أناس بسيطة يعيشون في مكان اختفت منه آثار ومعالم الحياة، فلا مدارس لا مستشفيات والآن لا مأوى، اكتمل مثلث الإهمال في هذه المنطقة التي تقع على فرع النيل، وتحديدًا طريق ترعة السلام، لم يكن لأهالي تلك المنطقة أي مطالب سوى العيش بزهد راضين بالقليل، حياتهم البسيطة تخبرك بآمالهم في الحياة ولكن قد لا تأتيك الفرصة حتى تعيش كما تريد، تجولنا بالقرية، هنا لا مكان لحياة كريمة، وبطبيعة الأمر لن تجد معنى لكلمة رفاهية.
قرية "زرزارة" إحدى القرى التابعة لمدينة الروضة بمركز فارسكور محافظة دمياط، تلك القرية التي عاش بها سكانها على مدار أعوام طويلة دون أن يعرف عنهم أحد شيئًا، اكتفوا فقط بوجود المأوى والعمل الذي قد يوفر لهم القليل من احتياجاتهم اليومية، استمر بهم الحال خلال تلك الأعوام السابقة حتى جاءت اللحظة التي واجه فيها هؤلاء قرارات هددت بكل المقاييس آمالهم في الحياة نفسها، عندما قررت المحافظة إزالة عدد من المنازل.
منذ عشرات السنوات، تستقر "أم هناء" في القرية وتأقلمت مع الإهمال، وفق حديثها لـ"أهل مصر"، غير أن ما لم يكن في حسبانها ومالا تستطيع التأقلم عليه، هو قرار الإزالة الذي صدر مؤخرًا للبيوت المتواضعة في القرية: "أنا كنت فى بيت والدتى، كنت عاملة عملية فجأة لقيت الناس بتنادى عليا عشان ألحق البيت اللى أنا سكنه فيه، بعد ما وصلت البيت لقيت حملة كبيرة بتهد البيت اللى ليا فى الدنيا دى، حاولت أمنعهم أو أفهم ليه لقيتهم قالولى إن دى أملاك دولة وإننا هنعمل طريق هنا ولازم البيوت دى تتشال، بدأوا فعلًا فى الإزالة فاستأذنتهم وطلعت خدت اللى أقدر عليه من حاجتى وخرجت".
وتابعت "أم هناء": "أنا فضلت نايمة فى الشارع أكثر من شهر ونص، لحد ما حاولت أعمل أوضة تأوينى، أنا مالي فى الدنيا إلا المأوى ده حتى لو أملاك دولة أنا قدمت على طلبات تقنين ماحدش سأل عنى وفى الآخر هدوا البيت وسابونى فى الشارع".
لم تتماسك "أم هناء" خلال حديثها، فسقطت الدموع من عينيها، وأردفت: "نفسى ألاقى حد اشتكيله وينصفنى، أنا مش عايزة من الدولة أى حاجه غير إنها تسبنى أعيش، خلونى فى مكانى واعملوا اللى انتوا عايزينه اسمعوا صوتنا بس".عم أحمد الشناوى أحد المتضررين فى قرار الإزالة الأخير، بدأ حديثه لـ"أهل مصر" قائلًا: "أنا عايش هنا من 40 سنة ويمكن أكتر، كنا عايشين فى عشة غاب وراضيين بكل حال، وفى يوم جت الثروة السمكية والرى قالولنا جاى قرار تقنين ولازم تقننوا وممكن تاخدوا المكان حق انتفاع جريت على الثروة السمكية وفعلًا سجلت ودفعت الرسوم بعدها استلفت وتعبت واشتغلت لحد ما قدرت ابنى بيت يأوينى وأولادى، وبعد خمس سنين لقيتهم جايين يهدوا البيت، ليه كده عشان الطريق الجديد".
ويضيف "الشناوي": "بعد كل المحاولات اللى قمت بيها وفشلت هدوا بيتى وأنا وولادى متشردين"، مشيدًا بأحد قيادات الحملة قائلا: "أنا كان أهون عليا أموت ولا انى أسيب بيتى، لولا واحد من قيادات الحملة اسمه اللواء هشام جالى وقالى لو عندى مكان والله هاخدك هناك ودمع عشانى لولا الراجل ده أنا كنت هاموت تحت الجدران".لم يتماسك عم أحمد كثيرًا، فانفجر فى البكاء خاصة عندما تذكر أن أبنائه يسكنون الآن داخل غرفة ملحقة بإحدى الحظائر التى امتلكها أحد أصدقائه فقال: "أنا صعبان عليا إن ولادى تعيش العيشة دى"، ولو دى أملاك دولة ليه ما تقننش وضعى أنا موافق وطلبت التقنين بس ماحدش سمعنى ولا سأل عنى.
واستمر "عم أحمد" في حديثه الباكى قائلًا: "رضينا بالهم وعايشين بالقليل، سيبونا بقا نعيش لإما افتحوا الباب قدامنا وقولونا شوفوا حياتكم فى أى حته، أنا مصرى وليا حق فى البلد دى وللأسف اللاجئين عايشين أحسن مننا".وواصل "عم أحمد" حديثه قائلًا: "قابلت المحافظ وعرضت عليه الأمر كان رده عليا غريب "قالى أنا أعمل ليكوا ايه روحوا ابنوا عشش وعيشوا فيها، وأنا بوقلك يا سيادة المحافظ أنا هاقبلك فى الآخرة وهاخد حقى منك لو ماعرفتش تعملى حاجه وسبتنى كده".
ووجه سكان المنطقة، استغاثة إلى رئاسة الجمهورية، قائلين: "لو الرئيس يعرف أنهم بيعملوا فينا كده مش هيرضى وقرار استرداد أملاك الدولة ماقالش اطردوا الناس من بيوتهم وشردوهم وسيبوهم نايمين فى الشارع على الأقل شوفوا لهم حل".
تابعوا آخر أهل مصر على Google News
