قلبي يعتصر على كثير من شبابنا وهم لا يبالوا ببلدهم مصر الحبيبة شيئًا وكأنهم لم يولدوا على أرضها ولم يأكلوا من ثمارها ولم يشربوا من ماءها ولم يترعرعوا ويكبروا تحت ظلها، وهمهم وشغلهم الشاغل الهجرة منها بطرق شرعية أو غير شرعية ويعرضوا أنفسهم لخطر الموت، كشبابنا الذي يسافر لأوروبا عن طريق البحر. كل هذا لماذا؟.. يردوا علينا فيقولون: ماذا قدمت لنا مصر؟، لم تقدم لنا شيئًا ونشم فيهم رائحة ضعف الانتماء لبلدنا الحبيب وللأسف هذا حال كثير من شبابنا.
السؤال الذي يطرح نفسه ويتبادر لذهننا جميعًا وأسمعه من أحد قارئينا الآن وقلمي يتحرك عبر السطور ما الحل؟، هيا بنا أحبائي القراء نبحر في عمق السؤال لنبحث عن الإجابة لعلها تنجينا وتنجي شبابنا وتنجي بلدنا الحبيب من خطر ضعف الانتماء. حقًا إنها كارثة عظيمة.
من أين يأتي الانتماء؟ هذه القيمة الثمينة التي شعرنا هذه الأيام بمدى احتياجنا إليها وخاصة من شبابنا سواعد الأمة وبناة حضارتها ومحقق نهضتها التي نصبوا إليها والتي لن تتحقق هذه النهضة ولن تبنى الحضارة ولن يكون هؤلاء الشباب سواعد للأمة دون انتماء.
نعود مرة أخرى لنطرح سؤال من أين يأتي الانتماء؟؟؟ أين منبته؟ أين أصله؟ أين منشأه؟ الإجابة: "البيت".. نعم البيت، أي الأسرة اللبنة الرئيسية والركيزة الأساسية للمجتمع وضمان تقدم ورخاء الدولة. فإن صلح حال الأسرة صلح حال المجتمع وبالتالي الدولة.
فعلينا كآباء وأمهات أن نسقي أبناءنا من إناء الأخلاقيات الحميدة والقيم النبيلة والمبادئ السامية ومن أبرزها الانتماء، أولًا الانتماء لأسرتهم، يجب علينا أن نجعل أبنائنا مترابطين مع الأسرة ومع بعضهم البعض بحب ومودة ومحبين للتواجد في البيت لفترات طويلة برغبتهم لأنهم حينها يجدوا أنفسهم ويستمتعوا بذلك، علينا كأب وأم أن نجعل أبنائنا لذتهم في وجودهم مع الأسرة ونكون قدوة لهم ومثل أعلى يحتذوا به فيحبوا دائمًا التواجد مع مثلهم الأعلى.
إن فقدوا انتماءهم لأسرتهم فقدوا انتمائهم لمجتمعهم وفقدوا اجتماعهم لبلدهم، إذًا الأسرة هي الأساس وعندما نجد ضعف الانتماء نرجع السبب الأساس إلى وجود خلل في الأسرة، الأب دائمًا مشغول ويعود إلى البيت في وقت متأخر من العمل وينزل عمله في الصباح الباكر قبل أن يستيقظ أبناؤه، وإن قابل أبناءه في سابقة لا تتكرر كثيرًا فلا حديث يذكر ولا اهتمام ولا رعاية لشئونهم ولا لشئون البيت، شغل الأب الشاغل هو الإتيان بالمال وهم له بعض العذر ولكن أيها الأب الكريم لماذا تتعب؟ لماذا تشقى؟ لماذا تكد؟ يرد ويقول لأجل أبنائي نرد عليه ونقول أبنائك يحتاجونك أكثر من احتياجهم للمال يحتاجون منك الحب والعطف والحنان والتضحية والتوجيه والمشاركة.
لو بحثنا عن الأم تجدها ليست بأحسن حال من الأب فهي منشغلة أيضًا عن أبنائها سواء كانت تعمل أو لا تعمل ومهتمة بإعطاء الأوامر والنواهي لأبنائها دون التقرب منهم والحديث معهم.
فجأة نجد الزمن مر وناقوس الخطر يدق أبنائنا خارج المنزل بصفة دائمة لا يحبون التواجد في المنزل من كثرة الأوامر والنواهي وعدم اقترابنا سواء أب أو أم منهم بل زادت الفجوة بيننا وبينهم.
بعد الأسرة هناك دور هام وضروري للمدرسة وهي الضلع الثاني في مثلث تشكيل شخصية أبنائنا منذ طفولتهم وغرز القيم والأخلاقيات فيهم ومن أهم هذه القيم قيمة الانتماء.
وكما ذكرنا الضلع الأول هي الأسرة. أما المدرسة فالحديث عنها مليء بالشجون أين المدرسة؟ أين هي؟ لا أجدها افتقدت أهميتها بشكل كبير فالمدرس فقد هيبته بشكل لافت لأن راتبه ضعيف لا يكفي احتياجات أسرته وبالتالي يلجأ لإعطاء الدروس الخصوصية ويبذل مجهود مضاعف فيها من أجل المال مما يؤثر كثيرًا على أداءه بالمدرسة، وتأهيله علميًا ليس على المستوى المطلوب سواء أثناء دراسته في الكلية أو عند التحاقه بالعمل، والمنظومة التعليمية ليست على ما يرام والدليل تراجعنا في التصنيف التعليمي على مستوى دول العالم سواء على المستوى الابتدائي أو حتى على المستوى الجامعي وأخص بالذكر المرحلة الابتدائية التي هي أهم مراحل التعليم على الإطلاق. إذًا أركان المدرسة أصبحت مفقودة المدرس والمنظومة التعليمية والطالب الذي فقد الاهتمام من أسرته وجاء المدرسة ليلقى نفس التراخي وولي الأمر الذي هو مقصر مع ابنه أو ابنته.
نتخطى هذين الضلعين لعلنا نجد طوق النجاة في الضلع الثالث لعل أبناءنا يتعلمون الانتماء فيه بعدما لم يجدوا ما يسد جوعهم ويطفئ ظمأهم كي ينالوا القسط المناسب للانتماء، هيا نذهب للضلع الثالث ألا وهو دار العبادة.
بعد ما ذكرنا الأسرة والمدرسة صدمة وذهول!!!.. لا جديد لا دور يذكر لدور العبادة في غرز القيم الأخلاقية في نفوس أبنائنا منذ الصغر وهنا يلوح لنا في الأفق ويظهر المأزق الكبير والهوية المخيفة نتيجة الخلل والتقصير في أضلاع مثلث الانتماء الثلاثة، علينا معالجة هذا التقصير إصلاح هذه العيوب بداية من الأسرة مرورًا بالمدرسة نهاية بدور العبادة، بعدما كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم المسجد هو مدرسة القيم والأخلاقيات للأبناء الصغار.
وأختم كلامي بكلام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عند هجرته من مكة المكرمة موجهًا حديثه لمكة المكرمة (أما والله لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إليّ وأكرمه على الله ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت) هذه البلد الذي تربى فيها وترعرع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومدى ارتباطه فيها وحبه لها. هذا هو الانتماء في أسمى معانيه يعلمه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.