تجاهلو معاهدة سايكس بيكو قبل أكثر من 100 عام، فتوزعوا بين أربع دول، العراق وسوريا وتركيا وإيران، إنهم الأكراد.
يعد أكراد العراق أفضل حالًا بكثير من قرنائهم في دول الجوار، فهم ومنذ عام 1991 حققوا مكاسب، وأنشأوا إقليمًا تحت الحماية الأمريكية والأممية ليحكموا أنفسهم منذ ذلك الحين، في الوقت الذي كان فيه النظام السوري يعد الأكراد من مواطني الدرجة الثانية، بالإضافة إلي عدم منحهم الجنسية السورية، وكذا حالهم في تركيا وإيران، وإن اختلف الحال في العراق؛ وفي هذا التقرير سنقف على أهم ما يواجه الأكراد الآن من محاولات عزلهم عن بعضهم البعض في سوريا والعراق.
-تركيا تعزل أكراد سوريا عن بعضهم
ينتشر الأكراد في سوريا في ثلاث مناطق رئيسة منفصلة هي الحسكة، وكوباني "عين العرب" وعفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، ويعد هذا التوزع الجغرافي غير المتصل، إضافة إلى وجود مُكوّنات إثنية وقومية أخرى في ريف الحسكة، وعدم وجود الطبيعة الجبلية في المناطق ذات الغالبية الكردية كما في تركيا، وجبال قنديل في العراق، كلها عوامل وقفت عائقًا أمام أكراد سوريا في القيام بأي أعمال تمرد ضد النظام السوري.
-عزل أكراد العراق عن أكراد سوريا
تمتد الحدود الإدارية الرسمية لإقليم كردستان العراق من مدينة السليمانية شرق العراق، وصولًا إلى مدينة دهوك في أقصى غرب العراق، ويمثل الخط الأزرق الحد الفاصل بين القوات العراقية التي كانت تتبع نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وبين الأكراد وقوتهم المعروفة بالبيشمركة، والخط الأزرق هو حدود افتراضية كانت الأمم المتحدة قد رسمته عام 1991 وكانت مناطق إقليم كردستان من ضمن المناطق التي يحظر فيها على القوات العراقية تجاوزها أو الطيران فوقها، إلا أن الأكراد، وبعد عام 2003، توسعوا وسيطروا على مناطق في محافظات كركوك ونينوى وصلاح الدين وديالى.
-معبر فيشخابور حلبة الصراعات الإقليمية
يقع معبر فيشخابور الحدودي على نهر دجلة، على بعد نحو 50 كيلومترًا غرب مدينة دهوك، وأنشئ عام 1991، ويعد المنفذ الوحيد الذي يربط إقليم كردستان بسوريا، يقع على المثلث الحدودي التركي العراقي السوري، ويسمى المعبر من جهة سوريا بمعبر سيمالكا، وبعد عام 2003 تراجع العمل في المعبر بسبب تنشيط معبر ربيعة التابع لمحافظة نينوى.
لا تعتمد الحكومتان العراقية والسورية معبر فيشخابور رسميًا، ويستخدم المعبر منذ بدء الثورة السورية عام 2011 لنقل الأشخاص بدرجة أساسية، فضلًا عن نقل بضائع محدودة، وتسيطر عليه حاليًا من الجانب العراقي البيشمركة، ويعد المعبر ممرًا استراتيجيا للأكراد في سوريا والعراق، خاصة بعد اندلاع الثورة السورية، وسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية على مناطق واسعة في الشمال السوري، بالإضافة إلي أنه يعد أحد أهم المنافذ الخارجية لأكراد سوريا، وإذا ما فرضت الحكومة العراقية سيطرتها على المعبر، فسيكون أكراد سوريا بمعزل كامل عن أقرانهم في العراق، فضلًا عن خسارة أكراد سوريا منفذ تزويدهم بالأسلحة.
-خروج بارزاني
لا يعني خروج مسعود بارزاني من الرئاسة في كردستان العراق غيابه عن المشهد السياسي، حيث يؤكد مراقبون على أنه سيستمر في التأثير ولكن بشكل غير مباشر ومن خلال أشخاص مقربين منه.
ولحين إجراء انتخابات جديدة في كردستان منتصف 2018، يُعد منع وقوع أية فوضى في الإقليم المنقسم سياسيًا، وامتصاص صدمتي إخفاق مشروع الاستقلال، و"نشوة الانتصار" لدى بغداد، وإدارة هادئة للخلافات أبرز التحديات أمام الإقليم.
حلم بارزاني كان مغادرة رئاسة الإقليم إلى منصب آخر، يشبه حلم سابقيه من القادة التاريخيين للأكراد في دول المنطقة، وهو رئاسة الدولة الكردية، واعتمادًا على قراءته الشخصية للوضع وتحليلات قدمها مستشارون يحيطون به وعدم الالتفات لدروس التاريخ القريب.
أعلن عن توجه الإقليم لإجراء استفتاء لتقرير المصير الذي يعني مخرجًا واحدًا وهو طلب الاستقلال عن الدولة العراقية، لكن القراءات التي اعتمدها تضمنت تهوين الفكرة أو استسهالها في هذه المرحلة، لأن بغداد متجهة للاستقواء أكثر بإيران وبقية أصدقائها في المستقبل مما يُصعب على الأكراد إجراء استفتاء.
واعتمد الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي ينتمي له بارزاني التوريث، حيث خلف هو رئاسة الحزب عن والده مصطفى بارزاني الذي أسسه عام 1946، واليوم هناك عدد من القادة البارزين في الحزب بمجالي السياسة والأمن من أفراد أسرة بارزاني، فهناك ابن أخيه، نيجيرفان إدريس بارزاني، وهو سياسي معروف يقود حكومة الإقليم منذ سنوات، وهناك النجل الأكبر لبارزاني، مسرور، وهو مستشار مجلس الأمن لإقليم كردستان ويُعد أبرز المرشحين لخلافة والده سواء في منصب رئاسة الإقليم، أو رئاسة الحزب.
إضافة إلى سياسيين أقل أهمية، مثل دلشاد مصطفى بارزاني، وهو سفير العراق بألمانيا، وسيوان صابر بارزاني وهو أيضًا سفير في هولندا، وسيروان صابر بارزاني وهو قائد وحدة للقوات الخاصة، ومنصور مسعود بارزاني وهو قائد قوة خاصة تضم وحدتين، وكل هؤلاء أبناء وإخوة وأبناء إخوة الرئيس.
لكن المُهمين من القائمة، هما مسرور بارزاني ، ونجيرفان بارزاني اللذين يتوقع أن يستمرا في صدارة العملية السياسية بالإقليم، وعبرهما سيبقى مسعود بارزاني مؤثرًا في المشهد خلال الفترة القادمة وبانتظار فرصة جديدة للوصول إلى حلم الاستقلال.
وقالت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية أن"اللعبة لا تزال في شوطها الأول وهناك أشواط أخرى،واضعو سيناريو الأحداث في المنطقة يديرون اللعبة ضد مصالح الأكراد، لكن الشوط التالي سيبدأ بعد الانتخابات العراقية القادمة "إبريل 2018".
وأضافت أنه "عندما هاجم داعش كردستان كان وضع الأكراد أسوأ من وضعهم الراهن، ثم انقلبت المعادلة وتحولت كردستان إلى مفتاح القضاء على داعش واستعادة معقلهم مدينة الموصل، الذي نراه من ممارسة عملية للقوة من قبل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تجاه كردستان هو محاولة لضرب خصومه ومنافسيه الشيعة للاستمرار بمنصبه لدورة ثانية بدعم أمريكي إيراني، وهذه القوة تذكرنا بالقوة التي كان عليها سلفه المالكي قبل أن تنقلب الأوضاع ضده على يد داعش، أي أن القوة قابلة لتتحول إلى ضعف والانتصار إلى هزيمة خلال وقت وجيز، وبالنسبة لكردستان لم تنته بعد اللعبة، بقليل من رص الصفوف قد يحولون نكستهم إلى انتصار في ظل تطورات كثيرة مقبلة وغير متوقعة".
التطورات التي انتهى إليها مشروع الاستقلال الكردي في العراق حزينة، تشبه إلى حد بعيد نهاية مشروعهم لنيل الحكم الذاتي في عام 1975 والذي تم وأده على يد الثلاثي ذاته، الولايات المتحدة ممثلة بكيسنجر، وإيران بالشاه، والعراق بصدام حسين، والأمل الذي يتطلع إليه الأكراد هو النهوض من جديد، فمثلما عادوا من نكسة 1975 في عام 1991 لنيل الفيدرالية، يمنون أنفسهم بالعودة للاستقلال ولو بعد حين.