هنا داخل مركز الوقف شمال قنا، يعيش الحمام الجبلي منذ 100 عام، بعد أن استقرت به الرحلة، مهاجرًا إلى جنوب الصعيد في تلك الأبراج التي شيدها الأجداد وتوارثها الشباب والأحفاد بعدهم، يتنافسون فيما بينهم فى جذب الحمام للعيش فى أبراجهم، يقوم كل شخص بتعلية الأبراج مستخدمين الطوب الأخضر، لقدرته على تحمل درجة الحرارة، منتظرين شهر "برهمات" فى فصل الصيف، وهو موعد خروج الحصيد.
تربية الحمام الجبلي، لم تكن وليدة الصدفة، لكن مركز الوقف فى محافظة قنا هو الأشهر فى تربية الحمام الجبلى، وعند وصولك إلى قرية المراشدة والبهاجة تجد أبراج الحمام تعلوا أسطح المنزل المبنية بالطوب الأخضر، يسكن بداخل تلك الأبراج جميع أنواع الحمام المهاجرة، والتى تستقر بها، بعد أن ترى أن ذلك المكان صالح للتعايش والتزاوج، وتاريخ نشأة تلك الأبراج يرجع إلى مئات السنين، واقتصر تواجده في المنازل البعيدة عن التواجد السكانى، بسبب طبيعة ذلك الحمام في العيش بالقرب من الزراعات والترع والجبال، كما أن عملية جلب الحمام تكون بوضع كثير من الطعام حتى يستطيعون الحمام فى تلك الأبراج، ويقبل على العيش فى تلك الأماكن.
رحلة الحمام الجبلى تنطلق مع خروج الشمس، فتبدأ أسراب الحمام فى التطاير، والانطلاق لرحلته اليومية في البحث عن الغذاء الأوفر والماء، يقطع مسافات كبيرة للوصول إلى المزارع وتستمر رحلته فى الطيران لعدة ساعات، ليأتى ممتلىء "المعدة" لإطعام "الفراخ" الصغيرة، ثم يخرج مجددًا ويبدأ فى العودة عقب غروب الشمس، خلال تلك الساعات يواجه دائمًا الخطر الدائم عن طريق الصيادين والمزارعين وهم ينصبون "الفخ" لاصطياد تلك الحمام، والذى يجد عدة استخدمات لدى أبناء محافظة قنا، وفق الاعتقادات الموروثة لديهم، بتناوله وجبة طعام أو لفك السحر والأعمال.
أبراج الحمام من الداخل تحتوى على مئات الشقف والأوانى الفخارية، وهي أماكن لوضع الحمام البيض وتربية الفراخ الصغيرة من الحمام داخله تاريخ استقطاب الحمام بدأت منذ 100 عام، عن طريق قيام الحاج "أبو الشيخ" فى تشيد تلك الأبراج، ومع وفاته غادر الحمام تلك الأبراج بعد أن فقدوا الرعاية الذى كان يوفرها لهم، وبعد أن قام الأحفاد باستقطاب الحمام بوضع الحبوب والماء عادت أسراب الحمام من الجبال وبدأت فى التعايش مرة أخرى، واستمرت حتى ذلك الوقت.
طعامه دواء وشفاء، هكذا علق مختار أبو بكر صاحب أكبر أبراج الحمام الجبلى فى حديثه لـ"أهل مصر"، قائلًا: "الحمام الجبلى رزق من ربنا، وهو عايش معانا ليه 100 سنة، وأنا خرجت للدنيا وجدت والدى وأجدادى يمتلكون تلك الأبراج منذ قديم الزمن، الحمام بيسافر وبيهاجر وبيرجع تانى، وفى حمام استقر فى البرج عندنا وعايش ليه سنين، وأصبحت الأبراج التى نتمللكها هى المسكن والمأوى لبعض الحمام الجبلى، فهو يحب الأمان قبل أن يقيم عندك، ويجب أن تكون حذر فى الأوقات التى تريد دخول برج الحمام، وهى الأوقات التى يكون فيها الحمام خارج البرج أثناء قطع مسافات كبيرة للبحث عن الماء والقمح فى المزارع والأبار، فى ذلك الوقت أتمكن من الدخول لجمع، فضلات الحمام ونستخدمها فى زراعة الأراضى بديل للسماد والكيماوى، وهى تعطيك أفضل الخضروات والفاكهة الطبيعة".
يضيف "أبو بكر" لـ"أهل مصر": "الحمام الجبلى خير ربنا رزقنا بيه، وهو مش للبيع، لكن له عدة استخدمات، وعادات ومعتقدات لدينا فى الصعيد، فى المصاب بالسحر أو معمول ليه عمل، بياخد جوزين حمام، والمشايخ بينصحوا بتناول الحمام الجبلى، لأنه فى شفاء، كما أن بعض السيدات تستخدم فى أغراض أخرى مثل المغص، وفى بعض الأوقات بنقوم بذبح الفراخ الصغيرة على رأس الطفل الذى تأخر فى النطق، وهى عادات ورثناه من أبنائنا، ويكون إعطاء الحمام مجانًا وليس بمقابل مالى".ويتابع "أبو بكر": "يختلف الحمام الجبلى عن الحمام البلدى فهو يستطيع قطع مسافات كبيرة فى الطيران، ويمتاز بتشكيل حركات فى الهواء على أشكال مجموعات ويمتلك سرعة رهيبة واصطياده يجب أن يكون بحرفية شديدة، لأنه يمتاز بالسرعة والذكاء، وصاحب برج الحمام دائمًا يقوم بمنح أقاربه وجيرانه من الفراخ أثناء عقد الزواج كنوع من الهبة والعطايا والفرحة وإدخال السرور على العريس".وقالت "أم محمود" أحد أهالى مركز الوقف: "ابنى كان بيقوم باليل مفزوع ومخضوض، روحت للشيخ قالى وكليه جوزين حمام جبلى لو عاوزاه يخف، وبالفعل روحت وخليت أبوه يصطاد الحمام الجبلى، وأكلته جوزين وخف علطول وبقى زى الفل، وأغلب السيدات بتتبارك بـ"الحمام الجبلى" لانه جايه من الجبل، وده نوع من التفائل".