سادت أجواء الصدمة والارتباك والخوف في بيروت بعدما سمع بيان استقالة سعد الحريري المقتصر على كشف خلفيات السياسة الإيرانية العدوانية ضد لبنان والبلدان العربية، واستعمالها في ذلك ذراعها اللبناني والاقليمي "حزب الله" وكانت لهجة بيان الاستقالة استثنائية، على ما وصفها كثيرون، معتبرين أن الحريري لم يعتد عليها في السابق.
اذاً بعد فترة سماح استمرت عامًا و4 أيام، نفضت السعودية يدها من التسوية الرئاسية التي كانت أحد أبرز رعاتها، وقررت قلب الطاولة على تفاهم رأت أنه تم الإخلال ببنوده، فجنح لمصلحة المحور الايراني في المنطقة ووضع لبنان في حضن طهران، بينما كان يفترض ان يضع البلاد في موقع حيادي وسطي.
وكانت إشارات عدم الرضى السعودي على مسار الامور لبنانيًا كثيرة منذ انطلاق الرئاسة، فتبريرُ رئيس الجمهورية ميشال عون وجودَ سلاح "حزب الله" وربطه إياه بتطورات الشرق الاوسط، لم يعجب احدًا، تماما كما صمتُه عن استمرار قتال "الحزب" في سوريا، وعن تحريكه خلايا في الكويت والخليج، وعن مواقف مسؤوليه التي تهاجم الرياض، وعن كلام إيراني لمّح إلى أن لبنان ساحة نفوذ للجمهورية الشيعية.
ولكن السعودية بإستقالة الحريري لم تكن المستفيد الوحيد بل وليست الأول أيضاً فالمستفيد من تلك الاستقالة هي روسيا التي ستمهد لها حليفتها إيران تأمين خط أنابيب الغاز الواصل بين لبنان و سوريا للسيطرة عليهم و كسب قوة أكبر في الشرق الأوسط.
وكشف معهد واشنطن أن شركات الطاقة الروسية تتطلع إلى تجديد استثماراتها في قطاع الطاقة السوري وتوسيعها، لكنها لا تسعى إلى التنقيب عن احتياطيات النفط السورية المحدودة واستخراجها، فهي تختزن كميات هائلة، بل تحاول الاضطلاع بدور فعال في إعادة إعمار البنية التحتية للنفط والغاز في سوريا وتشغيلها.
شركات الطاقة الروسية تريد التحكم بجزء كبير من خطوط الأنابيب ومنشآت التسييل والمصافي والموانئ، وبالتالي الاستفادة من موقع سوريا كنقطة عبور لنفط وغاز المنطقة المتجهين نحو أوروبا.
وبذلك، لن تنجح روسيا في توسيع نطاق هيمنتها فحسب شرق البحر المتوسط، وهو حلم يراودها منذ حروب القوقاز في القرن التاسع عشر، بل ستتمكن من تشديد قبضتها على إمدادات الغاز الأوروبية.
فيما قالت صحيفة الديلي ميل البريطانية أنه من الناحية الإنتاجية، لم يولِ قطاع النفط الروسي هذا القدر من الأهمية لسوريا. فاحتياطيات النفط السورية تقدّر بنحو 2.5 مليار برميل، أي 0.2% فقط من الحصة العالمية، في حين لا يكفي مخزونها من الغاز البالغ 8.95 مليارات متر مكعب لتلبية حاجاتها المحلية، لكن عام 2010، دخلت "تاتنفت" السوق السوري من خلال مشروع تطوير في حقل قيشام الجنوبي قرب دير الزور، الذي يُعتقد أنه يختزن 4.9 ملايين طن من النفط.
وفي عام 2013، مع دخول الحرب مرحلتها الأكثر دموية، فازت شركة "سيوز نفط غاز" الروسية بمناقصة حصرية للتنقيب عن احتياطات الغاز البحرية السورية وتطويرها في منطقة الامتياز 12، ما زاد أصول الشركة المتواضعة قرب الحدود السورية مع تركيا، ومنذ ذلك الحين، علقت الشركتان عملياتهما بسبب المخاوف الأمنية، لكن شركات الطاقة الروسية.
وتعتبر روسيا الآن في جبهة واحدة مع إيران وحزب الله في سوريا ولأن التطورات في لبنان لها تأثير مباشر على الاوضاع في سوريا فمن الطبيعي أن تعلن روسيا دعمها لمرشح حزب الله للرئاسة اللبنانية فالمصلحة الروسية في سوريا لاتقبل اليوم باضعاف احد الحلفاء في بيئته الداخلية.
ومن جهة أخرى تثبت هذه القضية جيدًا أن حزب الله الذي دخل الحرب السورية منذ عامين قد ارتقى الى مستوى دولي يقنع فيه دولة مثل روسيا بدعمه سياسيا وربما يمكن القول ان حزب الله قد عزز مكانته الدولية خلال العامين الاخيرين بشكل جدي وهذا ما هيأ الظروف لكسب الدعم الدولي لهذا الحزب في داخل لبنان.
ومن الاسباب الاخرى يمكن الاشارة إلى الصراع الموجود بين روسيا والسعودية فموسكو التي تعرضت للضغط بسبب هبوط اسعار النفط بفعل السياسات السعودية غير الراضية عن اداء روسيا في سوريا وبسبب سعي السعودية لممارسة الضغط على روسيا في الملف الاوكراني خدمة لامريكا واوروبا، تريد الان ممارسة الضغط على الرياض في الملف اللبناني.
وهكذا يبدو ان روسيا قد قررت تعزيز تحالفها مع محور المقاومة الذي تقوده ايران في المنطقة والقيام بتكرار النموذج السوري في لبنان، وبغض النظر عن كون هذه الخطوة الروسية في لبنان خطوة استراتيجية ام تكتيكية يمكن القول ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو بحاجة الان الى الشراكة مع ايران وحزب الله وسوريا من اجل استمرار النفوذ الاقليمي الروسي في الشرق الاوسط.
وقالت صحيفة أفرين فريز أن ثمة هدفان استراتيجيان كبيران هما الدافع وراء التدخل الروسي في الصراع اللبناني، الهدف الأول هو تحدي هيمنة امريكا في الشؤون العالمية، فيما الهدف الثاني هو الحفاظ علي ما حصلت عليه في سوريا.
ولذلك تعد لبنان زبوناً أساسياً في حقل صناعة الأسلحة الروسية وأحد المواقع الجيوسياسية القليلة الباقية من المرحلة السوفييتية القادمة.