صدر في سلسلة "كتاب الجمهورية" لشهر نوفمبر الجاري؛ كتاب للزميل إبراهيم أبو كيلة بعنوان "مئوية بلفور: الوعد والوفاء"، يتألف من 379 صفحة.
في مقدمة الكتاب الذي يتزامن نشره مع مرور مائة سنة على صدور وعد بلفور الشهير، والذي أعطى لليهود حق إقامة دولة لهم في فلسطين، يلاحظ أبو كيلة أن تلك الذكرى يحييها الغاصب بالاحتفالات والمسرات، ويتذكرها المغتصب بالعبرات والحسرات.
وتضيف المقدمة أن اليهود نجحوا في اقتناص هذا الوعد نتيجة التقاء مصالح صهيونية مع مطامع استعمارية بريطانية بموافقة أمريكية ومصادقة فرنسية ومباركة بابوية وبلاهة عربية.
وتشير إلى أن اليهود أقاموا دولتهم نتيجة تخطيط وجهد لا يكل ولا يمل في مواجهة تخاذل عربي على الصعيدين الرسمي والشعبي، إذ كانت الأحداث تقع على مرأى الجميع والمؤامرات تنكشف لهم، فيغمضون أعينهم ويصمون آذانهم ويغلقون أفواههم ويلغون عقولهم ويغضون الطرف عما يحدث وهو منتشر ومنشور في كل بقاع الدنيا، وكأن الأمر لا يعنيهم بما أنه لا يمس مصالحهم الضيقة وأطماعهم الفانية.
وعقب المقدمة ورد تمهيد، جاء فيه أن بريطانيا رأت في زرع اليهود في فلسطين فرصة رائعة لمواجهة أي توطيد فرنسي في سوريا، وفي النهاية فإن الدافع الجامع لذلك الوعد هو المصلحة البريطانية الاستعمارية على المديين؛ القريب والبعيد.
وتستعرض فصول الكتاب الأحداث والمؤامرات والظروف والملابسات التاريخية، التي أوصلت الصهاينة اليهود وغير اليهود إلى مبتغاهم، مستغلين في البداية اضطهاد اليهود في شرق أوروبا ووسطها، وظهور الحركات الصهيونية التي اتحدت وشكلت المنظمة الصهيونية العالمية المنبثقة عن المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا عام 1897، وما تلاه من محاولة إيجاد مساحة من الأرض لجمع شتات اليهود فيها، وصولا إلى تلاقي الأهداف الصهيونية مع المصالح الاستعمارية البريطانية التي أجادت استخدام الحركة الصهيونية لتحقيق مصلحتها؛ في عدم وقوع فلسطين في يد دولة معادية لها كتركيا أو ألمانيا أو فرنسا، حتى لا يكون هناك فاصل بينها وبين مستعمراتها في الشرق.
ولاحظ إبراهيم أبو كيلة أن الوعد المشئوم مر بمراحل إعداد صياغة متعددة قبل أن يعلن رسميا في رسالة مؤرخة في 2 نوفمبر 1917 موجهة من وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور إلى اللورد والتر روتشيلد، زعيم الطائفة اليهودية البريطاني، لنقلها إلى الاتحاد ةالصهيوني لبريطانيا العظمى وأيرلندا، ونشر نص الوعد بعد صدوره بأسبوع يوم الجمعة 9 نوفمبر 1917.
تضمن الوعد أربع فقرات في 67 كلمة، وعدت أولاها بدعم "إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين"، وجاء بعدها "بندان حماية" في ما يتعلق بـ"حقوق الطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين"، و"الحقوق والمركز السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر"، وحينما صدر الوعد كان تعداد اليهود في فلسطين لا يزيد عن 5% من مجموع السكان.
ويضيف المؤلف أنه جرى استخدام عبارة الوطن القومي بدلا من الدولة، بسبب المعارضين للصهيونية داخل الحكومة البيرطانية، ووافق واضعو الإعلان على ذلك، معتبرين أن الدولة اليهودية ستظهر في الوقت المناسب.
وفي الختام يؤكد أبو كيلة أن بريطانيا سعت ليكون وضع اليهود في فلسطين مشروعا، ويكون لوعدها قيمة قانونية دولية، وفي غضون خمس سنوات كان لها ما أرادت، حيث أقرت عصبة الأمم في 11 سبتمبر 1922 الانتداب البريطاني بشكل رسمي على أساس وعد بلفور، وشملت منطقة الانتداب ما يعرف اليوم بفلسطين التاريخية، أي المنطقة التي تقع فيها اليوم كل من دولتي إسرائيل وفلسطين بالإضافة إلى منطقة شرق الأردن التي قامت فيها المملكة الأردنية الهاشمية.
ومنذ أن وضعت بريطانيا أقدامها في فلسطين، عملت بكل خبث ومكر ودهاء، على تنفيذ وعدها لليهود، ومكنتهم من تجهيز أنفسهم ليقيموا دولتهم، وعندما اطمأنت أنهم جاهزون، أعلنت إنهاء انتدابها على فلسطين في 14 مايو 1948، ليعلن اليهود دولتهم في اليوم التالي.