، كان ضابطًا في القوات الجوية المصرية، وزميله سيف العدل أبرز قيادات الصف الأول بتنظيم القاعدة كان ضابطا في الجيش المصري، كما أن حقبة الثمانينيات التي تبلور فيها التيار الجهادي المصري،ودُشنت فيها مرحلة المواجهة القطرية مع النظام المصري باغتيال الرئيس أنور السادات.
وقد كانت استراتيجية تنظيم القاعدة في بلدان الربيع العربي تتمحور في تجنب أي عمل مادي يخرج عن سياق خيارات الشعوب السلمية، ومطالبها الموحدة بالعيش والحرية و العدالة الاجتماعية.
جاءت خطوة بيعة أنصار بيت المقدس لتنظيم داعش مربكة وغير متوقعة، خصوصا وقيادات من أنصار بيت المقدس ترى أن الخلافة التي أعلن عنها البغدادي غير شرعية، بسبب افتقادها لشرط الشورى، وعدم موافقة كل منظري التيار الجهادي ورموزه عليها.
حالة الإستقطاب الحاد بين تنظيم القاعدة و تنظيم داعش انعكست على المشهد الجهادي في سيناء ففي حين اختار أبو أسامة المصري التواصل مع قيادة تنظيم داعش للبيعة وإعلان سيناء ولاية تابعة للبغدادي، رفض أبو عمر المهاجر (هشام عشماوي) الخطوة وتواصل في المقابل مع قيادة القاعدة من أجل الإنشقاق هو والعناصر الرافضة لبيعة البغدادي، وتأسيس فرع لتنظيم القاعدة في مصر على غرار ما حصل في سوريا من انشقاق الجولاني وارتباطه المباشر بالقاعدة.
-المرابطين
اسم "المرابطين" الذي حمله التنظيم الذي أسسه عشماوي ينبغي أن ينظر إليه في سياق المنافسة بين تنظيم داعش والقاعدة على جهاديي الصحراء الكبرى وشمال إفريقيا، فلا يمكن الإعلان عن جماعة باسم "المرابطين" في ظل وجود جماعة أخرى بنفس الإسم ونفس البنية الفكرية وتنشطان في مجالات جغرافية متقاربة، إلا أن تكون إحداهما تابعة للأخرى.
فمن المعروف أن جماعة المرابطين تأسست في الصحراء الكبرى بعد اندماج "جماعة الملثمين" بقيادة مختار بلمختار مع "جماعة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا" بقيادة أحمد التلمسي وتم تعيين أبو بكر المصري أميرا على التنظيم الجديد في أغسطس 2013.
إذن القاعدة تراهن على جماعة المرابطين وعلى قائدها هشام عشماوي، في تمثيل سرديتها بمصر، وتأطير شباب التيار الجهادي هناك في أفق تأسيس مشروع جهادي صلب وناضج، ورهانها أكبر على إرث الحركة الجهادية بمصر ورموزها وتجاربها الطويلة من أجل قطع الطريق على أيديولوجية التكفير، فلا تكون مصر كتونس التي تغلغلت سردية تنظيم الدولة الإسلامية بين شبابها بسبب غياب الرمز والتجربة.