ماذا يدور في رأس الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي؟.. سؤال شغل أوساط السياسة الدولية مع ازدياد نفوذ ابن سلمان وترسيخ حكمه كل يوم، ليحكم في النهاية قبضته على مقدرات المملكة العسكرية والاقتصادية والسياسية، وطرحت تلك الأوساط تساؤلاً هل أتى في ذهن الأمير الشاب مدى تجاوب أو رفض عائلة "آل سعود" لهذه التغييرات الجذرية، تلك العائلة التي ظلت طيلة سنوات مديدة متماسكة في حكم المملكة، الدولة التي لها من الثقل السياسي والديني والاقتصادي ما يجعلها ذات طبيعة خاصة في المنطقة والعالم، فتؤثر وتتأثر بكل ما يدور حولها.
تغييرات سياسية وعسكرية أطاحت برؤوس كبار الأمراء ورجال الأعمال الذين تولوا لعقود مناصب مهمة وحساسة في المملكة، تغييرات تطرح في الأذهان تساؤلاً؛ هل ما يحدث هو نتيجة لتحريض أمريكي، لتحقيق أهداف ليست في صالح الجميع؟، أم أنه رؤية للأمير الطموح الذي يقترب من حكم البلاد.
موقفان في الغرب وأمريكا بشكل خاص، في التعامل مع الشاب العشريني، الذي ورث مملكة كان يحكمها ملوك تجاوزوا جميعم الثمانين وبعضهم التسعين، فبدأ حكمه في الحرب على اليمن، بدعوى حماية المملكة من الناحية الجنوبية، دون أدنى تقدير لنتائج، ربما بسبب صغر سنه وضعف خبرته بأوضاع منطقة ملتهبة، ومع اقتراب تلك الحرب من عامها الأول، بدون تحقيق ما كان يصبو له الأمير الشاب في تحييد إيران، العدو التاريخي للمملكة، عززت تلك النتائج فرضية عدم إدراكه الأبعاد الخطيرة لقرارات غير مدروسة، ولكن ما نخشاه أن يطرح الغرب رؤية إصلاحية منافية للواقع، بسبب أنها في حقيقتها لن تقود إلى الإصلاح، بل إلى تقسيم المملكة.
الكاتب البريطاني بيل لو، وصف في مقال له في الأندبندت البريطانية، ولي العهد السعودي بأنه "عدواني وطموح" و"أخطر رجل في العالم"، يضع أعداءه في الداخل والخارج نصب عينيه، مشيراً إلى أنه أغرق بلاده في حرب في اليمن، لا تبدو لها نهاية في الأفق، فهو على عجلة من أمره؛ كي يصبح القائد الأقوى في الشرق الأوسط.
الأجواء التي تعيشها السعودية، بعد رحيل الملك عبدالله وظهور ابن سلمان بهذا الاندفاع في المشهد السعودي، هي أجواء لم تألفها السعودية منذ نصف قرن، وتشبه إلى حد بعيد الأجواء التي عاشها العراق بعد مرحلة ما بعد أحمد حسن البكر، عندما برز نجم صدام حسين، الذي قضى على معظم من كان يعتقد أنهم منافسون له داخل حزب البعث، كما استخدم أساليب في غاية الوحشية في قمع معارضيه في الداخل، ومن ثم ورط العراق والشعب العراقي في مغامرات وحروب لا تنتهي، مازال العراقيون يدفعون ثمنها حتى اليوم.
ما تخاف منه المنطقة؛ ألا يدرك الأمير الطموح أن تشجيع الغرب وأمريكا بشكل خاص لسياسته وإقناعهم إياه أنها سياسات إصلاحية، وفي صالح البلاد، قد تكون تجربة أخرى تذكرنا بالدعم الذي منحته أمريكا لصدام قبل غزو الكويت.
تقسيم جديد
مخطط تقسيم السعودية إلى عدة دويلات مطروح أمريكياً منذ عقدين ونصف، وهناك خرائط للمملكة فى مصادر أمريكية، مثل مجلة الجيش الأمريكى فى 2007، وهى مقسمة إلى خمس دول، منها دولة سميت وهابستان وعاصمتها الرياض، وأربع دويلات أخرى تحيط بها من كل جانب.
وأعادت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشر الخريطة مرة أخرى متضمنة تقسيم دول العراق وسوريا والسعودية وليبيا ومصر إلى 14 دويلة، ومعها مقال يحلل فوائد هذا التقسيم على أمن المنطقة وأمن المصالح الأمريكية معاً، وحين يتحدث الغرب عن خرائط للمنطقة، نفهم تماماً أن أهدافه العاجلة هى إرباك المنطقة العربية وإدخالها فى دوامة من الحسابات السياسية والاستراتيجية الفوضوية التى تدفع بالمنطقة ككل إلى خراب وإلى فوضى، مؤكدة، لا يستفيد منها سوى دولة إسرائيل باعتبارها المحمية رقم واحد للغرب فى العالم بأسره.
الجديد الذى كان قد ظهر بما صرحت به المصادر الرسمية السعودية قبل ذلك فى إطار كشف المخطط الدموى، الذى بدأت به داعش تفجير أحد مساجد القطيف بالمنطقة الشرقية ذات الغالبية الشيعية، قيام التنظيم بتقَسم المملكة بالفعل إلى خمسة قطاعات، يتولى كل منها أمير يتبع التنظيم؛ ليدير عمليات التجنيد والتحريض وإعداد العمليات الإرهابية فى إطار القطاع المكلف به، ولم تُشر المصادر السعودية إلى خريطة هذه القطاعات الداعشية؛ حتى نستطيع أن نفهم الطريقة التى يفكر بها تنظيم داعش الإرهابى؛ من أجل السيطرة على المملكة.
ومع ذلك نستطيع أن نشير إلى أن فكرة تقسيم المملكة إلى خمس دويلات أو خمسة قطاعات هى قاسم مشترك بين تفكير داعش وتفكير دوائر الغرب التى تتربص بمصير المملكة ومصير المنطقة العربية ككل، وهو قاسم مشترك، يعنى أننا أمام نوع من الشحن المتبادل بين داعش وأمريكا من حيث الأفكار والآليات والأهداف.
وإذا كان هناك من يعتقد أن داعش هو صنيعة غربية وأمريكية على وجه الخصوص، كما تشى بذلك ظواهر عديدة، فلن يشك أحد ولو لحظة واحدة فى أن تقسيم القطاعات الخمسة هو نفسه تقسيم الدويلات الخمسة أمريكية المنشأ.
أما الملاحظة الثانية، فتتعلق بباقى تفاصيل مخطط داعش فى السعودية، والذى يبدأ بإثارة فتنة طائفية بين السنة والشيعة، ويتدرج بمهاجمة الشرطة؛ لأنهم عساكر النظام، وتفجير المنشآت الحيوية والتحريض ضد نظام الحكم، والتبشير بتقسيم المملكة وخضوع أجزائها للتنظيم.
هو المشروع الإرهابى الذى تعيشه سوريا والعراق، ويحاول أن يجد لنفسه مكاناً فى أجزاء من شمال سيناء، ويرتع فى بعض مناطق ليبية تحت حماية ميليشيات فجر ليبيا الإخوانية.. وأهمية هذه الملاحظة تكمن في أن هجوم داعش على السعودية ليس سوى بداية مشروع تفتيت المنطقة، التي قد تعززها تلك التصرفات التي يقوم بها محمد بن سلمان دون إدراكه لخطورتها.
وبالتالى، فإن على الرياض أن تعيد تقييم الكثير من مواقفها وسياساتها تجاه القضايا المتفجرة فى الإقليم كسوريا والعراق واليمن، وأن تنظر إلى تجربة مصر فى مواجهة الجماعات العنيفة والمتطرفة باعتبارها تجربة مليئة بالدروس المفيدة، خاصة فى الجانب الذى يؤكد أن الخطر عابر للحدود، وأن النجاح المنتظر فى المواجهة يتطلب جهوداً أكثر من عادية، وفقاً لتحليل صحيفة الأندبندت البريطانية.
ومن يتأمل المواجهة القائمة فى مصر مع جماعة الإخوان الإرهابية وحلفائها من الجماعات العنيفة أياً كان اسمها، يدرك تماماً أن أساليب الإرهاب واحدة، وأن الهدف الأكبر لهذه الجماعات هو استهداف الجيش والشرطة وبسطاء الناس، وأنهم يسعون إلى إسقاط النظم فى فوضى، معتقدين أنهم الوحيدون القادرون على تحويل هذه الفوضى إلى انتصار وإلى خلافة، وللأسف، بعض ما يحدث فى العراق وسوريا يقود إلى تأكيد هذه المفاهيم لدى داعش وأنصارها، ومن ثم إصرارهم على متابعة الاستراتيجية نفسها فى دول ومجتمعات أخرى، من بينها السعودية.
كما أن هناك شخصا وصفته صحيفة الإنتلجتس تايمز الأمريكية بـ "الحاكم السري" للسعودية، يخطط للقضاء على ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، الذي وصفته بأنه "الأمير الصغير الطامح للحكم".
والحاكم السري من وجهة نظر الصحيفة لديه خصومة مخفية، وحالة صراع مكتوم، قابلة للانفجار الكبير بين الرجلين، حيث أنه عاداه من قبل خلال زيارته لأمريكا، وحرض ضده ترامب من قبل، حتى أن الدولتين تورطتا في معاداة، ثم أخذ بن سلمان الأمر من أمريكا لمصالحة هذا الرجل الخفي.
وتابعت الصحيفة أن الأمير محمد بن سلمان حرص منذ بيعته على تقديم نفسه للغرب، كشاب منفتح، مثل وجوده في منظومة الحكم نقله نوعية كبيرة في دماغ السلطة، التي ظلت لسنوات طويلة رهينة لرأي ريديكالي متشدد في جميع النواحي السياسية والاجتماعية والدينية.
ولكن الحاكم الصغير خرج من براثن هذا النظام، و ساعدته في ذلك أمريكا باعتبار تلك الأفكار مجرد تقاليد قديمة يجب التخلص منها لمواكبة العصر، فخرج ابن سلمان ليضع استراتيجية جديدة لهيئة كبار العلماء، ترتكز على ثلاثة محاور "علمية وتقنية وإعلامية"، تهدف في الأساس لتقديم الهيئة كبديل لمكافحة التطرف والإرهاب، بهدف تقديم ولي العهد نفسه كبديل منفتح على التحرر.. فهل ينجح الأمير في مبتغاه؟.. النتائج مرهونة بالمستجدات التي تدور في الخفاء داخل قصر اليمامة.