حين أغرقت دماء الضحايا شوارع مدينة نيس في يوليو 2016، كان أشد المتفائلين على يقين بأنها لن تكون العملية الأخيرة.
فالواقعة التي أسقطت 86 شخصا، ومعهم 300 مصاب، خلال حشد متجمع للاحتفال بالعيد الوطني، تبعتها حوادث أخرى بالطريقة ذاتها، منها حادثة برلين، التي خلفت 12 شخصًا و48 مصابا في ديسمبر من العام نفسه، قبل أن يستهل الدواعش العام الجديد في 22 مارس 2017، على جسر "وستمنستر" في لندن، وهو الحادث الذي أسفر الحادث عن سقوط 4 قتلى، وإصابة أكثر من 50 شخصا، مرورا بحادث ستوكهولم السويدية، الذي خلف 4 قتلى و15 مصابا في أبريل من العام نفسه، ثم حادث برشلونة الذي وقع في أغسطس الماضي وأسفر عن مقتل 13 شخصا.
مثل هذه الهجمات لن تقف، ويكاد يكون التنبؤ بها مستحيلا، بل إنها تشكل السبب الرئيسي لاستمرار الإرهابيين، على ما يؤكده خبراء الأمن، إذ يقول روب رايتر، خبير سلامة المشاة وكبير خبراء الأمن في كالبيب سكوريتي بولاردز، لـ"نيوزويك" إن تهديد هجوم السيارات أسوأ من هجوم مطلق النار المفرد، لكن الشرطة لا يمكنها أن تتواجد في كل مكان طوال أيام السنة.
وتشير بيانات من شركة Reiter، التي ركبت حواجز في تايمز سكوير العام الماضي للمساعدة في منع فوضى السيارات، إن الهجمات الإرهابية التي تتم عبر أسلوب الدهس خلفت أكثر من 600 قتيل في عام 2016 في الدول الغربية، ما يفوق ضحايا التفجيرات وإطلاق النار والطعن مجتمعة.
وشجعت الجماعات المتطرفة، بما فيها تنظيم القاعدة" وتنظيم "داعش"، أتباعها على استخدام هذا التكتيك كبديل عن البنادق والمتفجرات التي يمكن أن يكشف عنها القانون بسهولة أكبر.
وفي عام 2010، كتبت وزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفدرالي في الولايات المتحدة، إن هجمات السيارات تقدم للإرهابيين فرصة لإجراء هجوم كبير مع الحد الأدنى من التدريب أو الخبرة السابقة.
ويقول بول كروكشينك، محلل شؤون الإرهاب لدىCNN، إن الهجوم الذي نفذه سيف الله سيبوف في نيويورك لم يكن مفاجئا له، إذ إن تنظيم داعش يعتمد بشكل متزايد على عمليات دهس المارّة بالمركبات نظرا لسهولتها وتأثيراتها الواسعة، مضيفا أن مراقبة التأشيرات قد لا تؤثر كثيرا في الحد من مخاطر تلك الهجمات.
ويحذر الخبير الأمني من أن أسلوب الدهس ينتشر بسرعة، مؤكدا أن "داعش يعتقد أن عمليات الدهس وسيلة ناجحة لإسقاط أكبر عدد ممكن من الضحايا وجذب انتباه وسائل الإعلام، كما أنه يرى في هذا الأسلوب خيارا سهلا لأنه لا يحتاج إلا إلى استئجار سيارة ما يجعل من الصعب جدا توفير حماية ضد عمل من هذا النوع".
وتوقع الخبير الأمني الأمريكي رؤية المزيد من هذه الهجمات التي قال إن داعش "يفضلها بشدة ويحض عناصره عليها، فقد سبق أن وجّه دعوة لمناصريه لشن عمليات مماثلة في أمريكا قبل عام من الزمن" وفق قوله.
ويقول ستيف غوميز، وكيل مكتب التحقيقات الفدرالي السابق، والمساهم في "ABC NEWS" إن هذا النوع من الهجمات صعب جدا، وربما كان من الصعب جدا على أجهزة إنفاذ القانون أن تمنع وقوعه، لأنك حتى إن كنا نعرف أن التهديد العام ثابت بفضل تعليمات داعش لأنصاره، فإنه من الصعب الكشف عن الأماكن التي ستتعرض لذلك، مناشدا المواطنين بالإدلاء عن أي معلومات تساعد الشرطة لمنعها.
وتابع غوميز: "يجب على الجمهور أن يتعاون مع الأجهزة الأمنية، إذا رأيت شيئا مريبا، فإنك ملزم بإجراء مكالمة وإبلاغ الشرطة، على الأقل لإعطائها الفرصة للتحقيق في ذلك"، لكنه في المقابل يشدد على الأجهزة الأمنية بضرورة الانتشار في أماكن وجود الحشود، إذ إن تعزيز الوجود الأمنى يشكل "رادعا قويا" لأى تهديدات محتملة.
وقال راي كيلي مفوض شرطة نيويورك السابق ومستشار انباء "ABC NEWS" إن الأجهزة الأمنية "تواجه صعوبات كبيرة في وقف هذه الهجمات، وربما كان لديها قدرة أكبر على التدخل حين تكون لديها معلومات استخباراتية تشير الى احتمال حدوث مثل هذا". فيما كشف جيمس أونيل مفوض شرطة نيويورك، فى مؤتمر صحفى أنه منذ 9 سبتمبر، تم إحباط ما لا يقل عن 12 مؤامرة ضد مدينة نيويورك.
ويرى مراقبون أن داعش يلجأ لعمليات الدهس لأنها لا تتكلف إلا مركبات فقط، تقاد بسرعة كبيرة للانقضاض على الهدف، مما جعل من هذا الأسلوب الأكثر مرونة وسهولة في تنفيذ الأهداف، والأقل تكلفة.
لكنها من وجهة نظر أخرى تشير إلى يأس داعش الذي يسعى إلى أن يظل دائما فوق المسرح العالمي، إذ إن هذه الهجمات تبقيه في دائرة الضوء. فضلا عن أنها قاتلة جدا، ومن الصعب وقفها، وتولد دعاية هائلة للتنظيم في العواصم الغربية.
وكان داعش دعا لهجمات المركبات قبل عام، على مجلته الإلكترونية "روما"، وشجع أنصاره فيها على استخدام أكبر وأثقل مركبة يمكنهم الحصول عليها، واستهداف أكبر حشد يمكنهم العثور عليه، كما طالبهم بالحفاظ على القيادة لأطول فترة ممكنة، وحين لا يمكنهم الاستمرار، فعليه الخروج واستخدام "سلاح ثانوي"، مثل بندقية أو سكين، لمهاجمة الناس سيرا على الأقدام.