عندما تسير في حي راق، تحيط بك الأبراج الشاهقة، عن يمين ويسار، ثم ترى شارع منزوي بين عمارتين عملاقتين، وعندما تدخل فيه تكشتف حارة بعيدة عن الأنظار، يفصلها عن السكة الحديد سور، ثم تجد المفاجأة، أن هناك بشرًا يعيشون في هذا الزقاق.
حجرات كالمقابر على مساحة ما ييزيد عن الفدانين، وحسب وصف ساكنيها، فالمقابر أفضل منها، تلك الحجرات المبنية من الطوب أو الطين، وأسقفها من الخشب، ويسترها باب من الصفيح.
1000 أسرة تعيش في هذا الزقاق، أمواتًا هم ولكنهم لا زالوا على قيد الحياة، أطنان من القمامة تحيط بهذه العشش، بما تحويه من آفات وأمراض، قبائل من الذباب تتطاير من حولك، وكلما توغلت أكثر كلما زاد الأمر سوءًا، لتجد أسر كاملة تسكن فوق برك من المستنقعات.
عندما تتحدث إليهم تجد براكين من الغضب، يقول "عبد الراضي"، أحد أهالي المنطقة: "أعيش هنا منذ أكثر من 40عام، أنا و زوجتي، ولداي الاثنين بزوجاتهم، كنا نسكن في عشة في مكان إحدى العمارات المبنية حاليًا، وعندما بنوها، قاموا بهدم كل العشش، وعندما أتى موعد تسلم الوحدات وجدت اسمي من بين الذين حالفهم الحظ ولكن حتى الآن لم أتسلم شيئًا، فبنيت لولدي وزوجته هذه العشة من الطين، بسقف من الخشب لتواريهم من العراء، ولكن في فصل الشتاء لا تستطيع العشة حمايتهم من شدة البرد إضافة إلى إنهمار الأمطار عليهم وهم بداخلها، أما أنا فأنام في الشارع أنا وزوجتي".
وتقول مواطنة أخرى: "كنت أعيش في إحدى العشش مع زوجي وابني وعندما جاءت لجنة من محافظة الجيزة لمباشرة بناء العمارات جاءني أحد الضباط وقال لي "ماتخافيش يا حاجة احنا هنعملك اللي أنتي عايزاه" وفوجئت بهم يهدمون العشة بما فيها من ملابس وأغراض، وعندما اشتد بي الحال طلقني زوجي وتركني هنا العراء ليعطف عليّ أحدهم أن أنام أنا وابني الرضيع عنده".
العشش متهالكة لا تصلح للعيش الآدمي، ولكن ماذا سيفل هؤلاء، فهم مضطرين لتلك العيشة، فاليوم يملكون قوت يومهم، ولا يملكونه غدًا، فليس بها سوى كهرباء وفقط، ولا تصلها المياه، ومن أرادها فاليذهب ليأت بها من الحنفية التي تغذي المنطقة بأكملها، وأما عن ملابسهم فتجدها معلقة على باب العشش أو على حبال خارجها مثبتة على سور السكة الحديد.
ولم تتوقف الكوارث عند هذا الحد فقط، بل إن تلك العشش تنبثق من أرضها مياه لا يُعرف لها مصدر، فتجد أن محتوياتها عائمة، وسكنها عائمون في مياه آسنة، ويفاجئ من يفترش الأرض أنه يفترش المياه.
قصة أخري، عن جانب منسي من جوانب أحد أحياء القاهرة، فمما يدعوا للدهشة أن هذه المنطقة تتبع حي المهندسين، أحد أرقي أحياء العاصمة، سطلت كاميرا أهل مصر، الضوء على هذه المشكلة الإنسانية، عل أصحابها يجدون مجيبًا.